ماذا يصنع المخرج برواية فاتنة؟

ماذا يصنع المخرج برواية فاتنة؟

ماذا يصنع المخرج برواية فاتنة؟


22/07/2023

من النادر أن يتطابق فيلم مع نصّ روائيّ، فيضاهيه. لكنّ فيلم "الحدث" (بالفرنسية: L'événement)‏ المستوحى من رواية حائزة نوبل للآداب 2022، الفرنسيّة آني إرنو، يجسّد ذلك على نحو أخّاذ. نحن، إذاً، بإزاء نصّ روائيّ فاتن، وفيلم سينمائيّ مدهش، عُرض في مهرجان البندقيّة السينمائيّ 2021 وفاز بجائزة الأسد الذهبيّ، والفيلم من إخراج الفرنسيّة من أصل لبنانيّ أودريه ديوان.

ومن شدّة أخلاص الفيلم لروح الرواية يخال المشاهد أنّ إرنو هي مَن قامت بنفسها بتحويل الرواية إلى فيلم. ثمة عناية خلّاقة بالتفاصيل (التي هي العمود الفقري لأعمال الروائيّة الفرنسيّة)، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا الاندعام النفسي بين الكاتبة والمخرجة. قالت ديوان على مسرح المهرجان: "حققت هذا الفيلم بغضب ورغبة، حققته مع بطني، مع أمعائي، مع قلبي". فمن خلال كاميراتها الغامرة تروي المخرجة: "حاولت وضع المشاهد مكان هذه المرأة الشابة، حتى يتسنى للجميع عيش رحلتها"، إلى درجة أنه، خلال العرض في البندقية، لم يتمكن العديد من الرجال من استيعاب صور الإجهاض وغادروا القاعة، وفقاً لما نقلته "فرانس إنفو".

الرواية، وكذا الفيلم حفرٌ في تفاصيل النفس، واستذكارات لأزمنة متداخلة، وإحساس كاوٍ بأنّ العالم يتخلّى عن الفتاة التي لم تتهيّأ لتصبح أمّاً

وكما تناولت رواية "الاحتلال" موضوعة الغِيرة وتمزّقات الكائن/ الأنثى أمام إكراهاتها، فإنّ إرنو تخصّص رواية "الحدث" لمشكلة الإجهاض: فتاة جامعيّة تجد نفسها حاملاً، فتجَهد في سبيل التخلّص من الجنين. الزمن يتقدّم ومعه تتعمّق المأساة، بسبب تشدّد القوانين الفرنسيّة (في فترة ستينيّات القرن الماضي) مع الإجهاض، وصعود تيارات متشدّدة تدعو إلى الحفاظ على الأسرة.

في غمرة هذه التوتّرات تسير الرواية، وكذا الفيلم. حفرٌ في تفاصيل النفس، واستذكارات لأزمنة متداخلة، وإحساس كاوٍ بأنّ العالم يتخلّى عن الفتاة التي لم تتهيّأ لتصبح أمّاً، فلديها أحلام مجنّحة أن تتخرّج في كلية الآداب، وتصبح كاتبة.

الرواية تُعيدنا إلى عالم إرنو الفيّاض بالبوح واللغة النقيّة والقدرة العبقريّة على قراءة النفس، والغوص في مجاهلها، من خلال مركزيّة السرد والتمحوّر حول شخصيّة الساردة في الرواية، وشخصية "آن" في الفيلم التي جسّدتها الممثلة الشابة من أصول رومانية أناماريا فارتولومي (مواليد 1999) بطريقة مذهلة، رغم صعوبة الدّور، ومشقّة تقمّص روح الفتاة التي رسمتها إرنو بعناية مَن يرسم لوحة فسيفسائيّة عملاقة.

مرّة أخرى، نحن بإزاء عالم سرديّ يتدفّق، متحلّلاً من اشتراطات الرواية الكلاسيكيّة، فينتصر في القبض على الذاتيّ لا الشخصيّ، وعلى الكائن في اضطرابه وقنوطه ويأسه وعناده وانعتاقه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية