كيف أسقطت حرب غزة ادعاءات المظلومية التاريخية لدى إسرائيل؟

كيف أسقطت حرب غزة ادعاءات المظلومية التاريخية لدى إسرائيل؟

كيف أسقطت حرب غزة ادعاءات المظلومية التاريخية لدى إسرائيل؟


12/11/2023

أسقطت حرب غزة الأخيرة عن إسرائيل ادعاءات المظلومية وتبرير القتل المتعمد والوحشي للفلسطينيين تحت مزاعم الدفاع عن النفس، فقد جاء الرد العدواني المكثف على قطاع غزة لا يتناسب مع ما قامت به حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ بل إنّه يرتقي إلى حدّ حرب الإبادة والعقاب الجماعي لأهالي القطاع الذين راح منهم حتى اللحظة عشرات الآلاف. 

وخلال حربها الأخيرة على غزة سمحت إسرائيل لنفسها بانتهاك القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة الداعية للسلام، في عمليات استهداف للمدنيين العزل غير المسلحين، واستهدافات طالت المنازل والكنائس والمساجد والمستشفيات التي تضم بين جنباتها الجرحى والنازحين، بحسب دراسة حديثة صادرة عن المرصد التابع للمركز المصري للفكر والدراسات للباحثة ميرنا أسامة. 

ورغم الانتهاك الصارخ للقانون الدولي، تلقت إسرائيل دعماً غير مسبوق من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أعلنت صراحةً أنّها تدعمها قلباً وقالباً وتحذر كل من ينوي المساس بها بأيّ شكل كان، وأعلنت عن استعداد الجيش الأمريكي للتدخل إذا ما حاولت أطراف أخرى تمديد رقعة الصراع، في إشارة إلى إيران، بحسب الدراسة.

تضليل وتزييف

وفق الدراسة، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على تصدير صورة لحظية للصراع في محاولات لحجب الدافع الرئيس وراء عمليات المقاومة الفلسطينية؛ فالرؤية الحقيقية تتعدى إطار معاداة السامية الذي تحاول إسرائيل ترسيخها وتعود إلى اقتلاع شعب كامل من أرضه والاعتداء عليه مدة (75) عاماً. 

هذه الرواية التي تعود إلى عصر الاحتلال البريطاني لفلسطين، التي كانت مأهولة حينها بأغلبية عربية وأقلية يهودية، والذي انتهى بوعد بلفور.

حرب إبادة وعقاب جماعي لأهالي القطاع

وكانت القدس مسرحاً لعدة أعوام من الاضطرابات، وتصعيدات متتالية للعنف من جانب الاحتلال، وكذلك شنّت إسرائيل العديد من الهجمات على الأراضي الفلسطينية وخاصة داخل قطاع غزة، ناقضة بذلك العديد من اتفاقيات السلام التي تم توقيعها بينها وبين الدول العربية. 

وتأتي اتفاقية أوسلو للسلام على رأس هذه الاتفاقيات التي تم توقيعها في 1993 بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، في محاولة للاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال إنشاء حكم ذاتي محدود في بعض مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

دراسة: اعتمدت آلة الحرب الإسرائيلية على "الإسلاموفوبيا" ومعاداة السامية كسلاحين لتوجيه الرأي العام العالمي، لشيطنة المقاومة وتوجيه الأنظار الدولية لهؤلاء "الضحايا" الإسرائيليين الذين يعانون من هجمات حماس العنيفة والمتكررة

 

وعلى الرغم من إعلان انسحاب القوات الإسرائيلية وفق خطة الانسحاب الأحادي الجانب من القطاع في عام 2005 وإخلاء المستوطنات فيه، إلا أنّها فرضت حصاراً مطبقاً عليه، ونفذت عمليات عسكرية متواصلة في القطاع نتج عنها سقوط آلاف الشهداء والجرحى، فضلاً عن استخدامها خلالها الأسلحة المحرمة دولياً مثل الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، إضافة إلى استخدام كمية هائلة من المتفجرات. 

إسقاط المظلومية المدّعاة

تشير الدراسة إلى أنّ إسرائيل قامت بالتلاعب في الأخبار المنشورة على القنوات الإخبارية والتحكم الصارم والدقيق فيما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث يتم تعليق وتقييد أيّ منشور يوجه اتهامات لإسرائيل، بل قامت بحظر أكثر من حساب على هذه المواقع. 

علاوة على ذلك، تم الكشف عن تعرض عدد ليس بقليل من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي لتهديدات قاطعة من قبل جهات إسرائيلية، تأمرهم إمّا بحذف أيّ محتوى يدعم فلسطين ويكشف الحقيقة التي يحاولون إخفاءها خلف "البروباغندا" الدعائية الزائفة بمقابل مادي، وإمّا تحمل العواقب الوخيمة التي قد تطالهم إن استمروا في النشر. 

وبغرض حشد الرأي العام الغربي ضد القطاع المحاصر، قاموا بتجنيد العديد من الصحف والقنوات، إن لم يكن أغلبها، لعرض هذه الأخبار المزيفة ودعم الجيش الإسرائيلي في حالة من التضليل العمدي. 

إسرائيل قامت بالتلاعب في الأخبار المنشورة على القنوات الإخبارية

وبدأت هذه العمليات، بحسب الباحثة، خلال (3) أيام من هجوم حماس، حيث عمد الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ جولة إعلامية في مستوطنة (كفار عزة) لإطلاع الصحفيين على الوضع في هذه المستوطنة الإسرائيلية، وادّعى مسؤولون إسرائيليون العثور على جثة (40) رضيعاً، على الأقل، برؤوس مقطوعة وأجساد محروقة هناك. 

ونقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الشائعة فوراً للرئيس الأمريكي جو بايدن سعياً منه لانتشار الخبر، حيث ادعى الأخير رؤيته لهذا المشهد، وهذا ما نفاه البيت الأبيض والصحف الأمريكية وأحد الصحفيين الذين شاركوا في هذه الحملة والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. 

وكذلك قامت مراسلة لإحدى القنوات الأجنبية في مقطع للأخبار تدّعي فيه شن هجمات جديدة على إسرائيل من قبل حماس، وهو ما لم يحدث بالفعل.

توظيف الإسلاموفوبيا

بناء على الدعاية الإسرائيلية قامت بعض الدول الغربية بمنع التضامن مع فلسطين، ومنها فرنسا التي حظرت المظاهرات الداعمة لفلسطين بدعوى أنّ هذه التجمعات "من المرجح أن تؤدي إلى إخلال بالنظام العام"، معلنة عقوبات تصل إلى السجن من (5 إلى7) أعوام، وفق الباحثة.

إضافة إلى بريطانيا التي جرمت مجرد التلويح بالعلم الفلسطيني، واستهدافها المظاهرات التي تتضامن مع القضية، ليس فقط بشكل جماعي بل أيضاً بشكل فردي، إذ اتخذت هذه الدول قدراً من الإجراءات التأديبية تجاه عدد من المشاهير من الممثلين ولاعبي كرة القدم الذين صرحوا علناً دعمهم للقضية الفلسطينية وإدانتهم للأعمال الإسرائيلية العنيفة داخل القطاع. 

 

استخدمت إسرائيل أكثر من (12) ألف طن من المتفجرات، بما يعادل قوة القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما اليابانية، منها ما هو محرّم دولياً بحكم القانون الدولي

 

ووصل الأمر في بعض الدول إلى إسقاط الجنسية عن حامليها من المشاهير، ومنهم من ادعوا أنّه إرهابي، إضافة إلى الأضرار التي وقعت على بعضهم من قبل الشركات التي يتعاقدون معها، والتي اتجهت مباشرة نحو فسخ هذه العقود معهم.

وعليه، اعتمدت آلة الحرب الإسرائيلية على "الإسلاموفوبيا" ومعاداة السامية كسلاحين لتوجيه الرأي العام العالمي، لشيطنة المقاومة وتوجيه الأنظار الدولية لهؤلاء "الضحايا" الإسرائيليين الذين يعانون من هجمات حماس العنيفة والمتكررة. 

هذا ما أثر، وفق الدراسة، على عدد ليس بقليل من المواطنين حول العالم، ممّا جعلهم يتجهون إلى نشر الذرائع ونسبها للفلسطينيين، وذلك عن طريق مقاطع فيديو، تصحبها نبرة معادية تماماً للفلسطينيين وللإسلام، وعرض أشخاص يتنكّرون بشكل واضح عن طريق استخدام أدوات التجميل "المكياج" للظهور كضحايا القصف أو الحرب. 

بناء على الدعاية الإسرائيلية قامت بعض الدول الغربية بمنع التضامن مع فلسطين

واستخدمت هذه المقاطع كدليل قطعي لإدانة الفلسطينيين، والحث على عدم تشتت العالم بهذه العمليات التمثيلية الواضحة، هذا ما تم إثباته لاحقاً بإعلان بعض القنوات أنّها مقاطع قديمة من السينما واستخدمت حالياً في غير سياقها الحقيقي. 

وهو ما أدى إلى بعض حوادث العنف ضد المسلمين، وفي مقدمتها واقعة قتل طفل فلسطيني أمريكي مسلم عمره (6) أعوام وإصابة أمه في الولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية هجوم ذي صلة بالحرب القائمة بين إسرائيل وحماس من قبل رجل أمريكي عمره (71) عاماً.

سحق قطاع غزة... أين حقوق الفلسطينيين؟ 

بينما يسعى الكيان المحتل وبجانبه الحكومات الغربية لتصدير هذه الصورة المزيفة للعالم، وزرع قناعات وهمية لدى الشعوب الغربية لضمان تحول أنظارهم عن الضحايا الفلسطينيين وقضيتهم، اتخذ الجيش الإسرائيلي من هجوم حماس ذريعة لسحق القطاع والعودة إلى اتخاذ خطوات صريحة نحو تصفية القضية الفلسطينية، وفق الدراسة. 

وفي هذا الصدد، استخدمت إسرائيل أكثر من (12) ألف طن من المتفجرات، بما يعادل قوة القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما اليابانية، منها ما هو محرم دولياً بحكم القانون الدولي، حيث ألحقوا الضرر بما يزيد عن نصف المنازل في القطاع، وقاموا بتدمير نحو (28) ألف منها بشكل كامل بحيث لا تصلح للسكن فيما بعد. 

كذلك استهدفوا المنشآت الدينية والطبية في حالة من التدابير الغاشمة التي تجسد اللّاإنسانية في أسوأ صورها، وقد خرج العديد من المستشفيات من الخدمة بسبب نقص المستلزمات الطبية والتعنت في دخول المساعدات ونفاد الوقود، ممّا اضطر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) إلى إعلان توقف عملياتها في المنطقة. 

أسفر الصراع حتى الآن عن أكثر من مليون و(400) ألف نازح

وأسفر الصراع حتى الآن عن أكثر من مليون و(400) ألف نازح، من بينهم أكثر من نصف مليون امرأة، بالإضافة إلى استشهاد وإصابة الآلاف بشكل غير إنساني ومعظمهم من النساء والأطفال، جراء عمليات القصف بالقذائف الفتاكة، فضلاً عن قطع المياه والطعام والكهرباء والطاقة كليّاً عن غزة. 

ولم يقتصر ردّ الفعل الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة فقط، وإنّما امتد إلى الضفة الغربية، حيث قامت آليات عسكرية بتنفيذ عمليات اقتحام في نابلس، واعتقال عدد من الفلسطينيين الذي عبّروا عن رفضهم للممارسات الإسرائيلية سواء عن طريق التظاهر أو حتى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وتم بالفعل القبض على قرابة (70) شخصاً، وكذلك استهداف مناطق في جنوب لبنان، ومطاري حلب ودمشق في سوريا.

مواضيع ذات صلة:

سياسيون لـ"حفريات": إسرائيل تشن حرباً على غزة وعلى فلسطينيي 48

العقيدة الإسرائيلية في غزة.. الانتقام والتدمير أولاً




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية