لماذا يعجز بعض البشر عن ممارسة الرحمة؟

لماذا يعجز بعض البشر عن ممارسة الرحمة؟

لماذا يعجز بعض البشر عن ممارسة الرحمة؟


28/04/2025

بعد كل موت لرمز ديني أو حتى شخص مشهور من ديانة ما، تشهد منصات التواصل الاجتماعي صراعاً محتدماً، بين من يُحرّمون الرحمة، ويوزعون أفدنة الجنة، وبين من يرون أنّ الرحمة مشاع إنساني، وأنّ "رحمته وسعت كل شيء".

يغضّ هؤلاء أنظارهم وقلوبهم وأرواحهم عمّا قدّمه ذلك الإنسان للإنسانيّة، وإلى أيّ مدى كانت حياته مثالًا للوجود الخيّر، وإلى أيّ مدى أفادت إنجازاته كل الأديان والمذاهب، فيحكمون عليه بالعذاب المنتظر! كيف يُصادر إنسان تمامًا ويحكم على آخر بالجحيم؛ لأنّه لا يؤمن بمُقدّسه نفسه، حتى لو آمن بالروح الإنسانية؟. لقد وقف النّبي لجنازة يهودي، لم يشمت في موته، بل رأى أنّ للموت قداسة، وللجسد الإنساني وروحه حرمة تستحق أن يقف.

لقد قال المسيح: "أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم"، وجاء في التوراة: "لا تفرح بسقوط عدوّك".

فالديانات نفسها تحوي نصوصًا تقدّس الروح الإنسانية، وتبرز الرحمة على الاختلاف، ولا تسقط الإنسانية من أجل الخلاف العقائدي.

الأمر ليس مقصوراً على دين بعينه، الشماتة لغة كراهية وحقد موجودة عند أتباع الديانات المختلفة، وهي تعكس عجزًا عن ممارسة الرحمة، وتمتدّ من دين إلى دين لتشمل طوائف الدين الواحد، وتمتدّ إلى الليبرالي والعلماني والملحد، إنّها لغة ممتدة وعاجزة مع من يؤمنون ومن لا يؤمنون.

من أين جاءت الكراهية؟

الكراهية والشماتة ليست فعلًا إنسانيًا، فمن أين استمدت هذه المشاعر جذورها؟ إنّ خطابًا توجهه وسائل الإعلام ودور العبادة غير الواعية، يُعدّ رافدًا من روافد الكراهية، وكذا المناهج التربوية التي لا تُعلّم الفرد ثقافة تقبّل الآخر والتسامح، وأنّ عدم جرح العقيدة ضرورة في مجتمعات اليوم.

ويُعدّ القهر الاجتماعي من أهم أسباب هذا السلوك، ذلك أنّ الشعوب المهزومة تريد أن تجد متنفسًا للحرية، حتى لو في سياق غير ذلك، من أجل التنفيس. إنّ المرء المحروم من التعبير عن الشؤون الصغيرة في بلاده، يشعر بشيء من ذلك الوجود المهمش إذا غرّد وقال: يجحم -من الجحيم- ويرحم فلانًا.

تعاظم الذات

كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي التي سمحت لفيالق من الحمقى بالشعور المتعاظم بالذات، منحت الكثير من معدومي الرحمة الإحساس بنشوة الانتصار على واقعهم المهمّش، بالإعلان أمام الآخرين عن رأي تافه ولا وزن له، لكنّه ربما يتصدر المشهد في زمن "التريند".

الرحمة مفهوم إنساني شامل، تمتدّ من قلب الإنسان الرحيم إلى باقي الوجود، بشره وحيواناته ونباتاته، إنّ بعض المتصوفة كانوا يشملون الجمادات برحمتهم، فالرحمة إفاضة من العطف والشفقة والحساسية تجاه كل الوجود، أمّا تلك الرحمة المشروطة بعائلتك وأبناء جنسك وأتباع ديانتك، فهي رحمة أنانية، تشمل فيها ما تعتبره امتدادًا ومحيطًا لك. 

الرحمة الحقيقة تتأتى من قلب عرف الإنسانية وقدّسها، وعرف أنّه في جوهر كل الديانات تكمن الروح الإنسانية كأعظم ما خلق الله، ومن عرف دينه حقاً عرف أنّ الروح الإنسانية مقدّسة، وأنّ من ابتذلها وحقرها ابتذل وجوده ذاته، ولم يغشَ الإيمان قلبه. 

تمنّوا أن تشمل رحمة الله الجميع، وأن يغمر السلام والعدل والمحبة الأرض، كلّ الأرض.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية