ما الدور الذي سيلعبه "المستقلون" ونواب "التغيير" في لبنان؟

ما الدور الذي سيلعبه "المستقلون" ونواب "التغيير" في لبنان؟


كاتب ومترجم جزائري
06/06/2022

ترجمة: مدني قصري

البرلمان المنبثق عن الانتخابات التشريعية، في 15 أيار (مايو) 2022، سيكون مختلفاً عن السابق. لا شكّ في أنّ الكوارث التي عصفت بلبنان، منذ 2019، قد تركت بصماتها على صناديق الاقتراع. يبقى أن نرى ما إذا كانت مقاعد البرلمان في ساحة النجمة، وبشكل أعم النظام السياسي المعقد في لبنان، سيتغيران حقاً.

في الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 15 أيار (مايو) 2022، ظلّت نسبة التصويت على المستوى الوطني عند مستوى 2018 (49٪)، لكنّ التحليل التفصيلي في المناطق المختلفة يُظهر ديناميكيات محلية بعيدة كلّ البعد عن أن تكون على نسق واحد، وهكذا؛ ففي جبل عامل، معقل حزب الله، كان الإقبال أكبر مما كان عليه قبل أربع سنوات، علاوة على ذلك يبدو أنّ غياب سعد الحريري، المرشح السابق لمنصب رئيس الوزراء قد دفع بعض الناخبين إلى مقاطعة الانتخابات، لا سيما في معاقل الحريري السابقة، في بيروت وطرابلس وصيدا، وفي وسط البقاع الجنوبي، هذا فيما تجاوزت نسبة المشاركة في بعض مناطق الجبال المارونية 60٪.

هناك حقيقة مركزية أخرى تتعلق بوجود ما لا يقل عن 13 وجهاً جديداً في البرلمان (من أصل 128)؛ فهذه الوجوه تعبيرٌ عن الحركة الاحتجاجية لعام 2019، لكنّ جذورها تعود إلى التظاهرات التي اندلعت في وقت مبكر من عام 2016؛ إنّها جبهة معارضة تعدّدية ومتنوّعة، بقدر ما هي مجزّأة داخلياً بسبب معارضات شخصية ومنافسات ضيقة.

 نجح نواب "التغيير"، الـ 13 هؤلاء، بطرق مختلفة، في حلحلة ديناصورات معيّنة، مثل: إيلي الفرزلي (نائب رئيس البرلمان غير القابل للإزالة)، أو أسعد حردان المعروف في العديد من الدوائر بحامل لواء حكومة دمشق. كما أقصِي اثنان من الشخصيات الموالية لسوريا، وهما طلال أرسلان ووئام وهاب، ومصير مماثل كان من نصيب فيصل كرامي، وريث أحد الأوليغارشية في طرابلس، والملياردير المصرفي مروان خير الدين، المرشح على قائمة حزب الله، المتهَمَ بكونه أحد  مهندسي الهروب المالي لرأس المال في خريف 2019.

من الانتخابات البرلمانية، التي جرت في 15 أيار (مايو) 2022

بعد مرور نشوة "رياح التغيير" الشعبية هذه، يُطرح السؤال حول ما إذا كان هؤلاء النواب الثلاثة عشر الجدد سينجحون، في مختلف مراحل التشريع وفي العمل البرلماني شبه اليومي، وفي التغلب على انقساماتهم وتشكيل كتلة موحدة ومتماسكة لمواكبة تحوّلٍ مفترض، ولكن غير محتمل للنظام. وبالمثل يمكن التساؤل عن دور المرشحين الستة عشر الذين يوصَفون بـ "المستقلين"، أي أولئك الذين لا ينتمون إلى الأحزاب التقليدية؛ فهم يمثّلون بشكل أساسي مصالح خاصة على المستوى المحلي، وكما حدث في الماضي يمكن بسهولة أن تمتصّهم آليات الاستقطاب والمحسوبية المؤسسية. ومن بين هؤلاء: الملياردير فؤاد مخزومي، وجان تلوزيان، المقرب من المصرفي صاحب المجموعة المصرفية اللبنانية الدولية Societe Generale de Banque au Liban SGBL)، وممثّل عشيرة المزارعين في الجبال المارونية فريد الخازن، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان الستة عشر "المستقلون"، ونواب المعارضة الثلاثة عشر، سيخوضون المفاوضات السياسية الضرورية، والتي تنطوي بطبيعتها على تنازلات، حتى تصبح محركاً للتغيير.

تقاسم أسهم الهيمنة

هناك جانب أساسي آخر يتعلق بالمعارضة المفترضة بين "أغلبية" و"معارضة"، على عكس الأنظمة السياسية الأخرى، لا يمكن تصوّر مجلس النواب اللبناني، كمجلس يتألف من كتلتين، واحدة على اليمين والأخرى على اليسار، وفي الواقع تمثل الهيئة التشريعية جزءاً من نظام هيمنة أكثر نفوذاً، تُوِّج في القمة بسلطة تعمل من خلال شراكة تتألف من القادة السياسيين الرئيسين في البلاد، كلّ واحد منهم قوي (أو ضعيف) بحكم انتماءٍ إقليمي ودولي. تُستعمَل المعارضة الخطابية والاستقطاب الأيديولوجي، اللذان يصلان إلى ذروتهما في وقت الانتخابات، في تعبئة مخزون الإجماع الخاص بكلّ منهم، لكن على أعلى المستوى يتحّد مختلف القادة من خلال مصلحة متقاربة ودائمة: تقاسمُ حصص الهيمنة، ويعدّ البرلمان أداة رئيسة في هذه الديناميكية، القائمة على مفاوضات مستمرة داخل المؤسسات وخارجها.

هل يصبح حزب الله معارضة؟

بهذا المعنى قد يكون من المضلل الاعتقاد بأنّ حزب الله أصبح الآن في المعارضة، وأنّ القوات اللبنانية ستشكّل تحالف الأغلبية، وقد اقترب الوقت الذي سنتمكّن فيه من التحقق من عدم جدوى، مثل هذه القراءة المتأثرة بمقارنة غير ملائمة بين النظام اللبناني والأنظمة المؤسساتية الأوروبية، وقد تمّ تحديد موعد انتخاب رئيس مجلس النواب، وهو المنصب الذي شغله لعقود نبيه بري، زعيم حركة أمل وحليف حزب الله، ومن الصعب أن نتخيّل أنّ قوّة سياسية "أغلبية" يمكن أن تكسر ميثاق "شركاء" بالتصويت ضدّ برّي الذي يتعذّر عزله.

في الوضع الذي يتّسم بموجات دورية من التوتر الاجتماعي والعنف السياسي الحضري؛ فإنّ الجيش مدعوٌ في الواقع إلى القيام بعمل لا يتماشى بالضرورة مع أهداف التنمية الاجتماعية والسياسية للمجتمع

فيما يتعلق بتشكيل الحكومة لا يتوقع التقليد السياسي أن يقوم رئيس الدولة لاحقاً بتعيين رئيس وزراء مسؤول ضمن ائتلاف "الأغلبية"، كما يتصوّر البعض، وبدلاً من ذلك، ووفق العرف؛ فإنّ التشاور الشامل لجميع القوى التقليدية سوف ينخرط في إيجاد شكل توافقي للحكومة، أي حكومة تتألف من وزراء من جميع الأحزاب الرئيسة.

في هذا السياق، سيكون من المهم ملاحظة الدور الذي سيلعبه "المستقلون" ونواب "التغيير"، ويمكن أن نتساءل عما إذا كانت هذه الفئات المختلفة من النواب، غير المتحالفة رسمياً، ستشارك، حتى بشكل غير مباشر في المفاوضات حول "حكومة توافق وطني" يجب أن تحصل كلّ طائفة من خلالها على ثلث الوزراء (الآلية المثيرة للجدل).

اتفاق شائك مع صندوق النقد الدولي

يترك السؤالُ الشائك حول اتفاق محتمل بين صندوق النقد الدولي والسلطات اللبنانية، في البلد الواقع في قبضة أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخه، المجالَ لعدة سيناريوهات، في إطار عملية التفاوض التي بدأت في الأشهر الأخيرة بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد الدولي؛ لذا يتعيّن على الحكومة المقبلة بكامل صلاحياتها (السلطة التنفيذية التي ما تزال في مكانها، بقيادة الملياردير الطرابلسي نجيب ميقاتي، مكلفة بالشؤون الجارية)، والبرلمان المنتخب حديثاً، أن يتوافقا بشكل مشترك على سلسلة من القوانين الرئيسة الحساسة للغاية، لتزويد الصندوق بالحدّ الأدنى من الضمانات التي تسمح بتحويل الاتفاقية الأولية الحالية إلى اتفاقية رسمية، وبذلك يمكن الإفراج عن سداد الموارد التي طال انتظارها، وهي 3 مليارات دولار (2,83  مليار يورو) على مدى 46 شهراً. هذه هي الإجراءات المؤسسية والتشريعية والتنفيذية التي انقسمت بالفعل حولها القوى السياسية التقليدية في الأشهر والأسابيع الأخيرة، ولا شيء يقول إنّ هذه القوى ستتفق على القضايا العالقة؛ لذلك يبقى السؤال هل سيتم تشكيل الحكومة المقبلة بالسرعة الكافية للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في الوقت المناسب، وهناك جدل حول ما إذا كان ميقاتي ما يزال أفضل مرشح للنخبة الحاكمة لمتابعة ما يسمى "التحول المالي" كرئيس للوزراء.

من الصعب أن نتخيل أنّ الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في الخريف المقبل، ستجرى كما هو مخطط لها

والاحتمال الآخر هو أنّ تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة يتباطأ بسبب الجمود المؤسسي الذي اعتاد عليه اللبنانيون. في لبنان يمكن أن تستمر المفاوضات السياسية المؤسساتية لأشهر، وربما أكثر من عام في بعض الحالات. السؤال هو كيف سيكون من الممكن تجنّب انهيار اقتصادي جديد (مع عملة فقدت بالفعل 95٪ من قيمتها) وما يتبعه من من وضع اجتماعي واقتصادي في بلد يعاني فيه، وفق الأمم المتحدة 80٪ من السكان اليوم "في حالة فقر". في أقل من أسبوع، بين عشية الانتخابات ونشر النتائج النهائية ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي أمام العملة المحلية، لتصل إلى 30 ألف ليرة لبنانية مقابل دولار واحد (20 ألف ليرة في خريف 2021، 1500 قبل بداية الأزمة الحالية).

في هذا السياق، من الصعب أن نتخيل أنّ الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في الخريف المقبل، ستجرى كما هو مخطط لها. من المرجح أن يتمّ تأجيل هذا الموعد حتى العام المقبل على الأقل، ريثما يتمّ التوصل إلى اتفاق داخلي يتعين عليه، كالعادة، أن يأخذ في الاعتبار التطورات الأخرى على المستوى الإقليمي (الاتفاق النووي الإيراني، من بين أمور أخرى) والدولي (الحرب في أوكرانيا وتداعياتها).

الجيش ضمان الاستقرار؟

لكن، في ضوء نتائج انتخابات 15 أيار (مايو)، يُطرح السؤال حول معرفة مَن هم المرشحون المحتملون لرئاسة الجمهورية، وهو منصب مخصص لعضو من الطائفة المارونية، فإذا كان الزعيم الفعلي للحركة العونية جبران باسيل يبدو الآن مستبعداً من المنافسة الرئاسية بسبب الهزيمة التي لحقت بحزبه لصالح الخصوم التاريخيين من القوات اللبنانية، فحتى قائد الجيش الحالي، العماد جوزيف عون، لا يبدو أنّ لديه النفَس الضروري للترشح كمنافس مؤهل للبقاء في ماراثون بطيء الخطى.

من الصعب أن نتخيل أنّ الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في الخريف المقبل، ستجرى كما هو مخطط لها. من المرجح أن يتمّ تأجيل هذا الموعد حتى العام المقبل على الأقل

في الوضع الحالي، الذي يتّسم بموجات دورية من التوتر الاجتماعي والعنف السياسي الحضري؛ فإنّ الجيش مدعوٌ في الواقع إلى القيام بعمل لا يتماشى بالضرورة مع أهداف التنمية الاجتماعية والسياسية للمجتمع. وتواصل القوى الأجنبية الغربية تزويد القوات المسلحة بالوقود للحفاظ على "الاستقرار"، وهذا يعني في كثير من الحالات قمع جيوب السخط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتنامي، لا سيما في المناطق التي تُعدّ على هامش نظام توزيع الامتيازات والخدمات.

في دوائر عديدة، يبدو أنّ خيار بعض القنصليات الأوروبيين وقنصليات الولايات المتحدة في دعم الجيش اللبناني دون تحفّظ، وكأنّه "حارس الاستقرار الداخلي" ينتهي إلى تعزيز دور النخب التقليدية التي تتلقى بالفعل مباشرة الدعم والتمويل من قوى أجنبية أخرى، وبالنسبة إلى هذه النخب، يجب تهميش أشكال المعارضة التي لا يمكن لنظام المحسوبية استيعابها، ونزع الشرعية عنها (باسم "مكافحة الإرهاب") وقمعها، كما هو الحال غالباً في الأحياء الفقيرة في طرابلس ومحيطها.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:
https://orientxxi.info/magazine/articles-en-italien/elections-au-liban-et-pourtant-quelque-chose-bouge,5633

 

 مواضيع ذات صلة:

نتائج الانتخابات وضعت لبنان أمام خيارين أمرّهما... "حلو"

لبنان: حزب الله يلوح بالحرب الأهلية... ومنظمة "لادي" تتحدث عن خروقات الحزب

النتائج النهائية للانتخابات النيابية اللبنانية: حزب الله يتجرع الهزيمة... ومفاجآت أخرى



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية