لماذا ينتحر الأردنيون؟

لماذا ينتحر الأردنيون؟


25/08/2022

يعتبر الانتحار ظاهرة غير طبيعية في المجتمعات العربية، لسببين على الأقل، الأول ديني، والثاني يتعلق بطبيعة البنية الأسرية. ولكنه عندما يتحول إلى ظاهرة متكررة تطال العشرات سنويا في بلد مثل الأردن، محدود عدد السكان، فسوف يصبح من المبرر القول إن وراء الأكمة ما وراءها.

وسجلت مديرية الأمن العام 86 حالة انتحار في العام 2012 وارتفعت الحالات في العام 2013 إلى 108 حالات، وبلغت في عام 2014 مئة حالة، وازدادت في عام 2015 إلى 113 حالة، و120 في عام 2016. وارتفعت إلى 130 في عام 2017، ووصلت في العام 2018 إلى نحو 142 حالة، وارتفعت في العام 2019 إلى 154 حالة، وفي العام 2020 إلى 169 حالة، ثم إلى 186 حالة في العام 2021، ومن المنتظر أن تبلغ بحلول نهاية العام الجاري أكثر من 130 حالة، المؤكد منها، خلال النصف الأول من هذا العام بلغت 65 حالة.

ويقول رئيس المركز الوطني للطب الشرعي بالأردن، الدكتور رائد المومني، إن من بينها 45 حالة من الذكور و20 من الإناث. وجرت 35 من حالات الانتحار المسجلة خلال نصف العام الجاري بوسيلة الشنق، و10 حالات سقوط، و7 حالات إطلاق الرصاص، و4 حالات تسمم وتناول العقاقير، و4 حالات حروق، وحالتا اختناق بالغاز، وحالة واحدة لكل من استنشاق مواد كيميائية وتسمم بمبيد حشري وجرعة مخدرات.

ويستخدم المنتحرون كل ما يتاح لهم من وسائل لإنهاء حياتهم. وبطبيعة الحال، فإن عددا أكبر من حالات الانتحار يفشل في بلوغ الغاية، لعدم كفاية الوسيلة.

وتتم بعض حالات الانتحار، في أماكن عامة. وهي إشارة إلى الرغبة في إشهار الموت، ما يعني أنه ليس “قضية شخصية”، أو تعبيرا عن “أزمة فردية”. وهو ما دفع مجلس النواب الأردني إلى إقرار قانون يقضي بفرض عقوبة السجن لمدة 6 أشهر وغرامة مالية تبلغ مئة دينار على الذين يحاولون الانتحار في أماكن عامة ويفشلون في التنفيذ، وهو ما أثار سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي بين الأردنيين تفيد بأن غاية القانون هي إبلاغ المنتحر “إما أن تنتحر صح، أو تذهب إلى السجن”. وقال بعض المنتقدين إن القانون يشجع الأردنيين على الانتحار في أماكن خاصة.

وترجع بعض المصادر الرسمية الأردنية غالبا ظاهرة الانتحار إلى اضطرابات نفسية. إلا أن هذا التفسير لا يصمد طويلا أمام الإحصاءات في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 10 ملايين نسمة، فالاضطرابات النفسية لا تتسم بالثبات والتكرار والتصاعد عاما بعد عام ما لم تكن وراءها دوافع أو محفزات أخرى.

وبحسب المراقبين فإن أحد أهم دوافع الانتحار، يعود إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها ثلاثة أرباع الأردنيين. ويؤدي ارتفاع الأسعار والتضخم وارتفاع فاتورة الوقود إلى توسيع دائرة الفقر. ومع زيادة الأعباء المعيشية وارتفاع معدلات البطالة وتراجع إيرادات الخزينة وارتفاع عجز الموازنة والمديونية العامة للبلاد، فإن الاقتصاد الكلي يبدو في حالة من العجز عن مواجهة الأزمات التي تطوّقه. وأدى تفشي وباء كورونا إلى انكشاف هذا الواقع بما لا يمكن التغطية عليه. وزاد الوضع سوءا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وارتفاع فاتورة مستوردات المواد الغذائية الأساسية.

وعلى الرغم من أن الأردن يحصل على مساعدات مالية ونفطية من دول الجوار العربي، فضلا عن المساعدات من الولايات المتحدة، فإنها لا تكفي لسد العجز.

ويتوقع منتدى الإستراتيجيات الأردني أن يكون ما تبقى من عام 2022 صعبا على الاقتصاد الأردني، حيث سيضطر البنك المركزي الأردني إلى زيادة أسعار الفائدة في حال بقيت أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع في الولايات المتحدة. وقد رفع البنك المركزي الأردني أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مارس 2022 و50 نقطة أساس في مايو2022.

وحذر المنتدى من مدى خطورة التداعيات على واردات الأردن من النفط الخام والغاز الطبيعي في حال استمرت التوقعات باتجاه بقاء أسعار الطاقة مرتفعة كما هي، إضافة إلى خطورة التداعيات على واردات الأردن في حال استمرت أسعار الأغذية مرتفعة.

ويقول رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني النائب محمد السعودي، في تصريحات صحافية، إن معالجة ارتفاع الأسعار يمكن أن تبدأ من “تخفيض ضريبة المبيعات والضرائب الأخرى واستمرار الدعم النقدي المباشر للفئات الفقيرة ومنخفضة الدخل، وتحفيز القطاعات المختلفة للمحافظة على جلب الأيدي العاملة ودعم برامج التشغيل لتوفير فرص عمل ولو مؤقتة”.

وبحسب تقرير أعدته وزارة المالية الأردنية في العام الماضي، فقد كان لتداعيات جائحة كورونا أثر سلبي عميق على الاقتصاد الأردني حيث انخفضت الإيرادات المحلية بحوالي 1.027 مليار دولار مقارنة بما كانت عليه خلال العام 2019.

وارتفعت نسبة البطالة إلى ما يقارب 25 في المئة كما ارتفع معدل الفقر إلى 27 في المئة وفقا لتقديرات البنك الدولي.

وقد بلغ رصيد الدين بحسب وزارة المالية نحو 37.4 مليار دولار أو ما نسبته 85.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، مقابل 33.8 مليار دولار في 2019 أو ما نسبته 75.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويرى مراقبون أن الانطباعات العامة حول أوضاع البلاد، مؤشر لا يؤخذ بالاعتبار لدى تقييم أسباب ظاهرة الانتحار، إلا أنها جزء من الحقيقة التي لا يمكن إغفالها.

وأشار أحدث استطلاع للرأي أطلقه مركز الدراسات الإستراتيجية إلى أن 66 في المئة من الأردنيين يعتقدون أن الأمور تسير في الاتجاه السلبي، وأن ربعهم فقط ،27 في المئة يعتقدون أن الأمور في الأردن تسير في الاتجاه الإيجابي.

وأشار الاستطلاع إلى أن أهم الأسباب التي دعت المواطنين إلى الاعتقاد بأن الأمور تسير في الاتجاه السلبي هي ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدني الرواتب وارتفاع نسب البطالة وتدني مستوى الخدمات العامة والتخبط الحكومي في اتخاذ القرارات. وقال 65 في المئة إن الحكومة “لا تفعل كل ما في وسعها لتقديم الخدمات للمواطنين”. وفي إشارة إلى انعدام الثقة في وسائل الإعلام الرسمية، فقد قال الاستطلاع إن 80 في المئة من الأردنيين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة الأخبار المحلية، فيما يعتمد 36 في المئة منهم على التلفاز، و3 في المئة على المواقع الإخبارية.

وبخلاف الأزمات الاقتصادية، فهناك سبب رئيسي آخر لحالات الانتحار وهو عجز المواطنين عن التنفيس عن متاعبهم واختناقاتهم. وذلك وسط اعتقاد بأن البلاد تعيش في ظل كابوس يجرم كل نقد، ويعتبره تهديدا للنظام، ما يجعل الإضرابات أو الاعتراضات أو الاحتجاجات عملا انتحاريا قائما بذاته.

ويرى مراقبون أن البنية الأسرية للمجتمع الأردني، مثلها مثل كل المجتمعات العربية الأخرى، تشكل نظام وقاية من الانتحار لأنها توفر متنفسا وتضامنا ومساعدات. وهو الشيء الذي عجزت المؤسسات الأردنية العامة عن محاكاته، ما يدفع بالكثيرين إلى مشاعر اليأس، والشعور بالشلل وانعدام الوسائل لاجتياز الأزمات. فيكون الانتحار هو الحل، بشرط أن يكون انتحارا “صحيحا”، وإلا فإنه سوف يصبح مشكلة إضافية.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية