ما مصلحة أردوغان في التقارب مع "أسد متهالك"؟

ما مصلحة أردوغان في التقارب مع "أسد متهالك"؟

ما مصلحة أردوغان في التقارب مع "أسد متهالك"؟


07/01/2023

رغم محاولات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التوصل إلى تفاهمات مع حكومة دمشق، والبحث عن مقاربة سياسية براغماتية للمصالحة مع نظام الرئيس بشار الأسد، وذلك بعد قطيعة دامت قرابة أحد عشر عاماً، إلا أنّ الخطوة المباغتة التي أعلن عنها أردوغان بخصوص إمكانية تسليم المناطق الخاضعة لسيطرة أنقرة والميليشيات التابعة لها، تؤشر إلى انعطافة لافتة قد تؤسس لمتغيرات جمّة بقدر ما تحمل رسائل لأطراف محددة.

مصالح أردوغان

رفض "الأسد" اقتراحاً بخصوص لقاء أردوغان، وفق وكالة أنباء "رويترز"، مؤخراً. وفي ما يبدو أنّ الوساطة الروسية ما تزال تلح بشأن استكمال المحادثات بين دمشق وأنقرة بحيث تنتقل من الجانب الأمني إلى السياسي، وتصل إلى مستوى القادة والرؤساء. ونقلت "رويترز" عن مصدر سوري، لم تكشف عن هويته، أنّ الرئيس السوري يعتقد بأنّ اللقاء مع نظيره التركي قد يعزز من فرص الأخير الانتخابية.

وقال المصدر السوري: "دمشق تعتقد بأنّ مثل هذا الاجتماع قد يعزز موقف الرئيس التركي قبل الانتخابات في العام المقبل، خاصة إذا تناول هدف أنقرة بإعادة بعض من 3.6 مليون لاجئ سوري من تركيا".

وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أكد استعداد بلاده نقل السيطرة بمناطق وجودها في سوريا إلى الحكومة بدمشق. فيما شدد جاويش أوغلو على ضرورة تأمين عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، بحسب ما أوضحت وكالة الأنباء التركية "الأناضول".

الكاتب السوري حسن نيفي: الأسد متهالك ولا يملك الكثير من "أوراق القوة"

وأثناء "اجتماع تقييم نهاية العام"، في أنقرة، والذي يتضمن فعاليات وزارة الخارجية التركية، قال وزير الخارجية التركي إنّ النظام السوري يرغب بعودة السوريين إلى بلادهم، لافتاً إلى أنّه "من المهم أن يتم ذلك بشكل إيجابي مع ضمان سلامتهم".

ولا يكاد يختلف موقف وزير الخارجية التركي عن ما كشفه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، بعد لقاء نظيره السوري علي عباس، في موسكو، حيث كشف الأول عن "ما يمكن عمله لضمان التطور الإيجابي للوضع في سوريا والمنطقة في أسرع وقت ممكن، ولضمان السلام والهدوء والاستقرار".

وقال أكار إنّ "من أهم القضايا التي أثرناها في الاجتماع مكافحة الإرهاب. أكدنا أنّنا نحترم سلامة أراضي وسيادة جميع جيراننا، خاصة سوريا والعراق، وأنّ هدفنا الوحيد هو محاربة الإرهاب وليس لدينا أيّ غرض آخر".

الوساطة الروسية ما تزال تلح بشأن استكمال المحادثات بين دمشق وأنقرة بحيث تنتقل من الجانب الأمني إلى السياسي، وتصل إلى مستوى القادة والرؤساء

وأضاف: "ذكرنا أنّنا نهدف إلى تحييد أعضاء التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، والتي تشكل أيضاً تهديداً لسوريا. قلنا إنّنا نبذل جهوداً لضمان أمن بلدنا وأمتنا وحدودنا. كما ذكرنا أنّنا نبذل جهوداً لمنع المزيد من الهجرة من سوريا إلى تركيا".

وتابع: "أكدنا على ضرورة حل المشكلة السورية بطريقة شاملة في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254. وبهذا المعنى، فإنّنا نعتبر أنّ الأعمال التي سيتم تنفيذها في الأيام المقبلة ستساهم بشكل جاد في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة وسوريا".

محادثات سياسية محتملة

ولفت وزير الدفاع التركي إلى أنّه اتفق مع نظيره السوري على استمرار الاجتماعات الثلاثية. وقال أكار: "نتمنى أن يأتي السلام والهدوء والاستقرار إلى المنطقة في أسرع وقت ممكن، لهذا سنواصل أداء واجباتنا كما فعلنا، حتى الآن، وسنقدم المساهمات اللازمة".

واعتبرت وزارة الدفاع السورية اللقاء الذي جمع الوزير علي محمود عباس، وكذا مدير المخابرات العامة حسام لوقا، مع نظيريهما التركيين (خلوصي أكار وهاكان فيدان) بمشاركة الطرف الروسي بأنّه كان "إيجابياً".

ولعل ما هو مضمر في التقارب "التركي الأسدي" هو معرفة أردوغان التامة أنّ نظام الأسد بات متهالكاً ولا يملك الكثير من "أوراق القوة" في أيّ مفاوضات بين الطرفين، وفق الكاتب والباحث السوري، حسن نيفي، ولذلك؛ يريد الرئيس التركي "حشر الأسد في زاوية ضيقة وانتزاع المزيد من التنازلات، خاصة في ما يتعلق بتطوير اتفاقية أضنة لعام 1998، لتصبح المسافة التي يحق لتركيا التواجد فيها لمطاردة حزب العمال الكردستاني 35 كم في العمق السوري، وذلك بدلاً من 5 كم كما كانت في السابق. وبهذا يمكن لتركيا أن تحافظ على تواجدها الراهن في معظم الشريط الشمالي لسوريا".

الرئيس السوري يشترط انسحاب تركيا من إدلب وسائر مدن وبلدات الشمال السوري، وهو شرط يسبق أيّ خطوة تفاوضية بين دمشق وأنقرة، حسبما يوضح الكاتب والباحث السوري، في حديثه لـ"حفريات".

ويتابع: "ولعل هذه المسألة تعد إحدى نقاط الخلاف الجوهرية التي تجعل الأسد يرفض لقاء أردوغان. ويضاف إلى ذلك أنّ تركيا تريد من دمشق طرد قوات سوريا الديمقراطية من شمال شرق سوريا، بينما تريد دمشق من تركيا أن تضغط على واشنطن لتسحب قواتها من سوريا".

من المتوقع عقد لقاء بين وزراء خارجية تركيا وسوريا وروسيا في النصف الثاني من كانون الثاني (يناير) الحالي، حسبما قال وزير الخارجية التركي. ونقلت قناة "إن تي في" التلفزيونية التركية عن أوغلو قوله: "قررنا عقد اجتماع ثلاثي في النصف الثاني من يناير. قد يعقد الاجتماع في بلد آخر".

تهديد قوات سوريا الديمقراطية

وفي حديثه لـ"حفريات"، قال الكاتب والصحفي السوري، شيار خليل، إنّه ليس غريباً على السوريين ما يجري بالساحة السياسية من تقاربات جديدة بين الجانبين التركي والنظام السوري؛ إذ إنّ تركيا، التي صرحت، مراراً، أنّ الأسد "مجرم حرب" ويقوم بإبادة شعبه، تحاول التقرب منه بوساطة روسية. وذلك وسط تهديد بتسليم المناطق التابعة للجيش الوطني السوري، المدعوم من أنقرة، للنظام أو التعاون معه مقابل سيطرة النظام على شمال شرق سوريا وإضعاف نفوذ الأكراد هناك.

يبدو أنّ هذه التفاهمات "الجديدة القديمة" متزامنة مع منع الرئيس التركي من قبل الولايات المتحدة وروسيا شن حملة برية على شمال شرق سوريا، فضلاً عن وعود أخرى تتصل بتطمين أردوغان بتحقيق نصر سياسي قبل الانتخابات الرئاسية التركية، يقول خليل.

تسعى روسيا إلى "توحيد الجهود المشتركة" مع النظام وأردوغان لتحويلها إلى مواقف عملية ضد الأكراد في شمال شرق سوريا، ثم مواجهة الوجود الأمريكي، وفق الكاتب الصحفي السوري، خاصة أنّ "الحملات العسكرية التي قامت بها تركيا مع المرتزقة التابعين لها في شمال وشمال شرق سوريا كانت كافية لتكشف أنّ حلفاء الإدارة الذاتية كانوا في موقف حرج".

ويتابع: "إنّ رفع مستوى المشاورات واللقاءات المشتركة بين الطرفين من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، تعد رغبة مشتركة لكل الأطراف لدفع العجلة إلى الأمام، وتحقيق مكاسب سريعة قبل الانتخابات التركية؛ حيث يعاني أردوغان من هجوم قوي عليه في الجبهات الداخلية، خاصة من المعارضة التي تنتظر وقوعه في أخطاء جديدة بالخارج".

هذه الاستدارة التركية إلى جانب النظام في دمشق لاقت استهجاناً كبيراً من السوريين خارج مناطق سيطرة النظام، حسبما يؤكد خليل. كما دعا مجلس سوريا الديمقراطي في شمال شرق سوريا بضرورة التكاتف والتضامن مع المعارضة السورية لمواجهة تحالفات أردوغان والأسد البراغماتية، الأمر الذي تزامن وخروج تظاهرات حاشدة.

وفي المحصلة، فإنّ المصلحة المشتركة بين الدول الثلاث روسيا، سوريا، تركيا هي القضاء على مكتسبات الإدارة الذاتية، وتدمير قوات سوريا الديمقراطية التي تستقر على الحدود السورية التركية وبرعاية أمريكية مباشرة، وبالتالي، تقوية النظام السوري ثم عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، وتنازل تركيا عن دعم المعارضة السورية، من الناحيتين السياسية والعسكرية.

خليل يشدد على أنّ "ما يجري من محادثات جديدة بين الأطراف الثلاثة يعد بمثابة سعي جديد ومتكرر لتلك القوى لجهة خلق حالة هيمنة جديدة بحق السوريين، دون الخوض في المطالب الإنسانية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يحتاجها المجتمع السوري، حيث باتت سوريا مثالاً للقتل والاعتقال والتدهور الاقتصادي".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية