الصهيونية إذ تهزم الحضارة الإنسانية وتتجلى كوحش تاريخي متعطش للدماء

الصهيونية إذ تهزم الحضارة الإنسانية وتتجلى كوحش تاريخي متعطش للدماء

الصهيونية إذ تهزم الحضارة الإنسانية وتتجلى كوحش تاريخي متعطش للدماء


19/10/2023

تجلت في الفترة الزمنية التي واكبت الحرب العالمية الثانية باراديغمات المحارب اليهودي في فلسطين، الذي حمل عصا موسى وارتدى درع داود، ساعياً نحو بناء مملكة سليمان مرة أخرى، وقد استفاد من خبرات طويلة تراكمت منذ كوّن فلاديمير جابتونسكي مجموعة الهاجاناة، التي مارست العنف اليهودي لأول مرة منذ عهد المملكة المتخيلة في العهد القديم، في أحداث يوم النبي موسى في القدس في العام 1920، بعد أعوام من اقتصار أعمال العسكرية الصهيونية (الهاشومير وبارجيورا)على أنشطة الحراسة، وقد ظهر نمطان من الأنشطة العسكرية الصهيونية؛ الأول: نمط محافظ ومتوجس يسعي للاستمرار في رفع خطاب المظلومية التاريخية، ووضع العسكرية الصهيونية في خدمة الإمبريالية البريطانية، تمهيداً لاقتناص الغنائم بعد الحرب، وقد مثلت الهاجاناة، بصفتها الجناح العسكري للوكالة اليهودية (اليسار الصهيوني)، هذا الاتجاه، والثاني راديكالي شديد التطرف، يقوم على تمثلات التاريخ اليهودي البائد، ويرى أنّ الخلاص يتطلب مواجهة الجميع بما في ذلك دولة الانتداب، وأنّ العنف هو السلاح الفاعل والناجز لإعلان قيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين، ومثلت الأرجون الجناج العسكري للحركة التصحيحية (اليمين الصهيوني)، ومعها عصابات شترن المسلحة هذا الاتجاه، الذي ينحدر منه رئيس الوزراء الحالي بنيامين نيتنياهو.

 ومثلما تصور بيجن أنّه جاء لينقذ المسألة اليهودية من مصيرها المحتوم، ويعيد بناء العسكرية الصهيونية، تأهباً لبدء التمرد الصهيوني على سلطات الانتداب البريطانية في فلسطين، مدفوعاً برغبته في الانتقام من الجميع، يأمل نيتنياهو في إعادة ترميم الجبهة الصهيونية الداخلية، والإفلات من طوق المعارضة الذي كاد يطيح بحكومته المتطرفة، طيلة الأشهر الماضية، عبر تحقيق انتصار وهمي، يعيد به بعضاً من الكبرياء لحكومته التي يشوبها الفساد، وتحاصرها الأصوات المعارضة في كل المؤسسات.

 تعكس الجرائم المروعة التي تقترفها آلة الحرب الصهيونية في قطاع غزة، في مشهد دموي، ربما لم تعرفه عصور الانحطاط عبر التاريخ؛ نزوعاً صهيونياً نحو ممارسة العنف وتصدير الرعب، دون خطوط حمراء، في نهج يعكس وضاعة الاحتلال، وارتهانات البنى النفسية التي تقوم عليها الشخصية الصهيونية، التي باتت تحاكي النازية في أحقر تمثلاتها.

 تأتي الممارسات الصهيونية في سياق نسق جامد، يعكس وعياً ثابتاً كالإيديولوجيا، تشكلت منطلقاته عبر مراحل تاريخية عاصرتها أمّة التيه التي نشأت وتحركت في التاريخ؛ كردّ فعل للشعور بالاضطهاد، ومحصلة لكل أشكال العنف والكراهية.

 جاءت الصهيونية كتصور عنصري؛ أكثر ابتذالاً من كل التصورات العرقية التي تقاطعت مع التجربة اليهودية عبر تاريخها، الرسمي منه والموازي، المثبت منه والمتخيل؛ لتعبّر بشكل فج عن نقاط ضعف قاتلة في بنية الحضارة الحديثة، بوصفها، أي الصهيونية، أحد أبرز خطاياها.

 إنّ الجرم الإسرائيلي الذي تجلى في مذبحة المستشفى المعمداني، والذي يضاف إلى سجل كبير من الانتهاكات الصارخة، عبر تاريخ الدولة التي صدّرت إلى الشرق كل صنوف الإرهاب، يطرح الكثير من التساؤلات حول جدوى المنظمات الدولية الفاعلة، ويكشف أمام التاريخ سوءة النظام العالمي الجديد، الذي لم يعد يبذل أيّ مجهود في تغطيتها، ولو بورقة توت.

 وربما بعد عقود أو حتى قرون من الآن، يحاكم التاريخ كلّ هؤلاء، وهو يفتش عن الكيفية التي هزمت بها الحضارة الحديثة نفسها، بفعل جملة من التناقضات البنيوية، في تعاطيها مع مفهوم الضمير الإنساني الذي لم يبزغ فجره بعد.

  ومثلما انتهى أوديب في الأساطير القديمة إلى ما بدأ عليه، حيث بدأ شريداً طريداً، وانتهى كذلك أيضاً، فإنّ اليهودي المعذب، عبر محطات التاريخ الحديث، من الغيتو إلى أوشفيتس، أصرّ وهو يرتدي عباءة الصهيونية، على إكمال الدائرة، عبر صناعة الكراهية وتغذية مشاعر العداء في محيطه الجغرافي؛ ليعود إلى حيث بدأ، ولو بعد حين، شريداً على قارعة التاريخ.

 ومثلما توشح اليمين الصهيوني، فيما مضى، بعباءة الآباء الأوائل الذين حملوا السيف بعد أعوام التيه، يرفع نيتنياهو الآن السلاح في وجه الجميع، مريقاً دماء الأبرياء دون خوف من حساب، في ظل تواطؤ غربي، ودعم أمريكي، وصمت مطبق يصاحب أرواح الأبرياء في رحلتها نحو خلاص سماوي، بعدما ضاقت الأرض بأصحاب القضايا العادلة.

مواضيع ذات صلة:

روسيا تُحذر من تحول الحرب في غزة إلى حرب إقليمية أو عالمية.. ما علاقة إيران وتركيا؟

طريق إيران إلى القدس من كربلاء إلى غزة

إيران وغزة: أين قآني؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية