ليبيا الغارقة في الآمال والوعود: هل تنقذها الانتخابات؟

ليبيا الغارقة في الآمال والوعود: هل تنقذها الانتخابات؟

ليبيا الغارقة في الآمال والوعود: هل تنقذها الانتخابات؟


06/03/2023

بات تنظيم الانتخابات العامة؛ الرئاسية والتشريعية، هو الشغل الشاغل للمجتمع الدولي الفاعل في ليبيا، كمخرج وحيد من أزمة الانقسام السياسي والمؤسساتي والعسكري، التي تعصف بالبلاد عقب ثورة 17 شباط (فبراير) في العام 2011.

ومنذ عدة أيام مرت الذكرى الثانية عشرة للثورة التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، والتي شكلت مناسبةً قويةً للمبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، لطرح رؤية جديدة لتجاوز المكونات السياسية التي تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 (اتفاق الصخيرات)؛ مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.

تحركات باتيلي

يعتبر اقتراح مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا عبد الله باتيلي بإنشاء لجنة توجيهية رفيعة المستوى في ليبيا، بهدف التوصل لعقد الانتخابات العامة بنهاية العام الجاري، أهم اختراق لحالة الجمود التي تخيم على الساحة. قال باتيلي في إحاطته أمام جلسة مجلس الأمن الدولي بتاريخ 27 شباط (فبراير) الماضي "قررت إطلاق مبادرة تهدف إلى التمكين من إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال عام 2023. وفي هذا الصدد، أعتزم إنشاء لجنة توجيه رفيعة المستوى في ليبيا". واستند باتيلي في طرحه إلى المادة (64) من الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، وبناء على الاتفاقات التي توصل إليها الأطراف الليبيون في السابق. وتنصّ المادة على أنه: "للحوار السياسي الليبي، بعد إقرار هذا الاتفاق، أن ينعقد استثناءً بناء على طلب أي طرف من أطراف الاتفاق، للنظر فيما يعتقد أنه خرق جسيم لأحد بنوده".

وتهدف مبادرة باتيلي إلى الجمع بين مختلف الأطراف الليبية المعنية، بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلون عن النساء والشباب.

جمال الفلاح: قطع الطريق على خيارات المبعوث الأممي

وبالإضافة إلى تيسير اعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجراء الانتخابات في 2023، فإن اللجنة المقترحة سوف تمنح منصة للدفع قدماً بالتوافق حول الأمور ذات الصلة، مثل تأمين الانتخابات، واعتماد ميثاق شرف لجميع المرشحين.

ويرى مراقبون أنّ خطوة باتيلي جاءت بعد السأم من إخفاق جهود الجسمين السياسيين الأساسيين في البلاد؛ مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، والمجلس الاستشاري الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري، في الاتفاق على قاعدة دستورية تُجرى الانتخابات على أساسها. حتى إنّ باتيلي صرح بفقدان هذه الأجسام للشرعية، غير أنّه وتبعاً للاتفاق السياسي الذي استند عليه لطرح مبادرته، فإنّ مجلسي النواب والأعلى للدولة لهما شرعية حتى إقامة الانتخابات العامة.

تأتي مبادرة باتيلي لتتصادم مع جهود مجلسي النواب والدولة، وربما تكون ورقة ضغط من المبعوث الأممي لضمان التزام المجلسين بالانتهاء من القاعدة الدستورية

وتنصّ المواد (12 - 13) من اتفاق الصخيرات على أنّ مجلس النواب هو الجهة التشريعية الوحيدة في المرحلة الانتقالية، وتنصّ المادة (22) على أنّ عمل مجلس الدولة ينتهي بعمل مجلس النواب، ما يعني أنّ المجلسين لهما شرعية البقاء في الفترة الانتقالية. كما أنّ مواد أخرى في الاتفاق نصتّ على مسؤوليتهما المشتركة في التوافق على قوانين الانتخابات، فضلاً عن أنّ تشريع أية قوانين عبر جهة غير مجلس النواب ستكون باطلة وفق الإعلان الدستوري الليبي، الذي يستند عليه الاتفاق السياسي.

توافق النواب والدولة

ومن جانبها، أدانت هيئة رئاسة مجلس النواب ما وصفته بمغالطات في إحاطة باتيلي، وأكدت على ملكية الليبيين للعملية السياسية، وطالبت المجتمع الدولي بتمكين المؤسسات السياسية الشريكة من ممارسة عملها، في إشارة إلى منع قوى سياسية ومسلحة لانعقاد جلسة المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، للتصويت على التعديل الدستوري الثالث عشر الذي أقره مجلس النواب.

وتضمن التعديل الدستوري تحديد النظام السياسي للبلاد، وتحديد صلاحيات السلطة التشريعية والتنفيذية. وتتكون التشريعية من مجلسين؛ النواب، والشيوخ، ويعرفان باسم (مجلس الأمة)، وتتكون التنفيذية من رئيس الجمهورية الذي يكلف رئيس الوزراء، فضلاً عن بنود أخرى تضمنها التعديل. وبحسب التعديل، يشكل مجلسا النواب والدولة لجنة مشتركة لوضع خريطة طريق تتفق على قوانين الاستفتاء والانتخابات (الوثيقة الدستورية)، التي ستعرض للاستفتاء الشعبي، وفق تصريحات لعقيلة صالح.

وكان صالح تحدث عن تشكيل لجنة من 45 عضواً (النواب 15، الأعلى للدولة 15، مختصين ومستقلين 15) تختار سلطة تنفيذية جديدة، تنحصر مهمتها في تهيئة البلاد للانتخابات، وتحقيق مصالح المواطنين.

محمد محفوظ: الوضع السياسي للدبيبة غير معلوم

وتأتي مبادرة باتيلي لتتصادم مع جهود مجلسي النواب والدولة، وربما تكون ورقة ضغط من المبعوث الأممي لضمان التزام المجلسين بالانتهاء من القاعدة الدستورية.

ويرى رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية جمال الفلاح، بأنّ تحركات صالح والمشري تهدف إلى قطع الطريق على خيارات المبعوث الأممي. وأكد لـ"حفريات" على أنّ الطرفين لا يريدان انتخابات ولا الخروج من المشهد الحالي، وكل مساعيهم الآن هي مناورة سياسية فقط، لكسب الوقت والخروج من موقع المعرقلين.

من جانبه، قال رئيس مكتب الاستشارات السياسية بالحزب الاتحادي الوطني سعد الدينالي، إنّ هناك ضغوطاً تمارس على مجلسي النواب والدولة، وهناك محاولات من الطرفين للوصول الى نقاط اتفاق وغض النظر على الاختلافات، مثل مشاركة العسكريين في الانتخابات ومزدوجي الجنسية. ويتوقع الدينالي أنّ يتوصل المجلسان إلى حل لإخراج مسودة للقاعدة الدستورية، تحاشياً لمسار آخر تدشنه البعثة الأممية بعيداً عنهما.

السياسي الليبي سعد الدينالي لـ"حفريات": عقيلة صالح وخالد المشري يتمسكان بتغيير حكومة الدبيبة، لكن عبر طريق سياسي آخر بعيد عن المجلسين، وذلك مرهون بتوافق دولي

ويواجه هذا المسار خطر الانقسام الذي يعيشه المجلس الأعلى للدولة، على خلفية رفض العشرات من أعضائه التعديل الدستوري الذي أقره مجلس النواب. ويقول الباحث السياسي والدستوري، محمد محفوظ، بأنّ أغلب الإخوان المسلمين في المجلس الأعلى للدولة مع التفاهم مع مجلس النواب، وكلاهما لا يريد الانتخابات.

وأضاف لـ"حفريات" بأنّ هناك عدداً من نواب المجلس الأعلى للدولة يرون في التعديل الدستوري الذي أقره مجلس النواب تمديداً للمرحلة الانتقالية، ويدعمون الذهاب إلى الانتخابات.

وحول موقف الدبيبة من إجراء انتخابات، قال الباحث الليبي بأنّ من أولويات الدبيبة ألا يتوافق المجلسان؛ في السابق كان تقاربهما يفيده، أما عدم التقارب سيدفع المجتمع الدولي للذهاب نحو خيارات غيرهما، لكن إخفاق المجلسين ليس ضمانة لبقاء الدبيبة في السلطة. "الوضع السياسي للدبيبة غير معلوم".

العوامل الدولية

وخلال الآونة الأخيرة تواترت تصريحات المسؤولين الدوليين عن ضرورة عقد الانتخابات العامة بحلول نهاية العام الجاري، وخاصة التصريحات الأمريكية التي أيدت المبادرة التي أطلقها المبعوث الأممي.

بيد واشنطن وحدها الكثير من أوراق الضغط للدفع نحو الانتخابات في ليبيا، ومن ذلك؛ الإيرادات النفطية، العقوبات، سحب الغطاء الدولي عن السلطة التنفيذية، عدا عن أوراق أخرى غربية لن تشرد بعيداً عن الموقف الأمريكي، ومنها العلاقات القوية بأطراف سياسية فاعلة.

سعد الدينالي: عقيلة صالح وخالد المشري يتمسكان بتغيير حكومة الدبيبة

وسبق أن زار مدير المخابرات الأمريكية طرابلس وبنغازي، والتقى رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي، والمشير خليفة حفتر، وغيرهم.

وإلى جانب الدور الغربي الذي يعتبر الأهم في الملف الليبي، إلى جانب الدورين المصري والتركي، دخل الاتحاد الأفريقي على خطّ الأزمة بقوة خلال الفترة الأخيرة مع استلام السنغالي عبد الله باتيلي مهام منصبه. ويركز الدور الأفريقي على دعم باتيلي في مقاربته لتمكين المجلس الرئاسي من لعب دور أكبر، عبر ملف المصالحة الوطنية، وربما رعاية مبادرة باتيلي، التي رحب المنفي بها.

ويقول الناشط الليبي، جمال الفلاح، إنّ نجاح عقيلة والمشري أمر مستبعد دون الضغوط الدولية، التي تشمل التهديد بفرض عقوبات عليهم؛ لأنهم أخذوا ما يكفي من الوقت دون الاتفاق على القاعدة الدستورية.

بدوره، يرى السياسي الليبي، سعد الدينالي، أنّ عقيلة صالح وخالد المشري يتمسكان بتغيير حكومة الدبيبة، وربما يكون ذلك ذريعة أخرى لإبقاء الوضع الراهن. ولفت إلى أنّه من الممكن استبدال حكومة الدبيبة لكن عبر طريق سياسي آخر بعيد عن المجلسين، وذلك مرهون بتوافق دولي.

ورغم الإصرار الأممي على عقد الانتخابات، إلا أنّ المرور عبر مجلس الأمن لدعم مسار سياسي يقود إلى ذلك دون مراعاة مصالح القوى الفاعلة محلياً وإقليمياً ودولياً سيصطدم بعقبة الرفض الروسي، في ظل تعقد الأزمة الروسية الغربية جراء الحرب في أوكرانيا. فضلاً عن ذلك سبق وأخفقت مبادرات أممية للخروج من الأزمة، حتى مع تحديد موعد محدد للانتخابات، والتي كانت من المفترض عقدها في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021. ووفق تصريحات سابقة للمبعوثة الأممية السابقة، ستيفاني ويليامز فإنّ التوافق التركي المصري شرط أساسي لحل الأزمة الليبية.

مواضيع ذات صلة:

خطط الإخوان في ليبيا لتقويض التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري

ليبيا: النفط يشعل انقسامات الداخل ويؤجج مطامع الخارج

الانسداد السياسي في ليبيا.. من يحرك المياه الراكدة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية