ماذا يفعل الأسطول المصري في البحر الأسود؟

ماذا يفعل الأسطول المصري في البحر الأسود؟


13/10/2020

جاءت المناورات العسكرية المتعددة، التي أجرتها القوات المسلحة المصرية خلال الأعوام الماضية، تتويجاً للتطور الذي لحق بالقدرات التسليحية الخاصة بالجيش المصري، منذ إزاحة الإخوان عن مقاليد الحكم في العام 2013، وتأتي المناورات العسكرية المشتركة بين مصر وعدد من دول العالم، تجاه تخوم ساخنة في المنطقة؛ لتبلور عمق المستجدات الإقليمية والدولية، وبدا واضحاً من خلال ذلك أنّ العالم أضحى أكثر تعقيداً، الأمر الذي يدفع نحو فهم التداعيات السياسية لتلك المناورات، على أكثر من مستوى، في إطار التحولات الاستراتيجية للنظام العالمي، الرامية إلى تفكيك هيمنة قوة واحدة، لصالح قوى متعددة، في إطار نظام دولي يبدو أنّه يتشكل.

...

التقط النظام المصري خيوط العلاقات التاريخية مع روسيا، واستحضرها الرئيس، عبدالفتاح السيسي، منطلقاتها مرة حين زار موسكو كوزير للدفاع، وأخرى حين أضحى رئيساً للجمهورية في آب (أغسطس) من العام 2014، وفي إطار قراءة التعقيدات التي تضرب السياسة الدولية، والتي تتشكل من خلالها ملامح نظام جديد، تتوزع فيه عناصر القوة والأدوار المتباينة على أكثر من دولة، يمكن القول إنّ بكين وموسكو تأتيان في مقدمة القوى التي تتهيأ لذلك، على خلاف ما استقرت عليه أوضاع النظام الدولي، منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفييتي، وهيمنة قوة واحدة على إرادة الجميع.

 الأمن القومي المصري وتحدّي الأزمات الإقليمية

 اضطلعت القاهرة خلال الأعوام الأخيرة، بمهمة تحديث وتطوير أفرع قواتها المسلحة، ودعمها بأسلحة جديدة، مثّل دخولها إلى الخدمة متغيراً لافتاً في موازين القوى الإقليمية، ما واكب حجم التهديدات والتوترات التي تحيط بأمن مصر القومي، بكلّ أبعاده الاستراتيجية.

 كان شرق المتوسط مسرحاً لأكثر من مناورة عسكرية مشتركة منذ العام 2015، من خلال عدد من المناورات البحرية، التي دشنتها مصر مع قبرص واليونان وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة وكذلك روسيا.

 

تأتي المناورات العسكرية المشتركة بين مصر وعدد من دول العالم، تجاه تخوم ساخنة في المنطقة؛ لتبلور عمق المستجدات الإقليمية والدولية

 

من خلال ذلك يمكن فهم ومتابعة التدرييات المشتركة، فيما بين القوات البحرية المصرية والروسية، التي تتخذ اسم "جسر الصداقة"، والتي تجرى ولأول مرة في البحر الأسود، ووفقاً لبيان المكتب الصحفي لأسطول البحر الأسود الروسي، فإنّ القوات البحرية الروسية والمصرية ستجريان تدريبات مشتركة في البحر الأسود، حيث ستتدرب السفن الحربية التابعة لأسطول البحر الأسود التابع للبحرية الروسية، وقطع بحرية تابعة للأسطول المصري، بدعم من القوات الجوية، على الدفاع عن الممرات البحرية ضد التهديدات المختلفة، وتتضمن التدريبات مناورات على نشر القوات، وإعادة الإمدادات في البحر، وتفتيش السفن المشبوهة.

 

وأشار المكتب الصحفي إلى أنّ القطع البحرية المصرية والروسية، سوف تقوم بإجراءات المناورات تحت قيادة المقر المشترك للتدريبات؛ لتنظيم جميع أنواع الحماية والدفاع في البحر، وتنفيذ إطلاق الصواريخ والمدفعية، باستخدام أسلحة محمولة على متن السفن.

ولفت المكتب إلى أنّ "التدريبات تهدف إلى تعزيز وتطوير التعاون العسكري بين القوات البحرية المصرية والروسية، بما يخدم الأمن والاستقرار في البحر الأسود والمتوسط، بالإضافة إلى تبادل الخبرات بين الأفراد، في ما يتعلق بإحباط التهديدات المختلفة في مجالات الشحن المكثف".

 الرسائل التي يحملها وصول الأسطول المصري إلى البحر الأسود

التدريبات المشتركة بين البحرية المصرية والروسية في البحر الأسود، وبجانب أهدافها التدريبية، تحمل العديد من الرسائل السياسية، التي ترتبط مرة بحجم وإمكانات التعاون العسكري المشترك بين القاهرة وموسكو، استناداً إلى التاريخ المشترك الذي يجمع بين البلدين، وكذا قضايا الاهتمامات المشتركة بين البلدين في سوريا وليبيا، وما يتقاطع مع الملفين من تشابك وتعقّد في العلاقات مع الجانب التركي، وما يتصل بهما في شأن محور شرق المتوسط، فضلاً عن كون تلك التدريبات تجمع بين قوتين رئيسيتين تتدخلان في مناطق الصراع من ناحية، وتجرى وقائعها في مسرح جديد ولافت، فإنّ الأمر لا يمكن إغفال كونه رسالة ردع جديدة للجانب التركي، من خلال استكمال خطة التدريبات، ورفع درجة الاستعداد لكافة فصائل القوات المسلحة المصرية، وإظهار مدى القدرات البشرية والفنية لتشكيلات الأسطول البحري المصري، وهو الأمر الذي ينتظم داخل سلسلة المناورات والتدريبات المشتركة، التي تجريها أفرع القوات المسلحة المصرية بانتظام، خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبوتيرة تتناغم مع دخول قطع عسكرية متباينة في منظومة تسليح الجيش المصري، فضلاً عن كونها لا تعتمد على مصدر واحد، وانّما تأتي من مصادر متعددة.

اقرأ أيضاً: التخلص من العبء أم تجميده: موقع الإخوان المسلمين في تحولات تركيا تجاه مصر

ثمة اعتبارات تكتيكية في ذهنية موسكو والقاهرة، وقد اتخذا قرار خوض قواتهما البحرية لهذه التدريبات العسكرية المشتركة في البحر الأسود، وعلى خلفية ذلك، لا يمكن فصل التحركات العسكرية حتى وإن كانت على مستوى التدريب، عن مغزى الأهداف والمناورة السياسية، خاصّة وأنّ مسرح أحداث الشرق الأوسط الذي يمثل نقطة انطلاق واهتمام السياسة المصرية، يمثل في ذات الوقت أحد أهم نقاط الأمن القومي الروسي، باعتباره امتداداً طبيعياً ومنطقياً للسياسة الخارجية الروسية، فضلاً عن كون موسكو منخرطة عسكرياً بشكل مباشر، في عمليات خشنة في الداخل السوري والليبي، وكلا الملفين تتقاطع معهما القاهرة، من منطلق أولويات أمنها القومي.

تشتبك مصالح أنقرة في ملفات عديدة مع كل من موسكو والقاهرة، وربما تدرك روسيا جيداً أنّ حجم وعمق الخلاف الاستراتيجي فيما بين القاهرة وأنقرة، أكثر تعقيداً من أيّ تصور براغماتي للعلاقات السياسية، بيد أنّ العلاقات الروسية التركية، ورغم حجم التعقيدات والتشابكات التي تحيط بنسيجها، والتناقضات الواقعة بينهما في عدد من القضايا المرتبطة بالملف السوري وكذا الملف الليبي، والصراع بين أرمينيا وأذربيجان، فإنّهما يحملان عبء كل تلك المتناقضات، ويسعيان نحو المرور بعيداً عن الاحتكاك الخشن والمباشر، ومن هنا تأتي ورقة التدريبات المشتركة، والتعاون الاستراتيجي فيما بين القاهرة وموسكو غير مرة، لتضع حداً لأطماع تركيا في شرق المتوسط، وتمنح طموحات القيادة في كلا البلدين آفاقاً جديدة للتنسيق والتعاون والعمل المشترك.

 

ربما تدرك روسيا جيداً أنّ حجم وعمق الخلاف الاستراتيجي فيما بين القاهرة وأنقرة، أكثر تعقيداً من أيّ تصور براغماتي

 

يأتي على أطراف التعاون العسكري والسياسي بين مصر وروسيا، نوع من التعاون الاستخباراتي والأمني في مكافحة الإرهاب، خاصّة ما يتصل بمكافحة تنظيم داعش، بكل ما يمثله من تهديد واضح ومباشر على سوق الطاقة، الذي يعد قطاعاً رئيسياً، ومفردة مركزية من مفردات الأمن القومي الروسي.

يقيناً، تتقاطع مناورات السياسة مع تدريبات السلاح، وكل منهما يلقي بأثره وظله على ميادين الصراع، وحسابات المصلحة، في إطار الملفات الشائكة والمعقدة، التي تتحرك فيها مسارات السياسة الخارجية لمصر وروسيا، حيث تتقاطع فيها المصالح حيناً، وتتعقد حيناً آخر، بيد أنّ آفاق التعاون تفيض بالكثير من الآمال، مع الرغبة في الاستفادة من دروس الماضي، والانطلاق نحو  تجديد معطيات التعاون الإقليمي، وصولاً إلى براهين جديدة، تكرس أهمية مصر للسياسة الروسية، وكذا أهمية روسيا كقوة تبحث عن دور في مرحلة ما بعد تسوية الصراعات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية