انتخابات صومالي لاند: الشباب ينتصرون. ماذا بعد؟

انتخابات صومالي لاند: الشباب ينتصرون. ماذا بعد؟


13/06/2021

عقدت جمهورية أرض الصومال، المستقلة من جانب واحد عن دولة الصومال، انتخابات نيابية ومحلية حازت إعجاب المجتمع الدولي، وعبّرت عن تطلعات التغيير لدى الجيل الصاعد من السكان، الذي مكنّ المعارضة من نيل الأغلبية في مجلس النواب والمجالس المحلية.

وجاءت تلك الانتخابات في وقت دخلت فيه دولة الصومال مستنقعاً خطيراً منذ أربعة أعوام؛ بسبب الصراع السياسي بين الرئيس المنتهية ولايته فرماجو والولايات، لينبه المجتمع الدولي إلى ضرورة دعم التجربة الديمقراطية في صومالي لاند، والتي يعدّ غياب التنمية أشدّ خطر يواجهها.

الانتخابات النيابية

شهدت جمهورية أرض الصومال، المستقلة من جانب واحد، انتخاباتها النيابية الأولى منذ 16 عاماً، وذلك في نهاية الشهر الماضي، بعد أن تأجلت الانتخابات لأكثر من مرة بسبب الخلاف حول تشكيل لجنة الانتخابات الوطنية، وهو الخلاف ذاته الذي تعيشه دولة الصومال اليوم، لكنّ نجاح الأحزاب الثلاثة التي يسمح بها الدستور في أرض الصومال في الوصول لاتفاق مشترك أجريت على أساسه الانتخابات يكشف وجود وعي سياسي كبير منع الإقليم من الانزلاق للفوضى رغم الخلافات السياسية.

فاقت نسبة المشاركة الانتخابية 52.2%

وأعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات فوز حزبي المعارضة بأغلبية المقاعد، وحصل الحزب الوطني "وداني" على 31 مقعداً من مقاعد البرلمان، وحزب العدالة والتنمية "أوعيدا" على 21 مقعداً، بينما حصل الحزب الحاكم "كولميه" على 30 مقعداً، من أصل 82 مقعداً يشكلون مجلس النواب.

وأعلن حزبا المعارضة في بيان مشترك في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات تحالفاً سياسياً لتحديد رئيس البرلمان، وفاز الحزبان معاً أيضاً بأغلبية مقاعد الانتخابات المحلية، وأعلنا أنهما يهدفان إلى التعاون في المجالس المحلية في مختلف أنحاء الإقليم واختيار رؤساء البلديات.

اقرأ أيضاً: هل تسعى السلطة الدينية لاختطاف الدولة في صومالي لاند؟

ومن جانب آخر، لم تفز أيٌ من النساء اللاتي ترشحن للانتخابات، وعددهن 13 امرأة، من أصل 246 مرشحاً، وهي نسبة ضئيلة تكشف وجود تأخر كبير في تمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية، وهو الأمر الذي انتقده الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والنرويج وسويسرا، الذين أشادوا بنزاهة العملية الانتخابية، وانتخاب الشباب والمرشحين من الأقليات.

بحسب دستور صومالي لاند؛ لا يجب أن يزيد عدد الأحزاب السياسية عن ثلاثة أحزاب، ويمنع الدستور قيام الأحزاب على أسس دينية أو عشائرية

وذكرت لجنة الانتخابات أنّ أكثر من مليون ناخب سجلوا أنفسهم للمشاركة في التصويت من بين سكان الإقليم البالغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة.

وقال مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، محمود محمد حسن عبدي؛ إنّ هنالك صحوة حقيقية لدى الشعب الصومالي لاندي، وهناك تحركات لفئات من المثقفين الوطنيين غير الحزبيين، ستعمل على إضعاف قبضة الطبقة السياسية التقليدية، لترجيح كفة الوجوه السياسية الشابة، عبر تبديد دور المال السياسي والضغوط القبلية التي يمكن أن يلجأ إليها الحزب الحاكم في سعيه للحد من تآكل سيطرته على مفاصل العمل السياسي والهيئات التشريعية والبلدية.

وأضاف عبدي، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ أعداد المؤهلين للتصويت في الانتخابات 1.9 مليون مواطن، ما يعني أنّ نسبة المشاركة تجاوزت 52,5%، وتلك النسبة مرشحة للزيادة في الانتخابات القادمة، بسبب ازدياد الوعي الشعبي بأهمية المشاركة والتعبير عن الرأي عبر صناديق الاقتراع، في دلالة على تجاوز فئات واسعة من الشعب لمرحلة الاصطفاف القبلي عبر قنوات تعتمد على القادة التقليديين، وكذلك ارتفاع نسب التعليم الذي سهّل الكشف عن حجم الفساد الإداري والتقاعس الذي شهدتهما البلاد في العقد الماضي إبان حكم حزب "كولميه".

مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، محمود محمد حسن عبدي

وقال أحمد عبدي طيري، النائب الأول لرئيس الحزب الحاكم حول تشكيل التحالف المعارض؛ إنّ أحزاب المعارضة لها الحق في تشكيل تحالف، مؤكداً أنّ نجاح الانتخابات المحلية والنيابية في أرض الصومال أكبر بكثير بالنسبة إليهم من إنشاء التحالف الجديد للمعارضة.

وأشرف مراقبون من 12 دولة على الانتخابات التي حظيت بإشادة دولية كبيرة، وهنأت وزارة الخارجية التايوانية قيادة أرض الصومال على إجراء الانتخابات متعهدة بالعمل معها، وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين رئيس أرض الصومال، موسي بيحي عبدي، ووزير خارجية تايوان.

وتعدّ تايوان من أهم الشركاء الدوليين لأرض الصومال، وقد تبرعت بمعدات لوجستية للعملية الانتخابية تقدَّر قيمتها بـ 2  مليون دولار.

الأحزاب الثلاثة

وبحسب دستور صومالي لاند، لا يجب أن يزيد عدد الأحزاب السياسية عن ثلاثة أحزاب، وهي المشار إليها سابقاً، ويمنع الدستور قيام الأحزاب على أسس دينية أو عشائرية.

مدير مركز "هرجيسا" للدراسات والبحوث، محمود حسن عبدي لـ "حفريات": هناك تحركات لفئات من المثقفين الوطنيين غير الحزبيين، تعمل على إضعاف قبضة الطبقة السياسية التقليدية

وحول التصنيف السياسي لهذه الأحزاب، يقول عبدي؛ حزب كولميه الحاكم يقدم نفسه على أنه من أحزاب يسار الوسط الليبرالية، ويمكن اعتباره حزباً يمينياً، نظراً لنشأته عن قيادة الجناح السياسي للحركة الوطنية الصومالية "SNM"، التي ناهضت الحكم العسكري، وساهمت في إسقاط حكم الجنرال محمد سياد بري، ومهدت الطريق بصورة مباشرة أو غير مباشرة لقيام صومالي لاند.

وتابع عبدي؛ أنّ حزب العدالة والتنمية "أوعيد" يعدّ أقدم حزب سياسي صومالي لاندي، وهو ذو خط يساري اجتماعي، ويمكن اعتبار فكره السياسي امتداداً للثقافة الاشتراكية التي عاشتها البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ويؤكد ذلك الانطباع انتماء الحزب لمنظمة "الأممية الاشتراكية" التي تضمّ أحزاباً اشتراكية من جميع أنحاء العالم.

احتفاء شبعي واسع بالانتخابات

أما بالنظر إلى الحزب الوطني "وداني"، يقول عبدي؛ فقد نشأ عن انشقاق حدث في صفوف حزب العدالة والتنمية، ويقدم هذا الحزب نفسه على أنّه حزب قومي شعبي يطرح رؤى ديمقراطية إسلامية محافظة.

المشهد السياسي

ويرى عبدي؛ أنّ نتائج الانتخابات تكشف تراجع شعبية الحزب الحاكم، وهو ما يؤذن بتناقص فرص فوز الرئيس الحالي أو أيّ مرشح آخر للحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة، نظراً للتدهور الكبير المبرر الذي شهده الحزب الذي يحكم منذ 11 عاماً.

وأشار عبدي إلى أنّ الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٧ لم تخلُ من اعتراضات لمرشحي المعارضة، وقد يكون فصل الاستحقاق الرئاسي عن بقية الاستحقاقات التشريعية والبلدية هو العامل الأساسي في فوز الرئيس الحالي، موسى بيحي عبدي، لكنّ ذلك الفصل تمّ بتوافق سياسي بين الأحزاب الثلاثة، وهو ما ساهم في سلمية سير الانتخابات، وعدم حدوث اضطرابات أو زعزعة للاستقرار.

وبحسب دستور صومالي لاند؛ فإنّ الرئيس بيده السلطة التنفيذية كاملةً، ولا يشارك البرلمان في اختيار الحكومة، ويتكون البرلمان من غرفتين؛ مجلس الشيوخ ومجلس النواب، وكلاهما يتكوّن من 82 عضواً.

صورة لمواطن يدلي بصوته في الانتخابات، تصوير: أميرة محمود حرسي

وأعلنت صومالي لاند استقلالها من جانب واحد عن دولة الصومال، عام 1991، وذلك في مؤتمر برعو للمصالحة بين قبائل الإقليم، الذي يقع إلى شمال الصومال، ويحدّها من الشرق إقليم بونتلاند، ومن الجنوب إثيوبيا، ومن الغرب جيبوتي، وتملك ساحلاً مطلاً على خليج عدن بطول يبلغ 740 كيلومتراً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية