خطط الإخوان في ليبيا لتقويض التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري

في نهاية جلسة مجلس النواب الليبي المنعقدة يوم 8 شباط (فبراير) الجاري أعلن المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب أنّ المجلس وافق خلال المداولات على التعديل الدستوري الثالث عشر. وقال إنّه تمّت الموافقة عليه بالإجماع من قبل (113) عضواً حاضراً.

يحدد التعديل الثالث عشر أدوار الرئيس، ورئيس الوزراء، والبرلمان، والمسار الدستوري للانتخابات. وكان معظم التعديل قد تمّ الاتفاق عليه بالفعل في محادثات بين عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة  خالد المشري، وكانت القضية الرئيسية المعلقة هي أهلية المرشحين من حاملي الجنسية المزدوجة، والتي عارضها المجلس الأعلى.

وبحسب ما هو منصوص عليه في اتفاقية الصخيرات السياسية الليبية في كانون الأول (ديسمبر) 2015، كان يجب على مجلس النواب إرسال التعديل الدستوري الثالث عشر  للموافقة عليه من قبل المجلس الأعلى للدولة.

مضمون التعديلات

مجلس النواب الليبي نشر التعديل الثالث عشر من الإعلان الدستوري في العدد الرابع من الجريدة الرسمية يوم الخميس 23 شباط (فبراير) الجاري، متضمناً (34) مادة، وذلك بحسب الناطق باسم المجلس عبد الله بليحق.

وينص التعديل على أنّ السلطة التشريعية سوف تكون تحت مُسمّى مجلس الأمّة، وتتكون من غرفتين؛ الأولى هي مجلس النواب، ومقره بنغازي، والثانية هي مجلس الشيوخ، ومقره طرابلس. ويحدّد التعديل الاختصاصات التشريعية للمجلسين، وطريقة وشروط الترشح والانتخابات الخاصّة بهما.

أمّا السلطة التنفيذية، فيرأسها رئيس منتخب مباشرة من الشعب، ويكون من سلطاته أن يكلِف رئيساً للوزراء أو يقيله. ونصّت المادة (31) من التعديل الدستوري على حكم انتقالي بشأن انتخابات مجلس الأمّة ورئيس الدولة، والتي تنص على أن يُجرى الاقتراعان خلال مدة أقصاها (240) يوماً من دخول قوانين الانتخابات حيز التنفيذ.

إشادة مصرية

بدورها، أشادت مصر يوم 24 شباط (فبراير) الجاري بموافقة مجلس النواب الليبي على التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري؛ باعتباره خطوة "مهمّة" نحو إجراء الانتخابات في ليبيا. وقالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان رسمي، يوم الجمعة الماضي: إنّ الموافقة على تعديل الإعلان الدستوري خطوة مهمّة على طريق تحقيق الأطر المطلوبة؛ لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية متزامنة، وفي أقرب فرصة.

ينص التعديل على أنّ السلطة التشريعية سوف تكون تحت مُسمّى مجلس الأمّة، وتتكون من غرفتين؛ الأولى هي مجلس النواب ومقرها بنغازي، والثانية هي مجلس الشيوخ ومقرها طرابلس

وأكدت الخارجية ضرورة إجراء الانتخابات الليبية تحت إشراف سلطة تنفيذية محايدة، تعطي الأولوية للمصالح العليا للدولة الليبية الشقيقة. وقالت وزارة الخارجية إنّ مصر تؤكد تطلعها لاستكمال مجلس النواب ومجلس الدولة الليبيين جهودهما، في إطار إعداد القوانين الانتخابية التي يقرها مجلس النواب.

وجددت الوزارة دعم مصر الكامل للحلّ الليبي ـ الليبي، مشيدة بجهود مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية الوحيدة المنتخبة في ليبيا، وكذا المجلس الأعلى للدولة. كما جددت مصر رفضها لأيّ إملاءات خارجية للأشقاء الليبيين، أو محاولات تجاوز دور المؤسسات الليبية وفق مرجعية اتفاق الصخيرات. وفي هذا الصدد تدعو مصر جميع الأطراف المعنية بالأزمة الليبية إلى الالتزام بهذه الأسس والمحددات التي لا يمكن الاستغناء عنها.

موقف المجلس الأعلى للدولة

من جهته، أجّل المجلس الأعلى للدولة خلال جلسة الخميس الماضي، التي كان مقرراً أن يقوم فيها بالتصويت على التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري، إلى موعد لاحق. وبحسب عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شراده، فإنّ التأجيل جاء بسبب عدم اكتمال النصاب لأعضاء المجلس، لافتاً إلى أنّ الأعضاء عقدوا جلسة تشاورية تمّ خلالها الاتفاق على عقد  جلسة اليوم الأحد.

أجّل المجلس الأعلى للدولة خلال جلسة الخميس الماضي، التي كان مقرراً أن يقوم فيها بالتصويت على التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري، إلى موعد لاحق

وكانت مصادر من داخل المجلس الأعلى للدولة قد أكدت لموقع "سبوتنيك" أنّ المجلس يتجه نحو الموافقة على التعديل الثالث عشر؛ لاستشعاره الخطر بأنّ هناك رؤية ما لتجاوزه. وهو ما يتفق مع تصريحات صحفية منسوبة إلى محمد السلاك، المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي، والذي كشف أنّ الأخبار المسرّبة من واشنطن تشير إلى أنّ "هناك رؤية ما لم تتضح تفاصيلها كاملة، لكنّها تقضي بتشكيل لجنة حوار جديدة، أو قيام المجلس الرئاسي بدور ما".

خطط الإخوان لعرقلة المسار

ويبدو أنّ جماعة الإخوان المسلمين، من خلال جناح المفتي المعزول محمد الغرياني، وحزب العدالة والبناء، تسعى لتقويض التعديلات الدستورية الأخيرة، فقد وصف البناني التعديلات الأخيرة بأنّها وسيلة للالتفاف على المسار الدستوري، واتهم مجلس النواب بتجاوز المجلس الأعلى للدولة عبر قيامه بنشر التعديلات قبل موافقة الأخير.

الناشط السياسي الليبي محمود الكزة خصّ "حفريات" بتصريحات قال فيها: إنّ مجلس النواب قام بتصحيح المسار الدستوري عبر إقرار التعديلات الأخيرة، والتي نصّت على أنّ مجلس الشيوخ يتكون من (20) عضواً من برقة و(20) عضواً من طرابلس و(20) عضواً من فزان، وهذا تشكيل ضمني للدولة الليبية، يعني أنّها مركبة من (3) أقاليم.

وبحسب الكزة، فإنّ التعديلات عبارة عن خارطة طريق أقرّها البرلمان؛ تمهد للانتخابات بعد النظر في مسودة الدستور، وإمكانية الاستفتاء عليها من عدمها، والتعديل الثالث عشر يأتي وفق ملاحظات أرسلها مجلس الدولة كردٍّ على التعديل الثاني عشر، فقام مجلس النواب بالتصويت على التعديل الثالث عشر، وفقاً لهذه الملاحظات؛ ليكون هذا التعديل أكثر توافقاً.

ويلفت الكزة إلى أنّ هذه الجلسة التوافقية لمجلس النواب لاقت معارضة شديدة من قبل الإخوان المسلمين ومن يدور في فلكهم، زاعمين أنّه ليس تعديلاً دستورياً، بقدر ما يُعتبر ترحيلاً للأزمة إلى الفترة المقبلة وهروباً إلى الأمام، كذلك امتعض الإخوان من وجود مواد في التعديل تشير إلى إلغاء الانتخابات البرلمانية في حال عدم النجاح في إجراء الرئاسية، وهذا ينسف مخططاتهم الرامية إلى الإجهاز على مفاصل الدولة.

محمود الكزة: ما حصل مؤخراً بمثابة خطوة دستورية جادة وناجحة، قطعت الطريق على خطط الإخوان

كما يزعم الإخوان أنّ هذا التعديل يزيد من تعقيد المشهد عن طريق إصدار قرارات لم يقرها الشعب الليبي، ويدّعون أنّه يتناقض بالكامل مع النصوص الأساسية للإعلان الدستوري، التي تتعلق بالمساواة بين كل الليبيين، وأنّ هذا التعديل يضع مجلس الدولة في موقع المتفرج، وهي كلّها ادعاءات مردود عليها، والهدف منها عرقلة المسار الانتخابي.

وبحسب الكزة، فإنّ ما حصل مؤخراً بمثابة خطوة دستورية جادة وناجحة، قطعت الطريق على خطط الإخوان، متوقعاً ألّا تتوقف محاولاتهم الرامية إلى إبطال هذا القرار الرسمي للجهة التشريعية الوحيدة المنتخبة بشكل أو بآخر، فقد يلجؤون إلى المحكمة الدستورية لنسف هذا القرار، وإعادة المشهد إلى دائرة الفوضى التي يتنفسون من خلالها كعادتهم.