ما مصير مقاتلي "داعش" بعد القبض عليهم؟

ما مصير مقاتلي "داعش" بعد القبض عليهم؟


24/04/2018

ربما لا تبدو أسماء مثل أليكساندا كوتي والشافعي الشيخ، غير معروفة، إلا أنها تحظى بشهرة عالمية.

تُوجّه إلى كوتي والشيخ؛ عنصرا تنظيم "داعش"، تهمة الانخراط في صفوف الخلية الإسلامية التي سجّلت مقاطع الفيديو الشهيرة التي ظهرا فيها أثناء قطعهما رأسي الصحفي الأمريكي جيمس فولي والناشط البريطاني ديفيد هاينس.

يتواجد آخر فردين في هذه المجموعة الأصولية التي يطلق عليها لقب (بيتلز)، تحت سيطرة القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في شمال سوريا.

أليكساندا كوتي والشافعي الشيخ

يرغب الاثنان في تسليمهما للسلطات البريطانية ويطالبان بمحاكمة عادلة.

قال كوتي مؤخراً "تجربتي أن القضاة البريطانيون عادلون للغاية"، حسبما أوردت شبكة (سي إن إن) الإخبارية الأمريكية.

ووفقاً لوسائل إعلام محلية، فإنّ الرجلين نُزعت عنهما الجنسية البريطانية، رغم عدم ورود تأكيد رسمي لهذا الأمر.

وعلى أي حال، يتمسك الاثنان بجنسيتهما البريطانية من أجل الحصول على عملية قضائية ذات ضمانات.

وتسلّط حالتهما الضوء على مشكلة تتمثّل في كيفية التعامل مع من أُلقي القبض عليهم بعد انخراطهم في جماعات تصّنفها الدول الغربية بالجهادية.

أجرى برنامج "ذا إنكوايري"، الذي يبث عبر هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تحقيقاً حول التعامل مع هذا التحدي في أجزاء مختلفة من العالم.

أحد عناصر مجموعة "البيتلز" فى سوريا

في العراق

دخلت قوات الجيش العراقي مدينة الموصل، معقل تنظيم "داعش"، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 بعد انتزاع السيطرة عليها من أيدي التنظيم.

تقول إحدى النساء المغادرات للمدينة "لا يوجد ماء، ولا طعام. يجب أن نرحل".

يفعل آلاف الأشخاص الأمر عينه. ينبغي أن يكشفوا عن أسمائهم قبل الخروج عبر نقاط تفتيش يسيطر عليها ضباط في الاستخبارات مزودين بحواسب محمولة. يتم فصل البعض واحتجازهم بوصفهم مقاتلين في التنظيم.

أمضت بلقيس ويلي، الباحثة في منظمة (هيومن رايتس ووتش) غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان والمتخصصة في الشأن القطري والعراقي، أشهراً في دراسة مصير من يشتبه في كونهم مقاتلين بصفوف "داعش".

كما رافقت الباحثة عائلات عديدة تحتمي بمحال تجارية واستمعت إلى قصص حول أهوال العيش تحت سطوة التنظيم.

غادر السكان المدنيون الموصل بعد انتزاع السيطرة عليها من أيدي التنظيم

وتكشف ويلي أنّ "المطلب الشعبي هو رؤية من جعلوهم يعيشون في الجحيم موتى".

واكتشفت الباحثة أنّ الكثيرين مّمن ألقي القبض عليهم بنقاط التفتيش على الطرق، أودعوا سجوناً مرتجلة بمنازل غير مأهولة في مدن صغيرة.

وذات مرة، دعا آمر أحد السجون ويلي لزيارة منشأته.

تروي ويلي "رأيت أشياء لن أنساها قط. كانت غرفة مساحتها 4X6 أمتار. لا يمكنني وصف الرائحة ولا درجة الحرارة التي كانت تنبعث من هذه الغرفة. ظننت أنه ربما يكون هناك 314 رجلاً وطفلاً متكّدسين في مساحة صغيرة للغاية بحيث يعجز الواحد منهم على التمّدد. قضوا هناك الأشهر الأربعة الأخيرة".

وتستطرد "لدرجة أنّ أربعة أشخاص توّفوا بسجنهم هناك بسبب الحرارة والرائحة".

كان جميع السجناء من العراقيين. ألقت قوات الأمن القبض على بعضهم بعد ورود أسمائهم في وثائق تنظيم "داعش".

بينما اُتّهم البعض من قبل جيرانهم.

وتضيف الباحثة "في الحقيقة، يترك الأمر للسكان المحليين كي يعدوا قائمة بالأسماء. تتعامل قوات الأمن مع هذه القائمة بوصفها مسلّماً بها. إذا كان اسمك مدرجاً بهذه القائمة، سيلقى القبض عليك وتخضع للتحقيق. وربما تتعرض للتعذيب كي ينتزعوا منك اعترافاً ما".

أخذت الكثير من الاعترافات عنوة تحت التعذيب. "بينما يلقي القضاة أسئلة تسمح لهم فقط بتأكيد الاعتراف".

وتردف ويلي "استندت العقوبات في 95% من الحالات إلى الاعتراف فحسب".

وتشير إلى أنّه حتى إذا كان هناك محامون خلال المحاكمة؛ فالأمر لا يعدو سوى كونه "صورياً"؛ حيث لا يمكنهم رؤية المتهمين قبل نظر القضية، ولا يسمح لهم بقول شيء خلال المحاكمة.

أما العقوبة الموقعة فلا تبتعد عن السجن المؤبد أو الإعدام.

هناك بين المدانين أناساً انضموا للتنظيم بالقوة أو لم يكونوا مسؤولين عن جرائم عنف

وتؤكد الخبيرة أنّ غالبية المدانين يستسلمون فور معرفتهم بالعقوبة الموقعة بحقهم.

وتعتقد أنّ هناك بين المدانين أناساً انضموا للتنظيم بالقوة أو لم يكونوا مسؤولين عن جرائم عنف.

وتبرز "يدان الجميع بنفس معايير قانون مكافحة الإرهاب".

ونظرا لأن عدد المشتبه بهم يقدر بعشرات الآلاف، فإن المحاكمات قد تمتد لعقود.

قاتلت قوات بغداد لأشهر لاستعادة الموصل

وتوضح "إجراء التحقيقات بشكل ملائم قد يجعل الأمور أكثر تعقيداً، لكن هذا هو عمل القضاة".

وفقاً للتشريعات العراقية، تبدأ المسؤولية الجنائية من عمر تسعة أعوام. وتكشف ويلي أنّها رأت أطفالاً عمرهم 13 عاماً يتعرضون للمحاكمة.

لكن الأمر لا يقتصر على العراقيين وحدهم. فقد أصدرت المحكمة المركزية في العاصمة بغداد حكمها بالإعدام على 13 امرأة تركية.

في روسيا وآسيا الوسطى

التقت آنا ماتفيفا الباحثة بجامعة كينجس كوليدج في لندن، بأشخاص سافر ذووهم للقتال في صفوف تنظيم "داعش"، وأيضاً بشرطيين متخصصين في تتبعهم.

قضت ماتفيفا وقتاً طويلاً في آسيا الوسطى تتقصى ما يحدث هناك مع التطرف.

تقول الباحثة "يتقرر حرمان هؤلاء الأشخاص من جنسيتهم في أغلب دول آسيا الوسطى".

ورصدت ماتفيفا في طاجيكستان ضغوطاً مارسها ضباط الاستخبارات على عائلات المقاتلين.

فّر الكثيرون من العراق وسوريا إلى أوكرانيا وأفغانستان لمواصلة القتال.

وتبرز روسيا من بين الدول المتأثرة بالهجمات الجهادية.

وقد سجّلت هناك أيضاً حالات لشباب حاولوا السفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم "داعش". وكانت إحداهم هي الشابة باربرا كاراولوفا، التي جرى إيقافها أثناء محاولتها عبور الحدود بين تركيا وسوريا.

قدّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عدد مواطني روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق المنخرطين في صفوف الجهاديين بما يتراوح بين خمسة آلاف وسبعة آلاف شخص.

وتوضح ماتفيفا أنّ "الإرهابيين" الذين يقضون مدة عقوبتهم بالسجون الروسية يجري استخدامهم في إقناع الجهاديين الآخرين ويشارك بعضهم في تسجيل رسائل تبثّ ضمن حملات توعية ضد التطرف العنيف.

الحدود بين المملكة العربية السعودية والعراق كانت أيضا مسرحا لكفاح بغداد ضد داعش

في المملكة العربية السعودية

يدرس الطبيب عبد الله السعود، من مركز دراسات الأصولية والعنف السياسي التابع لجامعة كينجس كوليدج في لندن، من الرياض ما يحدث مع الجهاديين العائدين إلى السعودية.

يقول السعود "تتحدث التقديرات الرسمية عن 600 أو 700 من العائدين".

ويوضح أنه إذا كان لهم دور بارز في التنظيم، فقد يعاقبون بالسجن المؤبد أو الإعدام.

أما الذين لم تكن لهم أدوار قيادية، فقد خصصت السلطات السعودية لهم برنامجاً تسعى بواسطته لتغيير طريقة تفكير الجهاديين، نوعاً من خطة إعادة تأهيل.

يؤكد الطبيب "هناك أطباء نفسيون وأكاديميون في مجال الدين، ويعقدون لقاءات خاصة مع بعض هؤلاء الأفراد. تمثّل أحد النجاحات مؤخراً في التعرف على كافة التيارات الدينية الأصولية والخاطئة التي كان يعتنقها أعضاء هذه الجماعات الإرهابية وجمعوها في دليل يشتمل على 100 فصلا".

وعندما يقترب السجناء من نهاية مدة العقوبة ويتمكنون من إظهار ندمهم، فإنّهم ينتقلون إلى المرحلة التالية من العلاج.

يوضح السعود "يذهبون إلى منازل تحوي غرفاً وحديقة مركزية بديعة. هناك أيضاً محال تجارية؛ حيث يمكنهم مزاولة ألعاب الطاولة أو الدردشة، وحتى مسبح وصالة لألعاب القوى مجهزة على أعلى مستوى، نوع من الخلوة".

وفور وصولهم إلى هذه الخلوة، لا يصبح هؤلاء سجناء؛ بل مستفيدين من برنامج إعادة التأهيل.

حينها يدخلون مرحلة أخرى.

يضيف الطبيب "يتلقون علاجاً عبر الفن وورش حيث يمكنهم الرسم. عندما زرت هذا المركز، قصّ علي المسؤولون أنّ النزلاء كانوا يرسمون في البداية لوحات بشعة للغاية، وبعد شهرين بدأوا في رسم أشياء أقل فظاعة، مثل الزهور".

ويعتمد العلاج على الصور التي تساعد الأفراد المنخرطين في البرنامج على التعبير عن مشاعرهم بشكل أفضل.

يتضمن البرنامج السعودي أيضاً دروساً وأنشطة ترتكز على التقنيات الحديثة.

يقول الطبيب "هناك سعي لتشكيل عقلية إيجابية والتفاعل بين الجميع من أجل تسهيل اندماجهم عندما يغادرون المركز".

وفي المرحلة النهائية، يكون بوسع السجناء استقبال زيارات من أحبائهم الذين يجري تشجيعهم على الحديث حول أشياء إيجابية للحياة في الحرية.

وبعد انتهاء المرحلة الأخيرة، يمكن لهؤلاء الأشخاص العودة للحياة في المجتمع. كما تخصص مساعدات لمن يعانون مشكلات مادية.

لكن السعود يؤكد أنّ "عملية استئصال التطرف معقدة للغاية، بيد أنّه إذا كانت لديك أسرة، وعمل، وليس لديك مشكلات مالية، فمن الصعب أن تسقط تحت تأثير الأفكار المتشددة".

تبرز السلطات السعودية أن برنامجها الطموح، الذي بدأ العمل فيه قبل 10 أعوام، أثمر عن نتائج باهرة.

فمن بين ثلاثة آلاف فرد دخلوا البرنامج، عاد 20% منهم فقط للعنف.

فرنسا، التي يوجد على أراضيها العدد الأكبر من المقاتلين العائدين تواجه مشكلة من نوع آخر

في أوروبا

كيف يمكن التعامل مع ظاهرة الجهاديين العائدين، التي لا تزال تمثّل مشكلة بالنسبة للحكومات الأوروبية.

يقدّر أنّ سبعة آلاف شخص غادروا أوروبا للانضمام إلى صفوف تنظيم "داعش"، عاد منهم ألفان إلى أوروبا.

يسود شعور من القلق لأنهم يشاركون، مثلما حدث في مرات عدة، في خطط لتنفيذ هجمات على الأراضي الأوروبية.

يشير ماجنوس رينستورب من كلية الدفاع الوطني في السويد إلى دراسة أعدتها السلطات الألمانية وتظهر أنّ 75% من المقاتلين العائدين لم يبدوا أي إرادة للتعاون.

يقدّر أنّ سبعة آلاف شخص غادروا أوروبا للانضمام إلى صفوف "داعش" عاد منهم ألفان

ويقول رينستورب "هم أناس يصعب للغاية الحديث معهم".

ولا يزال هناك مئات المقاتلين يؤمنون بقضية تنظيم "داعش" داخل الأراضي الأوروبية.

ويوضح رينستورب "وبدون العثور على أدلة تدينهم، فإنّ الشرطة تحقق معهم فحسب".

لم يكن السفر للانخراط في صفوف منظمة تصنف كإرهابية، أمراً غير قانوني في السويد حتى وقت قريب جداً.

ويستطرد الخبير "تغيّر القانون، لكن هذا الأمر حدث متأخراً للغاية".

عاد العديد من الجهاديين واختفوا تماماً عن أنظار أجهزة الأمن.

وفي فرنسا، التي يوجد على أراضيها العدد الأكبر من هؤلاء المقاتلين العائدين، تواجه السلطات مشكلة من نوع آخر.

ويكشف رينستورب أنّه "إذا توافرت معلومات استخباراتية تؤكد سابق انضمامك لتنظيم "داعش"، فبوسعهم اعتقالك لوقت طويل".

ففي أعقاب تغيير القوانين، بات من الممكن أن تستغرق المحاكمات أعواماً.

وليس من الواضح ما إذا كانت التعديلات التشريعية قد أسهمت في تخفيف وطأة المشكلة.

أما في بريطانيا، فقد أقرت السلطات برنامجاً يقوم على الفنون القتالية.

يقول رينستورب "هناك محاولات لإظهار الروح القتالية من أجل إعادة تشكيلها بطريقة أكثر مسالمة في وقت لاحق. توجد مبادرات مثيرة حقاً".

بيد أنّ الحل ليس على هذه الدرجة من اليسر؛ حيث تتوافر عوامل تجعله أكثر تعقيداً.

تمّثل النساء ما نسبته 25% من المقاتلين العائدين. رجعت الكثيرات منهن برفقة أبنائهن.

وأردف "نتحدث ها هنا عن مئات أو ربما الآلاف من الأطفال الذين يعانون اضطرابات وهم قابلون لأن يصبحوا أفراداً غاية في الخطورة".

تعرف رينستورب إلى ابن مقاتل كان قد لقي مصرعه في صفوف تنظيم "داعش".

ويوضح الخبير "ربما ينتاب بعضهم شعوراً جاذباً؛ لأن يتتبعوا خطى آبائهم".

تحقيق منشور بالنسخة الإسبانية من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية