ما حقيقة استيلاء حركة النهضة الإخوانية على لقاح كورونا؟

ما حقيقة استيلاء حركة النهضة الإخوانية على لقاح كورونا؟


18/05/2021

تعاني تونس من ارتفاع ملحوظ في أعداد الإصابات والوفيات، جراء انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي دفع وزير الصحة التونسي فوزي مهدي، إلى التأكيد على أنّ "الوضع الوبائي أضحى خطيراً جداً"، خاصّة مع ظهور طفرة جنوب أفريقيا في البلاد، لافتاً إلى أنّ "المستشفيات تشهد ضغطاً كبيراً، جراء ارتفاع عدد المصابين"، مشدداً في الوقت نفسه على أهمية التسجيل عبر المنصة الإلكترونية، للحصول على اللقاح، باعتباره "خير سلاح لمجابهة فيروس كورونا".

لصوص اللقاح

لكن يبدو أنّ حركة النهضة الإخوانية، الشريك الرئيسي في الحكم، لا تكترث كثيراً بعدالة توزيع اللقاح على الفئات المستحقة؛ حيث كشفت منظمة "أنا يقظ" المدنية، عن مخالفات خطيرة، تورطت فيها الحركة، فيما يتعلق بتوزيع اللقاح، قبل أن تفجر المنظمة فضيحة سياسية مدوية، كشفت تفاصيلها، حيث تلقت النائبة عن حركة النهضة، أروى عباس، المنتخبة عن دائرة منوبة، لقاح فيروس كورونا، دون وجه حق، كون النائبة لا تنتسب إلى الطواقم الطبية، وهي كذلك ليست من ذوي الأمراض المزمنة، أو كبار السن، وللمفارقة فإنّ النائبة التي تتمتع بعضوية اللجنة البرلمانية المكلفة بالإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد، تلقت اللقاح بمعاونة مسؤولة جهوية عن الصحة في الولاية، كشفت التحقيقات عن ارتكابها مخالفات متعمدة، ومنحها العديد من غير المستحقين، جرعات اللقاح دون وجه حق، ما دفع السلطات الصحية إلى اتخاذ قرار بإقالتها من منصبها.

حركة النهضة أصدرت بياناً مرتبكاً، حاولت من خلاله التخفيف من واقعة الفساد التي ارتكبتها النائبة، باعتبار ما جرى هو نوع من الخطأ! وأنّ الحركة تقدر ما وصفته بــ "الاعتبارات الصحية، التي دفعتها إلى ذلك التصرف"، وطلبت الحركة من أروى عباس الاعتذار، كنوع من ذر الرماد في العيون.

من جهته، حاول القيادي في حركة النهضة، وصهر الغنوشي، رفيق عبد السلام، تبرير الفعل المشين، الذي يتسم بشبهة الفساد واستغلال النفوذ، زاعماً أنّ النائبة "لها وضع صحي خاص، فضلاً عن كونها فاقت الستين من العمر"، وهو ما ردّ عليه مدونون وحقوقيون، أثبتوا أنّ عمر النائبة لم يتجاوز السابعة والخمسين، وأنّها تخطت كل الإجراءات المتبعة، ليأتي الرد مرة أخرى من عبد السلام، الذي واصل استفزازه قائلاً: "الأخت أروى عباس ارتكبت خطأ، بمعايير الشفافية واحترام القانون، لا جدال في ذلك، ولكن يجب ألا نقسو على المرأة أكثر من اللزوم"!!

كشفت منظمة "أنا يقظ" المدنية، عن مخالفات  تورطت فيها حركة النهضة فيما يتعلق بتوزيع اللقاح

من جانبها، أكّدت منظمة "أنا يقظط، أنّ نصف جرعات اللقاح، التي منحتها دولة الصين إلى تونس، والبالغ عددها نحو 100 ألف جرعة، لم تدرج في ملفات وزارة الصحة، أو ضمن المنظومة الآلية، ويجري التصرف فيها وفقاً للأهواء، دون أيّ ضوابط.

تونس قد تتعرض للعقوبات

وفي هذا السياق، قال المحامي التونسي حازم القصوري، إنّ الثابت هو وجود خروقات كثيرة، شملت الحصول على لقاح كورونا، وأهم قضية هزت المجتمع التونسي، هي حصول النائبة عن حركة النهضة في منوبة، على اللقاح دون وجهة قانونية، لافتاً إلى أنّ هذه الخروقات قد يترتب عليها إجراءات عقابية من منظمة الصحة العالمية، ما يعرّض البلاد لمصاعب صحيّة جمة، باعتبار أنّ هذه الممارسات، تدخل في خانة الفساد، على غرار ما حدث في لبنان، وما ترتب عليه من استقالات لمسؤولين؛ تحصلوا على لقاحات بدون وجه حق.

وعن المبررات التي ساقتها حركة النهضة، أكّد الخبير التونسي في الشؤون السياسيّة، في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، أنّه لا يمكن تبرير هذه الخروقات، أو إيجاد تفسيرات لها، بل هي تعتبر خروقات خطيرة، ولا أخلاقية، ولا قانونية، خاصّة وأنّ هناك معايير لعملية توزيع اللقاحات، فالأولوية للإطار الطبي، وكبار السن، وذوي الأمراض المزمنة، وفقاً لتعليمات منظمة الصحة العالمية، وبالتالي فإنّه لابد من فتح تحقيق، إذا ما ثبت تورط أطراف سياسية، في عمليات الفساد المتعلقة بتوزيع اللقحات، خاصّة وأنّ هذه النائبة، تمثل طرفاً سياسياً في تونس، وهو حركة النهضة.

حازم القصوري: أهم قضية هزت المجتمع التونسي، هي حصول النائبة عن حركة النهضة في منوبة، على اللقاح دون وجهة قانونية

القصوري أكّد كذلك أنّ المخالفات لم تقتصر على منتسبي حركة النهضة فحسب، بل إنّ "رئيس الحكومة، تمكن من الحصول على اللقاح، وهو من مواليد السبعينيات (العام 1974) فهو ليس مسنّاً، وكان عليه احترام القوانين؛ لأنّ هذه الإخلالات خطيرة، وتسيء إلى الدولة التونسية، وبالتالي يجب على الدولة تطبيق القانون بحزم على الجميع، حتى لا نثبت ازدواجية المعايير، لتأكيد مبدأ سيادة القانون، وما حدث رسالة سيئة، ترسلها حركة النهضة، ويجب فتح التحقيقات فوراً، فالنائبة مدانة وفق القانون التونسي، بالحصول على منفعة، من خلال استعمال خصائص الوظيفة، وهو أمر ينطبق على كل من يشغل منصباً قيادياً، أو منصباً حكومياً، وتحصّل على اللقاح بدون سند قانوني".

ويختتم القصوري تصريحاته، مشدداً على أنّ حركة النهضة "قامت بخرق التراتيب القانونية، وبالتالي فإنّ الأمر موجب للمساءلة، وموجب للعقاب، وفقاً للاعتبارات القانوية المحلية والدولية".

التوظيف السياسي للجائحة

على الصعيد السياسي، تحاول حركة النهضة، استغلال الوضع الوبائي المتفاقم، من أجل تحقيق مكاسب سياسية، فبوصفها الشريك والداعم الرئيسي لحكومة هشام المشيشي، وفي ظل مطالب الأطباء بتحسين أوضاعهم، وتلويحهم بالإضراب، دعت حركة النهضة إلى التهدئة، والتفرغ لمواجهة الوباء، وطالبت الأطباء بإلغاء إضرابهم المزمع تنفيذه، رافعة شعارات أخلاقية وإنسانية، كانت الحركة أول من تجاهلها، وهي تسطو على اللقاح لمنتسبيها، لكنها ربما أرادت تخفيف الضغط عن المشيشي، بدعوة الأطباء إلى التهدئة، زاعمة "انشغالها الكبير، بما وصل إليه الوضع الوبائي في البلاد".

الدكتور عبد السلام القصاص، الباحث المصري في العلوم السياسية، أكّد أنّ حركة النهضة "أصبحت تتحرك بارتباك شديد، فهي غير قادرة على إلزام أعضائها باحترام الاستراتيجية الوطنية للتلقيح، وهي كذلك غير قادرة على إدانة أفعالهم علناً، وتتحرك بشيء من التوتر، في محاولة لتبرير المخالفات، التي تصل إلى حد الجرم، علاوة على تداعياتها الأخلاقية، وبالتالي يمكن ملاحظة هذا التوتر على أكثر من مستوى".

عبد السلام القصاص: حركة النهضة تتخذ من الجائحة مبرراً لتجميد الوضع المرتبك، والدعوة إلى التهدئة، تجنباً للسقوط السياسي الذي أصبح حتمياً

القصاص أكّد كذلك في تصريحاته لــ "حفريات"، أنّ حركة النهضة تتخذ من الجائحة مبرراً لتجميد الوضع المرتبك، والدعوة إلى التهدئة، تجنباً للسقوط السياسي الذي أصبح حتمياً، فأسهم الحركة أصبحت في هبوط مستمر، وهي تدرك أنّ الدعوة لانتخابات مبكرة لن تكون في صالحها، وبالتالي فهي تحاول تعديل القانون الانتخابي، لانتزاع صلاحية الدعوة للانتخابات من الرئيس، الذي دخل في صراع معها، كما يواجه الغنوشي تحديات متصاعدة في البرلمان، وفي داخل حركة النهضة نفسها، وعليه فإنّ الحركة تسعى لالتقاط الأنفاس، وتوظيف الجائحة من أجل تحقيق التهدئة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية