ما جذور الأزمة بين صومالي لاند ومقديشو في لاسعانود؟

ما جذور الأزمة بين صومالي لاند ومقديشو في لاسعانود؟

ما جذور الأزمة بين صومالي لاند ومقديشو في لاسعانود؟


10/01/2023

أعوام من الاغتيالات المتبادلة شهدتها مدينة لاسعانود عاصمة محافظة إقليم سول، المُتنازع عليه بين جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند) المُستقلة من طرف واحد، وولاية بونتلاند إحدى ولايات جمهورية الصومال الفيدرالية.

منذ 15 عاماً سيطرت صومالي لاند على معظم إقليمي سول وسناج، استناداً إلى أنهما تابعان لها بناءً على الحدود بين المستعمرتين الإيطالية والبريطانية في الصومال، قبيل الاستقلال واندماج صوماليلاند في الصومال عام 1960. وعقب تفكك الدولة المركزية واستقلال صوماليلاند عام 1991، سيطرت الأخيرة بعد عدة سنوات على الإقليمين.

ولكون التركيبة القبلية الغالبة في الإقليمين تنتمي إلى التركيبة القبلية في بونتلاند، شهد الإقليمان محطات متكررة من العنف السياسي، الذي زادت وتيرته خلال الأعوام الخمسة الأخيرة مع تعزز مكانة الدولة الصومالية الفيدرالية التي تأسست في عام 2012 بعد فترة انتقالية. ويطالب سكان الإقليمين اللذين يوجد فيهما ثروة نفطية بتأسيس ولاية مستقلة ضمن الصومال الفيدرالي.

أحداث العنف

شهدت الأيام الأخيرة في العام الماضي احتجاجات واسعة في مدينة لاسعانود عاصمة إقليم سول، بعد اغتيال أحد مسؤولي حزب "وطني" المعارض في صوماليلاند، وردت قوات أمن الإقليم المستقل من طرف واحد بإطلاق النار على المتظاهرين، مُخلفة 23 قتيلاً وعشرات المصابين، وفق آخر إحصاءات نشرتها صحف صومالية.

وخلال الأعوام الماضية شهدت المدينة اغتيالات واعتقالات طالت الزعماء القبليين والسياسيين من المعارضين لصومالي لاند. كما شهدت عمليات اغتيال طالت مسؤولين من صومالي لاند، كان من بينهم رئيس مخابرات أرض الصومال في المدينة عبد الغني غوهاد، ومن قبله محافظ إقليم سول حسن شيخ محمود، مطلع العام 2020، فضلاً عن تبادل الهجمات داخل الإقليم مع قوات بونتلاند.

د. هبة شوكري: اغتيالات طالت الشخصيات العامة

وشهدت المدينة احتجاجات واسعة خلال الأعوام الماضية، لم يكن الخلاف السياسي في عاصمة صومالي لاند، هرجيسا بعيداً عنها؛ حيث طالت الاغتيالات مسؤولين منضوين في أحزاب المعارضة لرئيس صومالي لاند، موسى بيحي عبدي.

تقول الطبيبة والناشطة الصومالية، هبة شوكري بأنّ إقليمي سول وسناج شهدا اغتيالات طالت الشخصيات العامة والتجار والمثقفين ورجال الدين على مدار أعوام. وحمّلت في حديثها لـ"حفريات" قوات الأمن والجيش في صومالي لاند المسؤولية عن قتل المحتجين، وقطع الخدمات من ماء وكهرباء وإنترنت واقتحام المنازل، ما أدى إلى فرار العشرات.

خلال الأعوام الماضية شهدت مدينة لاسعانود اغتيالات واعتقالات طالت الزعماء القبليين والسياسيين من المعارضين لصوماليلاند. كما شهدت عمليات اغتيال طالت مسؤولين وشخصيات عامة

من جانبه، اتّهم الناشط والمحلل السياسي من صومالي لاند، عبد العزيز محمود يوسف، جهات في الصومال الفيدرالي بزعزعة الأمن ونشر الفوضى في إقليمي سول وسناج. وأشار لـ"حفريات" إلى أنّ جهات في الصومال لم ترض بما أحرزته صومالي لاند من تقدم في شراكتها الأمنية والإنسانية مع الولايات المتحدة، لهذا عملوا على إحراج هرجيسا بهذه التوترات.

ولم ينف يوسف وجود دور لهرجيسا في الأحداث، ولفت إلى أنّ الحكومة السابقة بقيادة أحمد محمود سيلانيو توصلت لاتفاق مع وجهاء الإقليمين كان كفيلاً بحلّ كثيرٍ من الأمور الخلافية، لكنّ الرئيس الحالي لصوماليلاند تراجع عن الاتفاق، ما أدى إلى عودة العنف المتبادل.

وفيما يبدو رداً على أحداث العنف في لاسعانود، شنت مجموعة من المسلحين هجوماً على قاعدة عسكرية تابعة لقوات صومالي لاند في المدينة في الرابع من شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، متسببة في مقتل ثلاثة وإصابة آخرين.

جذور الأزمة

لا تنفصل أزمة الاضطرابات السياسية والأمنية في الصومال الكبير عن التكوين العشائري في البلاد، الذي حضر بقوة مع الاستقلال عام 1960، وعاد بقوة إلى السلطة مع تأسيس الدولة الفيدرالية.

وتعيش قبيلة الإسحاق في وسط وجنوب صوماليلاند وتحكم الإقليم، وفي الشمال تعيش قبيلة السمرون، بينما توجد أربع قبائل كبرى في الصومال الفيدرالي، وهم؛ در، ودارود، وهوية، ودغل ومرفلي، إلى جانب قبائل أخرى أقل حضوراً.

من جانبه ذكر المفكر والمستشار الصومالي، عمر الشيخ نور سيد علي، بأنّ مدينة لاسعانود قديمة مشهورة بالوطنية الصومالية، وأهلها المشهورون باسم الدراويش هم الذين كافحوا الاستعمار. وأفاد لـ"حفريات" بأنّ القبيلة التي تسكن المدينة تسمى "طلبهنتا" وهي من من قبائل دارود في ولاية بونت لاند.

عبد العزيز يوسف: عملوا على إحراج هرجيسا بهذه التوترات

بدوره قال الكاتب الصومالي، عبد الرحمن راج علي، بأنّ صومالي لاند ترى في السيطرة على محافظات سول وسناغ والعين التي تقع ضمن حدود الصومال البريطاني سابقاً ضرورةً لنيل الاعتراف الدولي بها كجمهورية مستقلة.

وأفاد لـ"حفريات" بأنّ بسط نفود صوماليلاند على لاسعانود والمحافظات الأخرى تعتبر مسألة مهمة لتحقيق الانفصال الكامل عن الصومال، تحت مبرر أنّ الجزء الشمالي قام بفك ارتباطه مع الجزء الجنوبي. ونوه بأنّ ما يقف حجرة عثرة أمام حلمها بنيل الاعتراف هو إيمان شعب لاسعانود بقضية الصومال الكبرى وبالوحدة الوطنية.

وأواخر العام 2021 هجّرت سلطات صوماليلاند المئات من سكان المناطق الجنوبية في لاسعانود إلى الصومال الفيدرالية، وبرر قائد شرطة الإقليم ذلك بأنّهم "أجانب وليسوا من سكان أرض الصومال". وأشار إلى أنّ المرحّلين ليسوا من سكان لاسعانود الأصليين.

الناشطة هبة شوكري لـ"حفريات": العنف في لاسعانود متعمد من الرئيس بيحي، للهروب من الاستحقاق الرئاسي بعد تمديد حكمه، فهو يريد نقل مشاكله إلى مناطق أخرى

وفي السياق ذاته، أوضحت الناشطة والطبيبة هبة شوكري بأنّ سكان لاسعانود يرون في الوجود الأمني والعسكري لصوماليلاند المكوّن من قبيلة الإسحاق هجوماً عشائرياً، وهو أمر يهدد بنشوب صراع عشائري واسع النطاق.

وأوضحت بأنّ سكان لاسعانود يرفعون علم الصومال الفيدرالي في كل احتجاج، ولا يعتقد غالبيتهم بالاستقلال مع صوماليلاند. وتابعت بأنّ أغلب سكان سول وسناج قبلوا بالانضمام مع صوماليلاند بعد تفكك الدولة المركزية وانتشار الفوضى، لكنّهم يريدون تأسيس ولاية مستقلة عن صوماليلاند وبونتلاند، وتتبع دولة الصومال.

أزمات هرجيسا

من جانبه، اتهم رئيس صوماليلاند موسى بيحي عبدي، الحكومة الفيدرالية الصومالية بدعم ولاية بونتلاند في التعبئة ضد أرض الصومال، ودعا الطرفين إلى عدم التسبب في تفاقم الوضع. وصرح بأنّه بعد إحلال السلام سيتم اتخاذ خطوات لمعالجة القضايا الجوهرية وإيجاد حلّ. وحول الاغتيالات قال "غالبية القتلى في لاسعانود كانوا مسؤولين حكوميين، وغالبية المتورطين في عمليات القتل قد تم القبض عليهم".

من جانبه، شكك الكاتب عبد الرحمن راج عليّ في تصريحات بيحي، وشدد على أنّ "الاغتيالات المستمرة منذ أعوام استهدفت النخب والوجهاء، وتجاوزت حصيلتها 100 نفس، ولم يتم تقديم متهم واحد بالاغتيالات إلى القضاء".

عمر سيد علي: لاسعانود قديمة مشهورة بالوطنية الصومالية

وأدانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال ومنظمة الإيغاد وعدد من الدول المهتمة بالشأن الصومالي في بيان مشترك الاضطرابات التي شهدتها مدينة لاسعانود، ودعوا إلى وقف العنف ضد المواطنين.

بدوره، أشار رئيس مجلس النواب في أرض الصومال، عبد الرزاق خليف أحمد، إلى أنّ سلوك أفراد الأمن أدى إلى تفاقم الوضع ولعب دوراً مهماً في الانتفاضة، ووصف قتل المدنيين ومنع الوصول إلى الإنترنت وقطع الكهرباء بأنه انتهاك لحقوق الإنسان.

وتأتي تلك الأحداث في الوقت التي تشهد فيه صومالي لاند أزمة سياسية واسعة بين الرئيس موسي بيحي عبدي رئيس حزب التضامن "Kulmiye" الحاكم، وحزبا المعارضة؛ حزب العدالة والرفاه (UCID) والحزب الوطني (Waddani)، على خلفية تأجيل بيحي للانتخابات الرئاسية، والمطالبة بعقد انتخابات الأحزاب السياسية قبلها.

وتربط الطبيبة والناشطة هبة شوكري بين ما يحدث في هرجيسا ولاسعانود، وتقول "أعتقد أنّ العنف في لاسعانود متعمد من الرئيس بيحي، للهروب من الاستحقاق الرئاسي بعد تمديد حكمه، فهو يريد نقل مشاكله إلى مناطق أخرى كي يشغل معارضيه عن محاسبته على التمديد".

ويذكر أنّ قوات الأمن في صومالي لاند فتحت النار من قبل على محتجين في العاصمة وعدة مدن في 11 أب (أغسطس) 2022، على خلفية أزمة الانتخابات الرئاسية، وقتلت 7 أشخاص وأصابت 110 آخرين، وهي دلائل تشي بتوجه الرئيس بيحي عبدي نحو القمع السياسي لمعارضيه، وهو الأمر الذي لم تشهده صومالي لاند في إدارة خلافاتها السياسية منذ عام 1991.

عبد الرحمن علي: لم يتم تقديم متهم واحد بالاغتيالات إلى القضاء



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية