قُتِل ايمن الظواهري، لم يُقتَل أيمن الظواهري، ومازال يُقتَل أم لم يُقتَل في علم الغيب، فهذا ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان يقول أن الحركة لم تستطع أن تصل لجثة الظواهري، حيث لا أثر لها حتى الآن، كما أن طالبان لم تكن على علم بتواجده في هذا المكان.
غير أن المسألة الأعقد ليس في حقيقة مقتله من عدم حقيقتها، بل ما الذي يرتبه مقتل الرجل إذا ماحدث فعلاً ومن سيكون وريثه؟
وفيما يتعلق بمن سيخلف الظواهري، ثمة تقرير للأمم المتحدة يتحدث عن تنظيم “القاعدة” ويشير إلى أن قادة “الشباب” وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” يحتمل أن يخلفوه في حال وفاته. ومع ذلك، فإن نقل القيادة العالمية لتنظيم “القاعدة” من جذورها التاريخية في منطقة “أفغانستان – باكستان” إلى أفريقيا سيكون أمراً غير مسبوق. ومن بين المرشحين المحتملين عضوان قديمان في تنظيم “القاعدة” هما: سيف العدل وعبد الرحمن المغربي، صهر الظواهري. ولكن كليهما يقيمان حالياً في إيران، وبالتالي، فإن تعيين أي منهما كأمير قادم لـ تنظيم “القاعدة”يمكن أن يخلق مشاكل شرعية داخلية.
ويتمثل احتمال آخر بالترويج لقائد شاب يتمتع بشخصية مؤثرة، ولكنه غير معروف نسبياً، يمكن أن يتواصل معه المجندون المحتملون بطريقة غير معهودة مع الظواهري. وبما أن تنظيم “القاعدة” يستمر في التنافس مع تنظيم “الدولة الإسلامية” على جذب الأتباع والمجندين، لذلك فإن إيجاد قائد ديناميكي جديد من المرجح أن يشكل أولوية.
هذا ما اورده التقرير وكان معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى قد نشر أجزاء منه ولكن في نهاية المطاف، من غير المرجح أن يكون لمقتل الظواهري تأثير كبير على القدرات العملياتية لـ تنظيم “القاعدة” أو فروعها. فهو لم يكن على ما يبدو يدير الشؤون اليومية للتنظيم، بل كان يُعنى فقط بصنع القرارات الاستراتيجية على نطاق واسع. ومن نواحٍ عديدة، لم “تؤثر” شخصيات تنظيم “القاعدة” في منطقة “أفغانستان – باكستان” على التنظيم منذ فترة. وفي العقد الماضي، كانت أهمية تنظيم “القاعدة” تستند بجزء كبير منها إلى ثروات فروعها في الخارج، أولاً في اليمن وسوريا، ولاحقاً في الصومال ومالي. وبالتالي، بغض النظر عمن يتم اختياره ليكون الزعيم التالي، سيتقرر مستقبل الحركة بمعارك بعيدة عن شوارع كابول حيث قتل الظواهري. ومن المؤكد أنه ستبرز تساؤلات حول استقرار نواة “القاعدة” إلى حين تعيين خليفة للظواهري، ولكن في غضون ذلك، ستستمر أقوى أذرع الشبكة في تهديد وزعزعة استقرار مساحات واسعة من أفريقيا.
أما بالنسبة للإرث القيادي للظواهري، فلا يمكن التنصل من واقع انتقال تنظيم “القاعدة” بشكل مطرد من الزعيم أحادي القطب للحركة الجهادية العالمية منذ توليه زعامتها. وعلى الرغم من التهديد الكبير الذي تشكله بعض الجماعات التابعة للتنظيم في الخارج، خسر تنظيم “القاعدة” أقوى فرعين له في قلب العالم العربي تحت قيادته، وهما تنظيم “الدولة الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام”، وأصبح الآن أضعف على الساحة العالمية.
أهمية تقرير هيئة الأمم المتحدة تأتي من معلومة واحدة أفردها التقرير وهي احتواء طهران لتنظيم القاعدة، وإقامة جزء من قياداته فيها، وهو ماتؤكده تقارير دولية عديدة دون أن تفوم طهران بنفيها، وهو الامر بالغ الخطورة حيث سيشتغل “الحرس الثوري الإيراني” على إعادة تأهيل التنظيم ومن ثم إعادة إطلاقه، ما يشكل مصدر تهديد للعالم كل العالم.
اليوم تدور الاحادبث حول حقيقة مقتل الظواهري، ولكن الأهم هو السؤال:
ـ بدائله في طهران، ماذا لو خرجت قيادات بديلة من السيرك الإيراني إلى جمهور المتفرجين في العالم؟
ـ هنا جوهر المسألة.
عن "مرصد مينا"