لماذا وافقت إسرائيل على هدنة في غزة؟

لماذا وافقت إسرائيل على هدنة في غزة؟

لماذا وافقت إسرائيل على هدنة في غزة؟


12/11/2023

شكّلت الحرب التي تشنّها إسرائيل على فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بيئة لتداول العديد من المصطلحات والمفاهيم من حقول القانون الدولي والإنساني ومفاهيم ومواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة التي تم إنتاجها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعقوبات الجماعية والتهجير القسري، بالإضافة إلى مفاهيم مجاورة كالاحتلال وحق تقرير المصير، وهما مفهومان انتهى طرحهما في قضايا الصراعات الدولية، باستثناء القضية الفلسطينية، إذ ما يزال المفهومان على طاولة المحافل الدولية والإقليمية.

وبعد انطلاق العمليات القتالية بين أطراف الصراع في أيّ منطقة، تُطرح في الأوساط الدولية والإقليمية وجهود الوساطة من قبل أطراف فاعلة في الصراعات مصطلحات تطالب بالإعلان عن "هدنة/ هدنات" إنسانية تسبق مطالبات بوقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب، وتمهد لمفاوضات بين أطراف الصراع، ويبدو أنّ حرب غزة ليست استثناء من هذه القواعد، فقد أصبح مؤكداً موافقة إسرائيل على هدنة إنسانية "تكتيكية" يومية، تمتد لـ (4) ساعات، ستشمل مناطق الصراع في النصف الشمالي من قطاع غزة.

الهدنة المفترض بدء العمل بها قريباً بإعلان أحادي فيما يبدو من قبل إسرائيل، تأتي في سياقات عديدة؛ أبرزها أنّها بطلب أمريكي من إسرائيل، بعد ضغوط دولية لوقف "المجازر" التي ترتكبها إسرائيل ضد المشافي وأماكن اللجوء التي تم الإعلان عنها في غزة، بما فيها المدارس التابعة لـ (الأنروا)، ومقتل العاملين في منظمات الأمم المتحدة ومنظمات دولية إغاثية، وبالتزامن شكلت المطالب بالسماح لقوافل الإغاثة الإنسانية لإغاثة سكان القطاع، بعد إجراءات إسرائيلية بمنع قوافل الإغاثة من الدخول عبر معبر رفح المصري، شكلت ضغطاً على واشنطن وحلفاء إسرائيل بوصفها جرائم ضد الإنسانية، لا سيّما أنّ هدفها التهجير القسري لسكان قطاع غزة باتجاه سيناء المصرية، وهو أحد أبرز الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل من عمليتها الحالية في قطاع غزة.

 

سيكون ضرب قوافل النازحين المدنيين من الشمال إلى الجنوب قائماً بالنسبة إلى إسرائيل، بحجة وجود عناصر من المقاومة ضمن هذه القوافل

 

وبالتزامن، فإنّ تنفيذ مثل هذه "الهدن" المفترض أن تكون يومية، بالإضافة إلى أنّها لا تعني وقف إطلاق النار ووضع نهاية للحرب، وهو ما تؤكد عليه أمريكا وإسرائيل، تأتي بضغوط أمريكية لتحقيق إنجازات بخصوص قضية "الرهائن/ الأسرى" لدى حماس والمقاومة الفلسطينية بعد عملية "طوفان الأقصى"، لا سيّما أنّ تسريبات تشير إلى تحقيق إنجازات بهذا الملف عبر البوابتين القطرية والمصرية، وغير بعيد عن أدوار إيرانية وأخرى تركية، وبما يشمل تبادل الأسرى من الأطفال والنساء والمسنين، وتأجيل تبادل العسكريين من الجانبين إلى مراحل لاحقة، وهو ما تم إنجازه عبر زيارة مدير المخابرات الأمريكية ومدير الموساد الإسرائيلي إلى الدوحة والمنطقة مؤخراً.

وعلى أهمية هذه الأهداف التي تأمل واشنطن وتل أبيب تحقيقها من وراء تنفيذ هدنة متكررة، فإنّ إسرائيل تأمل بتحقيق هدفها الاستراتيجي من تقسيم قطاع غزة إلى شطرين: شمالي وجنوبي، وذلك بترحيل أكبر عدد ممكن من سكان الشمال إلى الجنوب، خاصة أنّ مفهوم الهدنة مقصور على الشمال، كما أنّ قوافل الإغاثة التي تعبر من رفح لا تعبر الخطوط التي رسمتها إسرائيل بالدبابات جنوب مدينة غزة، باتجاه الشمال، وهو ما يشي بأنّ الخطة الإسرائيلية تتضمن فرض حصار خانق على الشمال، وبما يمهد للجيش الإسرائيلي الانقضاض على المقاومة في مناطق الشمال، أو انتظار استسلامهم بعد الحصار المشدد.

ومن زاوية أخرى، وعلى المستويين العسكري والأمني، فإنّ الهدن المتكررة ستتيح لحماس والجيش الإسرائيلي على السواء فرصة إعادة تقييم ما تحقق ودراسة النجاحات ومحاولة البناء عليها، والإخفاقات ومحاولة تلافيها، وبما يشمل الخطط الدفاعية والهجومية وأنواع الأسلحة، في إطار عمليات استخبارات عسكرية تشمل الاستطلاع وجمع المعلومات وتقييم حجم المخاطر والتهديدات، وهو ما ستكشفه تحركات الجانبين بعد تنفيذ الهدن، وطبيعة الأهداف والأسلحة المستخدمة، خاصة بالنسبة إلى إسرائيل.

 

هدف القضاء على حركة حماس تراجع، ويتم طرحه في إطار الاستهلاك الإعلامي وإرسال الرسائل للرأي العام الإسرائيلي، بعد اعترافات قادة عسكريين وأمنيين إسرائيليين بأنّ القضاء على حماس هدف بعيد المنال

 

ومع ذلك، فإنّ تنفيذ هذه الهدن سيكون محفوفاً بمخاطر وعقبات عديدة، لعل أبرزها أنّ احتمالات وقوع خروقات للهدن واردة من قبل الجانبين، وستكون هذه الخروقات موضع اتهامات متبادلة بين الجانبين، لا سيّما بالنسبة إلى إسرائيل، التي تنظر إلى الهدن بما يحقق أهدافها، كما سيكون ضرب قوافل النازحين المدنيين من الشمال إلى الجنوب قائماً بالنسبة إلى إسرائيل، بحجة وجود عناصر من المقاومة ضمن هذه القوافل، رغم ما ستتيحه الهدنة من إمكانية لكوادر حماس والمقاومة من إمكانية الانتقال من أماكن إلى أخرى عبر شبكات الأنفاق، والتي ستشمل تحركات تحت الأرض تكسر تقسيم قطاع غزة إلى شمال وجنوب.

إنّ الهدن المتكررة قد تتيح للجانبين التقاط الأنفاس وإعادة بناء الخطط العسكرية "الهجومية والدفاعية" مجدداً، لكنّ المؤكد أيضاً أنّ إسرائيل لن تتعامل مع هذه الهدن وفق المفاهيم الدولية، وهو ما يعني أنّها ستبقى عرضة لاختراقات واتهامات متبادلة، ولكن سيبقى معيارها الأول ما يمكن أن يتحقق خلالها من إنجازات في ملف تبادل الأسرى، وهو الملف الذي يشكل ضغوطاً على واشنطن وتل أبيب، خاصة أنّ تصريحات إسرائيلية أصبحت تردد أنّ سقف حربها على غزة استعادة الأسرى، فيما يبدو أنّ هدف القضاء على حركة حماس تراجع، ويتم طرحه في إطار الاستهلاك الإعلامي وإرسال الرسائل للرأي العام الإسرائيلي، بعد اعترافات قادة عسكريين وأمنيين إسرائيليين بأنّ القضاء على حماس هدف بعيد المنال.

مواضيع ذات صلة:

"هولوكوست غزة"... فظائع في مجمع الشفاء وإسرائيل تواصل جرائمها

كيف أسقطت حرب غزة ادعاءات المظلومية التاريخية لدى إسرائيل؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية