ما دلالات اغتيال مسؤول مرتزقة أردوغان في طرابلس؟

طرابلس

ما دلالات اغتيال مسؤول مرتزقة أردوغان في طرابلس؟


21/03/2020

عقب أيام من التلاسن اللفظي، والتهديدات العلنية، بين ميليشيات طرابلس من جانب، ووزير داخلية حكومة الوفاق المُفوض، فتحي باشاغا، واجهة ميليشيات مصراتة والإخوان المسلمين من جانب آخر، عُثر على جثة القيادي بالميليشيات المصراتية، مُحمد أرفيدة المصراتي، مقتولاً في منطقة عمارات صلاح الدين، جنوب العاصمة طرابلس.

تُصنف عملية اغتيال أرفيدة ضمن التصفيات المتبادلة بين الميليشيات التي تدين بالولاء لحكومة الوفاق

لا تُعتبر الاغتيالات أمراً جديداً في طرابلس، التي تعيش في فوضى بسبب تعدد واختلاف القوات المسيطرة عليها، والتي تضم ميليشيات من طرابلس، وأخرى من مصراتة، وقوات من مدن أخرى، ولا يجمع هؤلاء سوى الولاء الاسمي لحكومة الوفاق، التي يعملون تحت مظلتها لتجنب العقوبات الدولية، وللحصول على الشرعية.
تمر أغلب الاغتيالات دون اهتمام إعلامي كبير، أو دون تأثير، ما لم يكن القتيل منتمياً إلى إحدى الميليشيات؛ حيث توجه أصابع الاتهام للفريق المعادي، وتبدأ موجةٌ من الصراع الداخلي على إثرها، مثل تلك التي شهدتها طرابلس في عامي 2016، و2018، حيث وقعت اشتباكات بين الميليشيات الطرابلسية، وأخرى تابعة لمدينة مصراتة، في إطار الصراع على النفوذ ومؤسسات الدولة في العاصمة.
تُصنف عملية اغتيال أرفيدة ضمن التصفيات المتبادلة بين الميليشيات التي تدين بالولاء للوفاق، ويدعم ذلك توقيت العملية، والمهام التي يشغلها الرجل؛ فهو أحد المُكلفين بملف التنسيق مع مرتزقة أردوغان، الذين تنقلهم تركيا من سوريا إلى طرابلس، لدعم حكومة الوفاق، في صدّ الهجوم الذي يشنه الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير حفتر، منذ شهر نيسان (أبريل) 2019.

عُثر على جثة محمد أرفيدة المصراتي في منطقة عمارات صلاح الدين جنوب العاصمة طرابلس

شقاق داخل الوفاق

تعود جذور الخلافات إلى الصراع المناطقي بين قوات طرابلس ومصراتة، والتي مرت بمراحل عدة، انتهت لصالح ميليشيات طرابلس، بعد وصول حكومة الوفاق الوطني إلى المدينة، وانضواء تلك الميليشيا تحتها.
تغير الوضع السابق مع هجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس، في نيسان (أبريل) 2019، حيث عادت ميليشيات مصراتة بقوة إلى العاصمة، للدفاع عنها، مما سمح لها ولحلفائها الإخوان المسلمين بالتغلغل ثانيةً في مفاصل حكومة الوفاق الوطني.

اقرأ أيضاً: نقل مرتزقة سوريين إلى طرابلس.. كم بلغ عددهم؟
سبق ذلك نجاح الضغط المصراتي-الإخواني على السرّاج لمنح حقيبة الداخلية لفتحي باشاغا، الموالي لهما، مما شكل تهديداً لميليشيات طرابلس، بعد أن كشفت تحركات الوزير عن خطته لإحلال ميليشيات مصراتة كجيش رسمي للوفاق بدلاً منهم.

أدركت ميليشيات طرابلس أنّ وجود مرتزقة أردوغان والدعم العسكري التركي سُيضعف من سيطرتها على العاصمة

يعود هذا المخطط إلى ما قبل باشاغا، حيث عملت جماعة الإخوان المسلمين على إحكام سيطرتها على العاصمة الليبية، وتفكيك الميليشيات الطرابلسية، التي تنتمي معظمها إلى الفكر السلفي المتطرف مثل ميليشيا النواصي، وكتيبة القوة المتحركة، بينما تعتنق قوة الردع الخاصة السلفيةَ المدخلية، وفق دراسة نشرها "مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط".
مع تولية باشاغا وزارة الداخلية عمل على شيطنة ميليشيات طرابلس أمام المجتمع الدولي، وحمّلها المسؤولية بمفردها عن اضطراب الأمن في المناطق الخاضعة للوفاق، وهو ما لاقى استحساناً أوروبياً وأمريكياً، بعد أن قدم باشاغا نفسه كرجل قوي، وبإمكانه مكافحة الهجرة غير الشرعية لأوروبا، وتوحيد القوة العسكرية المعادية لحفتر.
تناول باشاغا خلال زيارته إلى واشنطن، بتاريخ 14 شباط (فبراير) 2019، الوضع الأمني في العاصمة طرابلس، وملف تفكيك الميليشيا، والتقى عدداً من المسؤولين الأمنيين، وناقش معهم عدداً من الملفات، على رأسها التنسيق في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكذلك الدعم الأمريكي للقوات الشرطية في ليبيا في مجال التدريب.

اقرأ أيضاً: هل تتواجه ميليشيات طرابلس مع مرتزقة أردوغان؟
وبعد تفجر الخلافات بين الوزير وميليشيات طرابلس في الشهر الماضي، دخلت الولايات المتحدة على خط الصراع، والتقى السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الوزير باشاغا بتاريخ، 11 من الشهر نفسه، في العاصمة تونس، خلال زيارة باشاغا لتونس.


جدّد السفير الأمريكي خلال اللقاء دعم بلاده لجهود حكومة الوفاق في العمل على تفكيك المجموعات المسلحة على مستوي ليبيا، وفق تصنيفها حسب الاجتماع الذي عُقد خلال الفترة الماضية بالولايات المتحدة الأمريكية.
تصريحات السفير كشفت عن ترتيبات بين باشاغا والأمريكيين لحل ميليشيات طرابلس، وتكوين قوات أمنية تتبع وزارة الداخلية، مما يعني سيطرة الإخوان المسلمين منفردين على القرار السياسي والعسكري في حكومة الوفاق، مقابل حل الميليشيات السلفية.

اقرأ أيضاً: كعب أخيل الذي تراه أنقرة في طرابلس!
تضمنت الترتيبات الأمريكية تصنيف الميليشيات وفق عدة معايير، نتج عنها تقسيمها إلى مجموعاتٍ باللون الأحمر، والبرتقالي، والأصفر، ولم تقدم التصريحات معلومات أوسع حول التصنيف ومعاييره، إلا أنّ تصريحات باشاغا اللاحقة المعادية لميليشيا النواصي، بتاريخ 23 شباط (فبراير) تفصح عن نية مُبيَّتة ضد ميليشيات طرابلس، التي أوضحت تحركاتها المعادية لباشاغا عن علمها بتحركاته، خصوصاً في ظل سيطرة فرق تابعة لها على جهاز المخابرات الليبي، واختراقها لوزارة الداخلية.

اقرأ أيضاً: مُرتزقة أتراك ومن الإكوادور يدعمون ميليشيات طرابلس
استبقت ميليشيات طرابلس خطة باشاغا بحملة اعتقالاتٍ طالت عدداً من رجال الوزير في وزارة الداخلية، وغيرها من الهيئات، وشنت حملة إعلامية ضد رجاله، واتهمتهم بالتعاون مع الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر.
رداً على ذلك، التقي الوزير باشاغا في 4 آذار (مارس) القائم بالأعمال في سفارة أمريكا في ليبيا، جوشوا هاريس، واستعرض خلال اللقاء الجهود المبذولة من وزارته للحد من دور الميليشيات، وعملية بناء قوات أمن شرعية لتخدم الشعب الليبي، وفق الموقع الرسمي للسفارة على مواقع التواصل الاجتماعي. من جانبه تعهد هاريس بأن تفرض واشنطن عقوبات على الأشخاص الذين يهددون السلام في ليبيا، في إشارة إلى أعداء باشاغا.

التدخل التركي وتأزيم الصراع
كشفت مجريات الصراع بين باشاغا وحلفائه من جهةٍ، وميليشيات طرابلس من جهةٍ أخرى، عن خلافاتٍ حادةٍ بين الطرفين حول النفوذ والاستحواذ على ثروات الشعب الليبي. واستغل معسكر باشاغا والإخوان المسلمين هجوم الجيش الوطني على طرابلس، لعقد الاتفاق الأمني واتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، ليتبعه تدفق كبير لمرتزقة أردوغان، وإعلان صريح من تركيا عن دعمها لحكومة الوفاق.

اقرأ أيضاً: السراج يغلق الحدود لمواجهة كورونا: ماذا عن رحلات المرتزقة؟
زار باشاغا أنقرة في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2019، وأجرى مباحثات عسكرية موسعة، وقام بزياراتٍ لمصانع الأسلحة، لم تمر عدة أيامٍ على عودة الوزير حتى طلبت حكومة الوفاق الدعم العسكري من تركيا، بتاريخ 26  من الشهر نفسه، مما يؤكد على مسؤولية باشاغا والإخوان عن استقدام المرتزقة والأتراك.

يبدو جلياً من سير الأحداث أنّ الجهات التي تقف وراء اغتيال أرفيدة تتبع ميليشيات طرابلس

أدركت ميليشيات طرابلس أنّ وجود مرتزقة أردوغان والدعم العسكري التركي سُيضعف من سيطرتها على العاصمة، ويقوى موقف الإخوان وميليشيات مصراتة على حسابهم، مما يهدد بإخراجهم من المعادلة، وفقدانهم للامتيازات المالية والعسكرية التي حصلوا عليها بقوة السلاح، منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في العام 2011.
هاجمت ميليشيات طرابلس استقواء باشاغا بالمرتزقة أردوغان، واستبقت التصعيد المحتمل ضدهم من الوزير بحملات الاعتقال لعددٍ من رجاله في طرابلس. مع هدوء جبهات القتال النسبي في محاور طرابلس، ارتفع احتمال الاقتتال بين المتصارعين داخل معسكر الوفاق، وهو ما صدق لاحقاً، فأعلن المتحدث باسم الجيش الوطني، العميد خالد المحجوب، بتاريخ 25 شباط (فبراير) وقوع اشتباكات بين مرتزقة أردوغان وميليشيات طرابلس، أسفرت عن مقتل ثلاثة من المرتزقة.

اقرأ أيضاً: المتحدث باسم الجيش الليبي يكشف عدد المرتزقة السوريين والأتراك في ليبيا
لم تكن الاشتباكات بعيدة عن ميليشيات مصراتة، التي دعمت مرتزقة أردوغان، وقامت باستخدامهم في تصفية حسابها مع مقاتلي الزنتان التابعين لحكومة الوفاق. وفي هذا السياق، نشر موقع "العين الإخبارية" تقريراً، ذكر فيه أنّ قائد "كتيبة 301" المصراتية، عبد السلام الزوبي، وجّه أوامر للمرتزقة أردوغان بتصفية "علاء فنير" التابع لمقاتلي الزنتان، بعد خلافاتٍ بينهما.

من يقف وراء اغتيال أورفيدة؟

جاءت عملية اغتيال مُحمد أرفيدة المصراتي، الموالي لباشاغا، وأحد قادة ميليشيات مصراتة، وأحد كبار المسؤولين عن ملف مرتزقة أردوغان، يوم الأحد بتاريخ 8 آذار (مارس)، في منطقة صلاح الدين، جنوب طرابلس، والملاصقة لمحور عين زارة، الذي تعسكر فيه ميليشيا كتيبة ثوار طرابلس، في ظل التوترات المتصاعدة داخل معسكر الوفاق.

اقرأ أيضاً: المرصد يكشف عدد القتلى من مرتزقة تركيا في ليبيا
تبع ذلك إعلان المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 آذار (مارس) استهداف ميلشيات طرابلس لمجموعة من مرتزقة أردوغان، أثناء قيامهم بتصوير قوات تابعة للميليشيا، مما أدى إلى مصرع 7 منهم.
يبدو جلياً من سير الأحداث أنّ الجهات التي تقف وراء اغتيال أرفيدة تتبع ميليشيات طرابلس. لم يعلق الوزير باشاغا على اغتيال أرفيدة بشكل علني، لكن عدداً من الحسابات الموالية لمصراتة على مواقع التواصل الاجتماعي وجهت أصابع الاتهام إلى ميليشيات النواصي، والتي سبق وأن هاجمها الوزير باشاغا علانيةً.

تنامي الاحتقان بين الطرفين مرشح للتصاعد في ظل إصرار الإخوان على الانفراد بالسلطة والثروة في طرابلس

وتُعد ميليشيا "النواصي" والتي تُعرف أيضاً بالقوة الثامنة، وتتبع قوة حماية طرابلس، واحدةً من أكبر الجماعات العسكرية المسلحة في طرابلس، وتتألف من 700 إلى 1000 عضوٍ، وتعمل في منطقة أبو ستة في طرابلس، على بعد أمتارٍ فقط من قاعدة أبو ستة البحرية، حيث يوجد مقر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق. وتدير هذه الميليشيا عدة نقاط تفتيش وتسير دوريات في المنطقة، ولديها سيطرة مشتركة مع كتيبة ثوار طرابلس على جهاز المخابرات العامة الليبي، ومكتب مكافحة الفساد التابع لوزارة الداخلية.
تنبئ الأيام القادمة بتنامي الاحتقان بين الطرفين، في ظل إصرار الإخوان المسلمين على الانفراد بالسلطة والثروة في طرابلس، دون ميلشيات طرابلس، التي أصبحت عبئاً على مخططات الإخوان وتركيا، بعد أن عوّض الدعم التركي بالجنود ومرتزقة أردوغان الحاجة إليهم لحماية العاصمة.

اقرأ أيضاً: كيف يحرّك أردوغان جيشه الموازي من المرتزقة؟
في ظل هذه الصراعات يخسر الشعب الليبي ثرواته التي تنهبها تركيا بتواطؤ إخواني، فضلاً عما يتهدد حياة العديد من سكان طرابلس جراء المواجهة المرتقبة بين الإخوان وميلشياتهم من مصراتة ضد ميليشيات طرابلس، مثلما حدث في 2016، و2018.

الصفحة الرئيسية