ما خلفيات "وعد بلفور" ولماذا عملت بريطانيا على إقراره؟

ما خلفيات "وعد بلفور" ولماذا عملت بريطانيا على إقراره؟

ما خلفيات "وعد بلفور" ولماذا عملت بريطانيا على إقراره؟


02/11/2023

سوسن مهنا

في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 صدر الوعد البريطاني الشهير حين أرسل وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر بلفور رسالة إلى المصرفي البريطاني وأحد زعماء اليهود البارون ليونيل والتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو ما عرف بـ "وعد بلفور".

قصة الوعد

في عام 1917 كان العالم يخرج من الحرب العالمية الأولى، وكان المنتصرون يتأهبون لوراثة الإمبراطورية العثمانية، وفي الـ 31 من أكتوبر (تشرين الأول) من تلك السنة كانت الحكومة البريطانية برئاسة ديفيد لويد جورج تناقش إصدار الوعد الذي يساند إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين التي كانت خاضعة وقتها لحكم الدولة العثمانية.

ووفقاً لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية في ملف لها نشر في نوفمبر 2017 لمناسبة مرور 100 عام على الوعد، أن عضو البرلمان مارك سايكس الذي كان خبيراً في شؤون الشرق الأوسط خرج من مكتب الحكومة إلى حيث كان يجلس الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان وقال له "دكتور وايزمان، المولود ذكر"، ووايزمان هو الشخصية الإسرائيلية الأبرز من بعد تيودور هرتزل (مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة).

وكان سايكس قد تلقى تعليمات من رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج ووزير الخارجية آرثر بلفور بالتفاوض على تصريح بريطاني لمصلحة خلق وطن لليهود في فلسطين، وكان رئيس الوزراء قد وافق على صياغته للوثيقة الخاصة بذلك.

ووفقاً للصحيفة فقد كان ذلك هو التوقيت المناسب، إذ كانت بريطانيا منهكة بسبب الحرب العالمية الأولى والولايات المتحدة قد انضمت حديثاً للحلفاء بينما روسيا تتماسك بصعوبة، وكان يوجد في روسيا والولايات المتحدة العدد الأكبر من اليهود، وكانت الحكومة البريطانية مقتنعة أن لليهود في البلدين نفوذاً واسعاً.

وفي ذلك الوقت كان الجيش البريطاني في فلسطين بقيادة الجنرال إدموند أللنبي قد استولى على بئر السبع ويتقدم باتجاه القدس مصحوباً بقوات الشريف حسين ملك الحجاز الذي كان يأمل بتأسيس دولة عربية تتضمن فلسطين وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية.

وفي تقرير لشبكة "بي بي سي" نوفمبر 2017، يقول إن الرسالة كانت أوضح تعبير عن تعاطف بريطانيا مع مساعي الحركة الصهيونية لإقامة وطن لليهود في فلسطين، إذ طلب فيها بلفور من روتشيلد إبلاغ زعماء الحركة الصهيونية في المملكة المتحدة وإيرلندا بموقف الحكومة البريطانية من مساعي الحركة، وعلى رغم أن الرسالة لا تتحدث صراحة عن تأييد الحكومة البريطانية لإقامة دولة لليهود في فلسطين، لكنها كانت الأساس لنشأة دولة إسرائيل بعد 31 عاماً من تاريخ الرسالة، أي عام 1948.

نص الرسالة

"وزارة الخارجية

الثاني من نوفمبر سنة 1917

عزيزي اللورد روتشيلد يسرني أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته بالتصريح التالي الذي يعبر عن التعاطف مع طموحات اليهود الصهاينة التي تم تقديمها للحكومة ووافقت عليها.

إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين أو من الحقوق التي يتمتع بها اليهود في البلدان الأخرى أو يؤثر في وضعهم السياسي، وسأكون ممتناً لك إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا البيان".

وكانت الرسالة ممهورة بالتوقيع التالي "المخلص آرثر بلفور".

خلفيات الوعد

وضع "وعد بلفور" على طاولات البحث في أهم المنتديات منذ صدروه، وتتمايز رؤية المحللين حول خلفياته فمنهم من يضع الوعد بأنه جاء كمكافأة للباحث حاييم وايزمان لخدمته بريطانيا باكتشافات علمية أثناء الحرب العالمية الأولى، فيما يقول لويد جورج في كتابه "الحقيقة حول معاهدات الصلح" أنه كان هناك سباق مع ألمانيا حول كسب اليهود إلى جانبهم، بينما ترى بعض الصحف البريطانية في الوعد أن بريطانيا كانت تريد حماية مصالحها في المنطقة، فعملت على إنشاء قاعدة صهيونية في فلسطين.

ويقول الأمين العام لـ "اللجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار" وعضو مجلس إدارة "مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات" محمد السماك إن "بلفور كان من المؤمنين بأن التاريخ ليس سوى أداة لتنفيذ الهدف الإلهي، وأن الإنسان مكلف بالعمل على تنفيذ هذا الهدف، وأن أول ما يتطلب منه ذلك هو الإيمان أولاً بأن ثمة هدفاً إلهياً، وثانياً بإمكان تحقيق هذا الهدف أياً تكن الصعوبات".

ويتابع السماك أن "بلفور آمن كما أوضح في كتابه ’العقيدة والإنسانية‘ بأن الله أغدق على اليهود وعداً بالعودة لأرض الميعاد، وأن هذه العودة شرط مسبق للعودة الثانية للمسيح، وأن هذه العودة الثانية تحمل معها خلاص الإنسانية من الشرور والمحن ليعم السلام والرخاء مدة ألف عام، تقوم بعدها القيامة وينتهي كل شيء كما بدأ".

ومع ذلك لم يكن باستطاعة بلفور أن يجعل من الوعد أساساً مركزياً في السياسة البريطانية لو لم يكن يشاركه في ذلك شخص آخر هو رئيس الحكومة في ذلك الوقت لويد جورج.

بينما يشرح تقرير "بي بي سي" أن هناك أكثر من سبب دفع ببريطانيا لإصدار هذا الوعد، أهمها أن بريطانيا أرادت الحصول على دعم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الأولى لما تتمتع به من نفوذ واسع هناك لدفع الولايات المتحدة للاشتراك في الحرب إلى جانب بريطانيا، فضلاً عن الاعتقاد بأن العهد القديم (الإنجيل المقدس قبل المسيح) يضمن حق إسرائيل في فلسطين.

ويتابع تقرير الشبكة البريطانية أن الرسالة لا تتضمن كلمة "دولة" بل تتحدث عن وطن، وتؤكد عدم القيام بأي شيء يمكن أن يمس الحقوق المدنية والدينية للجماعات الأخرى التي تعيش في فلسطين.

ويشير السماك في دراسته إلى ما ذكره رئيس الحكومة البريطانية لويد جورج في كتابيه "حقيقة معاهدات السلام" و"ذكريات الحرب" من أن حاييم وايزمان الكيماوي الذي قدم خدماته العلمية لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى، هو الذي فتح له عينيه على الصهيونية حتى أصبح أكثر صهيونية من وايزمان نفسه، وعندما تشكلت الحكومة البريطانية برئاسة لويد جورج وآرثر بلفور وزيراً للخارجية، بدا وكأن كل شيء بات مؤهلاً لتمرير الوعد.

مفاعيل "وعد بلفور"

ويقول مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا) في دراسة أعدها إن الحكومة البريطانية كانت قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأميركي توماس وودرو ويلسون ووافق على محتواه قبل نشره، كما وافقت عليه كل من فرنسا وإيطاليا رسمياً عام 1918، ثم تبعها الرئيس ويلسون علنياً عام 1919، وكذلك اليابان.

وفي الـ 25 من أبريل (نيسان) 1920 وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر "سان ريمو" على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع "وعد بلفور" موضع التنفيذ بحسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي الـ 24 من يوليو (تموز) 1922 وافقت عصبة الأمم على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في الـ 29 من سبتمبر (أيلول) 1923، وتشير دراسة المركز إلى أن "وعد بلفور" كان وعداً غربياً وليس بريطانياً وحسب.

ردود فعل العرب

وتضيف دراسة مركز "وفا" أن ردود أفعال العرب تراوحت تجاه التصريح بين الدهشة والاستنكار والغضب، وبهدف امتصاص حال السخط والغضب التي قابل بها العرب الوعد، أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين بواسطة الكولونيل باست تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين بأن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمان، كما عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمة لهم. وتضيف الدراسة أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرضها على الأرض الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة كان أولها "ثورة البراق" عام 1929، ثم تلتها ثورة عام 1936.

من جهتها اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستنداً قانونياً لتدعم به مطالبها المتمثلة في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيقاً لحلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897، والذي أقر البرنامج الصهيوني وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية