التقى رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، رفقة النائب الأول مسعود أعبيد، عدداً من أعضاء "حراك الفعاليات الوطنية مصراتة" بمقر المجلس بالعاصمة الليبية طرابلس. وتمّ في هذا اللقاء بحث ما يقوم به الحراك من جهود ضمن إطار المجتمع المدني بهدف خدمة البلاد، والسعي لتوحيد المساعي الوطنية التي تستند للثوابت وتدعم المسار الديمقراطي وقيم النزاهة والعدالة.
من جانبه أكد تكالة على أهمية دور المجتمع المدني والحركات الشعبية الأهلية في ترسيخ قيم السلم المجتمعي، وتفعيل جهود المصالحة الوطنية، بما يحقق آمال وتطلعات المواطن في الوصول إلى الانتخابات التي يقبلها الجميع. وفي إطار لقاءات رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة بالسفير السعودي، ووزير الخارجية التركي، عبّر للأخير عن تقدير المجلس دور تركيا في دعم الاستقرار والإسهام في مشاريع إعادة الإعمار، والجهود الأممية لإنهاء المراحل الانتقالية في ليبيا، وذلك بحسب المكتب الإعلامي للمجلس.
مستقبل الدور التركي
جاء ذلك خلال اجتماع تكالة مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان والوفد المرافق له بمقر المجلس الأعلى للدولة في طرابلس بحضور أعضاء مكتب الرئاسة ورؤساء اللجان الدائمة بالمجلس. ولفت المكتب الإعلامي للمجلس إلى أنّ وزير الخارجية التركي نقل من جهته تحيات الرئيس رجب طيب أردوغان لتكالة والشعب الليبي، مؤكداً عراقة أواصر الأخوة والتعاون بين البلدين، وأنّ زيارته تهدف لدعم المسار الديمقراطي الليبي والمصالحة الوطنية الشاملة وتوحيد الصف الليبي لتحقيق الاستقرار في البلاد وكامل المنطقة.
وجدير بالذكر أنّ وزير الخارجية التركي التقى خلال زيارته للعاصمة طرابلس كلّاً من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية "المؤقتة" عبد الحميد الدبيبة، وناقش معهما عدداً من الملفات السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية. في هذا السياق يشير الدبلوماسي الليبي الشتيوي الجدي إلى أنّه معلوم كون الرئيس السابق لمجلس الدولة الاستشاري خالد المشري زار مدينة مصراتة خلال نهاية شهر كانون الثاني (يناير) رفقة عدد من أعضاء المجلس، وقد جرت (3) لقاءات منفصلة بينهم وبين بعض المنضوين في ما يُسمّى "تجمع نواب مصراتة"، وما يُسمّى "حراك الفعاليات الوطنية مصراتة"، وما يُسمّى "حراك 17 شباط (فبراير) للإصلاح ومحاربة الفساد". وتم خلالها مناقشة حالة الانسداد السياسي، وضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة للوصول إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ويتابع الدبلوماسي الليبي في إطار تصريحاته التي خص بها (حفريات) بقوله: إنّ خالد المشري غرّد على منصة (إكس) "تويتر سابقاً"؛ مؤكداً الاتفاق على دعمهم لتشكيل حكومة موحدة ومحايدة مهمتها إنجاز الانتخابات عبر القوانين التي أنجزتها لجنة (6+6)، مشيراً أيضاً إلى الفساد غير المسبوق الذي تشهده ليبيا وضرورة وضع حد له بكل حزم.
الدبيبة يصر على البقاء
نتج عن ذلك وتبعه، والحديث للمصدر ذاته السفير الشتيوي الجدي، غضب عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية "المنتهية ولايتها"، ممّا جعل حليفه محمد تكالة، رئيس مجلس الدولة الاستشاري، يجتمع هو الأخر مع ما يُسمّى "تجمع نواب مصراتة" بحكم أنّهم أعضاء معه بالمجلس، كي يستطلع ما دار بينهم وبين سلفه خالد المشري. لكن يظهر أنّ الرئيس الحالي للمجلس محمد تكالة لم يجد لديهم ما يسرّه، بدليل أنّ مكتبه الإعلامي أخفى في نشرته ذكر مطلب ما يُسمّى "تجمع نواب مصراتة" الخاص بضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط جديدة للوصول إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، الأمر الذي أغضب هؤلاء ودفعهم إلى إصدار بيان لتوضيح ما أهمله المكتب الإعلامي لرئيس المجلس.
وفي هذه الحادثة ما يكفي لاستشفاف ما سوف يواجهه الرئيس الحالي للمجلس محمد تكالة من معارضة داخل المجلس، وذلك في حال تمسكه ببقاء حكومة حليفه عبد الحميد الدبيبة في السلطة، بحسب حديث المصدر.
وبخصوص حقيقة الخلاف بين محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير و الدبيبة، وهل ثمة علاقة لزيارة وزير الخارجية التركي لليبيا، ولقائه محمد تكالة وعبد الحميد الدبيبة والصديق الكبير بذلك، أوضح الدبلوماسي الليبي الشتيوي الجدي أنّ الصديق الكبير، بصفته محافظاً لمصرف ليبيا المركزي، لا يخضع لسلطة الحكومة بأيّ شكل، فهو يرأس مؤسسة سيادية مستقلة ذات شخصية اعتبارية يحكمها قانونها الخاص ولا سلطان للحكومة عليها. لذا فإنّ أيّ خلاف بين محافظ المصرف المركزي ورئيس الحكومة يفترض أن تكون دوافعه مرتبطة بالدرجة الأولى بالصالح العام.
وأردف الجدي قائلاً: بحسب ما يتم تداوله، فإنّ الخلاف بين الكبير والدبيبة نشأ بعد تصريح محافظ المصرف المركزي بأنّ هناك عجزاً بقيمة (11) مليار دولار في العام المالي 2023، واتهامه لحكومة الوحدة الوطنية بإهدار المال العام واستنزاف العملات الصعبة من خزينة المصرف المركزي، علاوة على خلاف آخر حول المحافظ الاستثمارية في الخارج.
غير أنّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة يرجع سبب تضييق محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير في الفترة الأخيرة على حكومته إلى تفاهمات بين المحافظ وأطراف سياسية وشخصيات نافذة بغية الضغط على حكومته تحت ذريعة اتهامه بإهدار المال العام والفساد والصرف العشوائي. وفي المقابل يتهم الصديق الكبير خصمه عبد الحميد الدبيبة بالوقوف خلف محاولة مجلس الدولة الاستشاري لتغيير محافظ المصرف المركزي عبر إدراج ملف تجديد المناصب السيادية على جدول أعمال المجلس. ورغم الجلسة المرتقبة، التي لم يعلن عنها مجلس الدولة رسمياً، فإنّ إدراج ملف المناصب السيادية على جدول الأعمال جاء بتنسيق بين الدبيبة وحليفه محمد تكالة رئيس المجلس، لإزاحة خصمه الصديق الكبير عن منصب محافظ المصرف المركزي، وفقاً لما أبلغه بعض الأعضاء لوسائل الإعلام.
تأثير الوضع الدولي والإقليمي
هذا، والحديث للمصدر نفسه، لا يمكن تجاهل العامل الخارجي، فمن المعلوم أنّ مجلسي النواب والدولة في ما مضى لم يتمكنا من استبدال الصديق الكبير بمحافظ آخر للمصرف المركزي، ولن يتمكنا طالما ظل الصديق الكبير مدعوماً من القوى الدولية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لأنّ طبيعة هذا المنصب مرتبطة بالتعامل المباشر مع العالم الخارجي.
أمّا علاقة ذلك كله بزيارة وزير الخارجية التركي، فلا يتعدى دوره محاولة التوفيق بين الدبيبة والكبير باعتبارهما من الموالين لتركيا، حيث خزائن ثرواتهما الضخمة وممتلكاتهما ومصالحهما الخاصة. وأكد النائب بالمجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني استمرار المجلس في العمل من أجل التوصل إلى توافق وطني بالتنسيق مع الدول المهتمة بالشأن الليبي لضمان تحقيق الاستقرار، مشيراً إلى حيادية "الرئاسي الليبي" في هذا الشأن بالتواصل مع كل الأطراف لمعالجة الانسداد السياسي من خلال ملف المصالحة الوطنية الذي وصل إلى مراحل متقدمة باعتباره أحد الملفات الرئيسية التي تساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
جاء ذلك خلال استقبال الكوني يوم السبت 10 شباط (فبراير) الجاري المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا بول سولير، الذي حمل رسالة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد خلالها استمرار اهتمام فرنسا بالملف الليبي ومعالجة الانسداد السياسي لضمان تحقيق الاستقرار من أجل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي ودعم الجهود الرامية لإعادة الإعمار لا سيّما مناطق الجنوب، وفقاً لوكالة الأنباء الليبية.
بدوره، أكد المبعوث الفرنسي أنّ الملف الليبي من أولى اهتمامات بلاده التي تسعى جاهدة لمساعدة ليبيا لمعالجة الانسداد السياسي بالتواصل مع الأطراف السياسية لتحقيق الاستقرار والوصول إلى الانتخابات، مشيراً إلى استمرار التشاور مع الدول المهتمة بالشأن الليبي بالتعاون مع الأطراف السياسية من أجل التوصل إلى اتفاقات ملموسة تفضي لإجراء انتخابات يرضى بنتائجها المشاركون فيها.
أفق الحل السياسي
من جانبه، يعلق الباحث الليبي محمد عادل أمطيريد على التحركات الأخيرة، سواء في الداخل الليبي أو على المستوى الإقليمي، بخصوص الأزمة السياسية في البلاد قائلاً: إنّ الاجتماع الأخير الذي عقده رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة مع عدة سفراء ووزير الخارجية التركي يهدف نحو دفع الأزمة السياسية إلى عتبات الحل، وذلك بسبب رفض تكالة القوانين الانتخابية التي جاءت من مجلس النواب وتعطل مسار اللجنة المشتركة مع مجلس النواب (6+6) بسحب الأعضاء المنتمين للمجلس الأعلى.
ويتابع أمطيريد، في سياق تصريحاته لـ (حفريات)، أنّ تلك اللقاءات التي جمعت تكالة مرة بالسفير السعودي وأخرى بالسفير الفرنسي، تذهب نحو تفعيل وساطة الدولتين وتحريك الوضع السياسي في البلاد، فضلاً عن تفعيل المصالحة الوطنية بالتعاون مع المجلس الرئاسي، ممّا يضع الاستحقاق الانتخابي قيد التنفيذ خلال العام الجاري.
في غضون ذلك تبدو حالة الحراك المحلي في البلاد، خاصة في العاصمة طرابلس والمدن الكبرى بالغرب الليبي لا سيّما مصراتة، تتزامن أيضاً مع الرؤية الإقليمية والدولية التي تدفع بقوة لكي يمضي الاستحقاق الانتخابي على منصب الرئيس خلال النصف الثاني من العام الجاري.
ويلفت الباحث الليبي إلى أنّ التحركات الأخيرة داخل مدينة مصراتة، وخاصة من حراك 17 شباط (فبراير)، تعمل ضدّ حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، وذلك على خلفية النقطة نفسها، وهي الانتخابات وضرورة أن تتبلور مقاربة تسمح لمسار الانتخابات أن يتأسس واقعياً دون أيّ عراقيل، فضلاً عن أهمية مؤتمر المصالحة خلال شهر نيسان (أبريل) القادم، باعتبار أنّ المصالحة السياسية والاجتماعية ركيزة مهمّة لبسط الأمن والاستقرار في البلاد والتفاعل بين كافة مكونات المجتمع الليبي.
إلى ذلك، يشير الباحث الليبي محمد عادل أمطيريد إلى الأزمة الأخيرة فيما بين محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتبعات ذلك على الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد وسعر الدولار الأمريكي مقابل الدينار الليبي، وأثر ذلك على معيشة المواطنين وأسعار السلع في الأسواق، ممّا يضع الحكومة ورئيسها في موقف ضعيف أمام المواطنين، سواء على مستوى استيفاء متطلبات حياتهم، أو عبر حتمية بلوغ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية من دون أيّ تعطيل من جانب المجلس الأعلى للدولة ورئيسه محمد تكالة، وذلك استجابة لكافة الرؤى الإقليمية والدولية خاصة بعد تحسن العلاقات بين مصر وتركيا.
مواضيع ذات صلة:
- ليبيا... هل يسعى باتيلي للتمديد لحكومة الدبيبة لمدة عامين؟
- إخوان ليبيا وخطة العودة إلى نقطة الصفر بعد حل اللجنة المشتركة (6+6)