ما هي تحديات تنظيمات الجهاد العالمي بعد مقتل جيلها المؤسِّس؟

ما هي تحديات تنظيمات الجهاد العالمي بعد مقتل جيلها المؤسِّس؟

ما هي تحديات تنظيمات الجهاد العالمي بعد مقتل جيلها المؤسِّس؟


24/09/2024

قتلت القوات الأمريكية، في السنوات الأخيرة، كبار قادة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في غارات جريئة؛ بينهم أيمن الظواهري بكابول في تموز /  يوليو 2022، وزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو إبراهيم القرشي في سوريا في شباط / فبراير 2022. 

وقد كان هذان الرجلان من أعضاء الجيل المؤسس لمجموعتيهما، حيث شكل مقتل الظواهري وأبي إبراهيم فرصة لمقارنة كيفية تعامل مجموعتين تتنافسان على توجيه الجهاد العالمي مع التحديات القيادية والتنظيمية التي تنشأ، عندما تفقد الجماعات الثورية جيلها المؤسس.

قائد في تنظيم القاعدة: أيمن الظواهري

وقد تحدث المركز العربي لدراسات التطرف في دراسة حديثة بعنوان " تحديات الجهاد العالمي بعد مقتل الجيل المؤسِّس"، عن المساهمات الملهمة والرؤيوية التي يقدمها "المؤسسون الكاريزماتيون"، إذ يشكل فقدان مثل هؤلاء القادة تحديات عميقة لمنظماتهم، خصوصا أنهم يلعبون دوراً حاسماً في وضع الخطط لعملية انتقال القيادة. 

تعامل تنظيم القاعدة مع مسألة انتقال القيادة الوحيدة التي تولاها حتى الآن على نحو يتفق مع الطابع الفضفاض لدوره الطليعي

وأشارت الدراسة إلى أن تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية يشكلان نموذجين دراسيين للتناقضات؛ فقد تعامل تنظيم القاعدة مع مسألة انتقال القيادة الوحيدة التي تولاها حتى الآن على نحو يتفق مع الطابع الفضفاض لدوره الطليعي: فقد اختار المؤسس الكاريزماتي أسامة بن لادن نائبه الظواهري خليفة له. 

وعلى النقيض من ذلك، ربط تنظيم الدولة الإسلامية أول خلافة له بعد وفاة أبي مصعب الزرقاوي بعملية إعلان ثم بناء هيكل ما قبل الدولة. ومنذ ذلك الحين، قدم تنظيم الدولة الإسلامية قادته بصفتهم رؤساء الخلافة لتعظيم شرعيتهم، وهو النهج الذي استخدمه التنظيم بنجاح لإدارة أربع عمليات انتقال قيادية قسرية حتى الآن.

لعنة الكاريزما

الدراسة لفتت إلى أن الجماعات الثورية العنيفة غير التابعة لدولة ما تتأسس في العادة على يد شخصيات كاريزمية. ويجسد أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي هذا الاتجاه؛ فقد قدم كل من الرجلين نفسيهما، كل بطريقته الخاصة، بصفته تجسيداً لقيم جماعته وهدفها. 

فقد حشد كل منهما الناس من مختلف أنحاء العالم مستلهمين رؤيتهما للجهاد العالمي. فضلاً عن ذلك، اعتمد كل من الزعيمين على دائرة داخلية وثيقة من المستشارين والدعاة لمساعدتهما على بناء صورتهما وسرديتهما وإيصالها إلى أنصارهما.

كما اعتبرت الدراسة أن أحد الاختبارات الرئيسة الأولى لقدرة التنظيم على الصمود يأتي بعد وفاة الشخصية الكاريزمية المؤسسة. ومن نواحٍ عديدة مهمة، تشكل رأس مال تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة بشكل أساسي من خلال ما حدث في أعقاب الضربات الأمريكية. 

فبالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، جاءت تلك اللحظة في وقت مبكر نسبياً عندما قُتل الزرقاوي، ومع انهيار خطة الخلافة، استعد التنظيم لتطوير هيكل أكثر قوة. ونتيجة لهذا، في اللحظة الحاسمة التي تمت فيها إزالة المؤسس الكاريزمي، وضع كادر التنظيم من الاستراتيجيين والمديرين والأيديولوجيين خططاً للخلافة وفقاً لأهدافهم السياسية. وفي تنظيم الدولة الإسلامية، استُغِلت وفاة الزرقاوي كفرصة لإضفاء طابع روتيني على هيكل الجماعة وممارساتها وتوفير الاستقرار في المستقبل.

ولكن في عام 2011، كان التحول الذي شهدته القاعدة مختلفاً. فقد كانت الجاذبية العالمية التي اكتسبها بن لادن سبباً أساسياً في تماسك شبكة متنوعة من المنتسبين الرسميين والطامحين والجماعات الداعمة والأفراد، لأكثر من عقد من الزمان. 

ولكن مع اختباء مؤسس القاعدة الكاريزمي ـ وظهوره بشكل متقطع لإلهام المؤمنين، وفي السنوات الأخيرة، تقديم “دليل على أنه على قيد الحياة” ـ كان كبار قادة التنظيم (بما في ذلك عطية عبد الرحمن الذي لا غنى عنه) يتعرضون للإبادة بسبب ضربات مكافحة الإرهاب. 

قصة خلافتين: صعود الظواهري في السياق

لقد أصبح أيمن الظواهري زعيماً لتنظيم القاعدة في العام الأكثر أهمية في الصراع الجهادي الحديث، بحسب الدراسة. ففي عام 2011، دمرت الولايات المتحدة قيادة التنظيم، فقتلت بن لادن وأنور العولقي وعطية عبد الرحمن، وهددت احتجاجات الربيع العربي الأنظمة الاستبدادية في مختلف أنحاء المنطقة، وسحبت الولايات المتحدة قواتها العسكرية من العراق. 

وخلف الظواهري، الذي شغل منصب نائب زعيم التنظيم، بن لادن، الذي كافح للحفاظ على وحدته وتماسكه في السنوات الأخيرة من حياته. واستمرت هذه الصراعات في عهد الظواهري، الذي شهد انفصال فرعين رئيسيين في العراق وسوريا ـ جبهات قتال حاسمة في ذلك الوقت ـ بطرق مختلفة للغاية لتشكيل مجموعات مستقلة. 

وأدى سوء تعامل الظواهري مع تنظيم الدولة الإسلامية إلى انقسام التنظيم وصعود منافس هائل. وعلى الرغم من هذه النكسات الكبيرة، نجح الظواهري في الحفاظ على تماسك شبكة القاعدة العالمية لعقد آخر من الزمان.

في حالة وفاة أسامة بن لادن، كانت خطة انتقال القيادة التي وضعها تنظيم القاعدة تتلخص في الأساس في الظواهري، نائبه، الذي كان قد تم تعيينه مسبقاً من قِبَل المؤسس الكاريزماتي لهذا المنصب. وتشير الانتقادات المشروعة لقيادة الظواهري إلى تركيزه على القضايا الأيديولوجية على حساب التفاصيل التشغيلية وأسلوبه الإداري الذي يتسم بعدم التدخل علناً

واعتبرت الدراسة أن ليس كل شخص قادراً على أن يكون مثل أسامة بن لادن في نظر القاعدة. فقد نجحت القاعدة في تحويل بنيتها التنظيمية إلى مؤسسة عالمية فعّالة تضم فروعاً لها في مختلف أنحاء العالم، ولكنها لم تفعل الشيء نفسه في ما يتصل بخططها لخلافة زعيمها. ولم يكن فشل التنظيم في اختيار الظواهري ليخلف أسطورة، بل كان فشله في إرساء مبدأ لانتقال القيادة يقدم الظواهري على النحو اللائق بوصفه نوعاً مختلفاً من الزعماء الذين صعدوا إلى السلطة من خلال عملية استخلاف موثوقة من شأنها أن تصبح روتينية في المستقبل. 

هذا وكان سلف تنظيم الدولة الإسلامية، تنظيم القاعدة في العراق، له مؤسس كاريزمي أيضاً ـ أبو مصعب الزرقاوي ـ الذي قاد صعود التنظيم السريع في العراق المحتل بعد أن تعهد بالولاء لأسامة بن لادن في عام 2004. 

وقد قُتل الزرقاوي في غارة جوية أميركية في يونيو/ حزيران 2006، وقام التنظيم بترقية نائب الزرقاوي لفترة طويلة، المصري أبو حمزة المهاجر، في عملية استخلاف تذكرنا بالتحول من بن لادن إلى نائبه الظواهري. 

ولكن باعتباره أجنبياً في الوسط السني المتنازع عليه في العراق، فقد اعتبرت القاعدة أن ترقية المهاجر من غير المرجح أن تحل مشاكلها السياسية المتنامية. وقد أدى الضغط الشديد لمكافحة الإرهاب من جانب قوات العمليات الخاصة الأمريكية إلى تقليص عدد القيادات وأجبر التنظيم على تطوير عقيدة جديدة لانتقال القيادة حولت اتحادها الفضفاض من الفصائل إلى دولة أولية ذات حكومة ظل تسمى الدولة الإسلامية في العراق.

وبموجب هذا النهج، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية الذي تأسس حديثاً عن انتخاب زعيم جديد ـ أبو عمر البغدادي ـ وهو من نسل قبيلة قريش التي ينتمي إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وانتخبه مجلس شورى يتألف من ممثلين عن جميع المجموعات المكونة للتنظيم في أكتوبر/ تشرين الأول 2006. 

زعيم تنظيم داعش: أبو بكر البغدادي

ووفقا للدراسة، فقد لقد نجحت ممارسة انتقال القيادة التي انتهجها تنظيم الدولة الإسلامية، سواء في ذلك الوقت أو الآن، لأن الجيل المؤسس للتنظيم منحها الشرعية بربطها بإنشاء “دولة” تحاكي الممارسة الإسلامية المبكرة.

مشكلة الغموض التي تواجه تنظيم القاعدة

لقد عانت القاعدة من الغموض الفقهي والاستراتيجي طيلة تاريخها، على النقيض من التركيز الذي أبداه تنظيم الدولة الإسلامية على إنشاء خلافة في العراق وسوريا. وربما كان هذا الغموض، بحسب الدراسة، جزءاً من جاذبيته عندما كان بن لادن يقوده.

قدمت القاعدة نفسها بوصفها طليعة الأمة العالمية القادرة على نشر الموارد والخبراء لدعم النضالات الجهادية المحلية

 فقد قدمت القاعدة نفسها بوصفها طليعة الأمة العالمية القادرة على نشر الموارد والخبراء لدعم النضالات الجهادية المحلية. كما دافعت عن نهج تدريجي نسبياً لإقامة دولة إسلامية مع إخضاع السلطة الفقهية النهائية لزعيم طالبان السابق الملا عمر.

 وعلى النقيض من ذلك، زعم قادة تنظيم الدولة الإسلامية أنه ينبغي اتخاذ جميع التدابير لإقامة الخلافة العالمية بشكل فوري مع وضع السلطة النهائية في يد زعيمها بصفته خليفة، بلا مؤهلات أو تحذيرات.

ولقد ساهم التطور الاستراتيجي لتنظيم القاعدة في غموضه. ففي العقد الأول من عمره، اعتمد التنظيم على ثروة زعيمه لدعم وبناء شبكاته العالمية. وبعد هجمات تنزانيا وكينيا عام 1998، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول /  سبتمبر، كان رأس مال بن لادن الكاريزمي أقوى حتى من ثروته الشخصية (المتناقصة)، وغذى التوسع غير المسبوق لشبكات القاعدة التابعة له. وقد انضم مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية الزرقاوي إلى القاعدة لهذا السبب. وفي السنوات الأخيرة من عهد بن لادن، كان إرثه هو الذي دعم شبكة القاعدة.

كما ولم تشرح القاعدة بوضوح مصدر سلطة الظواهري أو كيف سيتم تمريرها إلى خليفته. ولم يكن الظواهري يتمتع بسمعة بطولية في ساحة المعركة ومهارات الخطابة التي تميز الشخصيات الكاريزمية الجهادية. ولم تقدمه القاعدة بصفته عالم دين، ولم يكن يتمتع بالمؤهلات الدينية الرسمية اللازمة للعلماء، حتى ولو كان قد تولى هذا الدور أثناء قيادته للتنظيم. 

إلى أين يتجه تنظيم القاعدة؟

هذا وخلصت الدراسة إلى أن التنظيم أهدر فرصته في تطوير وترويج نهج صارم في ما يتصل بمسألة انتقال القيادة. فقد فشل في إيصال معيار موحد لزعماء التنظيم، ومن المرجح أن يضطر إلى اختيار أفضل رجل متاح من خلال تصويت مجلس الشورى. وفي حين يقدم تنظيم الدولة الإسلامية زعيمه باعتباره السلطة الدينية النهائية، فإن تنظيم القاعدة لا يزال يعاني من مخاوف من قيامه بترقية شخص أصبح الآن ميتاً بالفعل.

كما لاحظت الدراسة أنه وبعد انهيار خلافة تنظيم الدولة الإسلامية، لا يزال تنظيم القاعدة منافساً قوياً لزعامة الجهاد العالمي، مع وجود فروع إفريقية قوية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في منطقة الساحل وحركة الشباب في الصومال. لكن انتقال القيادة لا يزال يشكل نقطة ضعف بالنسبة للتنظيم، وقد كان لنقطة الضعف هذه في السابق تأثير تآكلي على تماسكه وقدرته على الصمود.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية