ترجمة: محمد الدخاخني
أيّها الأحبّاء الأعزّاء، نجتمع هنا اليوم لنتذكّر «ميتافيرس»، الذي دُفن بهدوء قبل أسابيع قليلة على يد والده بالتّبنّي، المحزون مارك زوكربيرغ. سيتذكّر أولئك الذين لديهم ذاكرة قويّة كيف أعلن زوك (كما هو معروف بين أصدقائه)، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021، بحماسة عن وصول ابنه بالتّبنّي، الذي أطلق عليه مُمَازِحاً لقب «المستقبل».
وقد كان زوك مسروراً جدّاً لدرجة أنّه أعاد تسمية منزل عائلته إعجاباً بالمُتبنّى. ومن الآن فصاعداً، ما كان يُطلق عليه «فيسبوك» سيعرف باسم «ميتا». وفي عرض تقديمي في المؤتمر السّنويّ للشّركة، أعلن زوكربيرغ تغيير الاسم، وشرح بالتّفصيل كيف سينمو طفله ليصبح نسخةً جديدةً من الفضاء الإلكترونيّ. وقال لجمهور مذهول من المُبرمجين السّذّج ومحلّلي «وول ستريت» الكلبيّين إنّ «ميتافيرس» «سيكون خليفة إنترنت الهاتف المحمول». وأضاف: «سنكون قادرين على الشّعور بأنّنا حاضرون - كما لو أنّنا موجودون هناك مع هؤلاء الأشخاص، بغضّ النّظر عن مدى تباعدنا عنهم في الواقع». ولن تُدّخر أيّ تكلفة لضمان أن يُحقّق طفله المصير المُبتغى منه.
10,000 مهندس في أوروبا
في هذا الشّأن الأخير، على الأقلّ، كان زوك على قدر كلمته. شرع في توظيف 10,000 مهندس في أوروبا وحدها، وأنفق أكواماً لا حصر لها من الأموال لضمان أن تصبح هذه الرؤية حقيقة واقعة. حتّى نهاية تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، امتصّ المشروع 36 مليار دولار، على الرغم من قلّة ما قدّمه، باستثناء مقطع فيديو باهظ الثّمن تحدّث فيه زوك (الذي دائماً ما يبدو مثل صور واقعه الافتراضيّ) عن كيف سيكون الأمر جيّداً - «الخبرات التي ستحصلون عليها، وما سيبنيه الاقتصاد الإبداعيّ، والتّكنولوجيا التي يجب اختراعها». لاحظ العبارة الأخيرة: ما ظهر بالفعل كان عبارة عن منصّة للواقع الافتراضيّ تسمّى «هوريزون وورلدز»، ويمكن الوصول إليها فقط عبر سمّاعات رأس «ناف» و«أوكولوس» الثّقيلة (تخيّل نسخةً غير مريحة من «زووم») وأرض قاحلة افتراضيّة تسكنها صور رمزيّة ومناظر طبيعيّة تفتقر إلى البنية، وخالية من الملامح، ومن دون أرجل، وعلى حدّ تعبير «فوربس»، «تبدو وكأنّها مستويات سيّئة من لعبة «روبلوكس»».
للأسف، تبيّن أنّ طفل زوك المُتبنّى والواعد ضعيف ومريض. وهكذا، في 18 آذار (مارس) أو نحو ذلك، أماته بهدوء. لأنّه اكتشف للتّوّ أنّ مرشّحاً جديداً لدور «المستقبل» قد وصل فجأة، وانزعج من إدراك أنّه بينما كان يُرضِع الطّفل الواهن، لم يلحظ الوافد الجديد على المربّع السّكنيّ. اسمه «أي آي». وهكذا، صارت «ميتا» متخلّفة في سباق الوصول إلى هذا «المستقبل» الجديد.
أضاع 36 مليار دولار
في ظلّ هذه الظّروف، تعتقد أنّه على شخص أضاع للتّوّ 36 مليار دولار من أموال شركته في السّعي وراء هوس شخصيّ أن يكون اعتذاريّاً قليلاً، أليس كذلك؟ لا شيء من ذلك. لماذا؟ لأنّه يمتلك سيطرة مطلقة على الشّركة. إذا كنت تعتقد أنّني أبالغ، إليك القسم ذي الصّلة في ملف «هيئة الأوراق الماليّة والبورصّات الأمريكيّة» السّنويّ للشّركة:
«مارك زوكربيرغ، مؤسّسنا، ورئيس مجلس إدارتنا، ومديرنا التّنفيذيّ، قادر على ممارسة حقوق التّصويت فيما يتعلّق بأغلبيّة قوّة التّصويت لأسهمنا الرّأسماليّة القائمة، وبالتّالي لديه القدرة على التّحكّم في نتائج جميع الأمور المقدّمة إلى مساهمينا للموافقة عليها، بما في ذلك انتخاب أعضاء مجلس الإدارة وأيّ دمج، أو توحيد، أو بيع لجميع أصولنا أو جوهرها. ويمكن لهذا التّحكّم المركّز أن يؤخّر، أو يؤجّل، أو يمنع تغيير السّيطرة، أو الاندماج، أو التّوحيد، أو بيع كلّ أو جوهر أصولنا التي يدعمها مساهمونا الآخرون، أو على العكس من ذلك، يمكن أن تؤدّي هذه السّيطرة المركّزة إلى إتمام مثل هذه المعاملات التي لا يدعمها المساهمون الآخرون... بالإضافة إلى ذلك، يتمتّع السّيّد زوكربيرغ بالقدرة على التّحكّم في الإدارة والاستثمارات الاستراتيجيّة الرّئيسة لشركتنا، نتيجةً لمنصبه باعتباره الرّئيس التّنفيذيّ، والقدرة على التّحكّم في انتخاب أو، في بعض الحالات، استبدال مدرائنا».
شرع مارك زوكربيرغ في توظيف 10,000 مهندس في أوروبا وحدها، وأنفق أكواماً لا حصر لها من الأموال لضمان أن تصبح رؤيته حول الميتافيرس حقيقة واقعة
التّرجمة: يمكنه أن يفعل ما يحلو له - بما في ذلك بيع الشركة، بغضّ النظّر عن رأي مجلس إدارتها - ولا يمكن لأحد أن يمنعه. من الواضح أنّ بعض المساهمين على الأقلّ أصبحوا قلقين بشأن سعي زوكربيرغ وراء فانتازيا واقع افتراضي بلهاء، ولكن خُفّف هذا القلق من خلال حقيقة أنّ أجزاء أخرى من الشّركة - «فيسبوك» المملّ وقديم الطّراز، على سبيل المثال، أو «إنستغرام» (بمجرّد تجاوزه تجربة الاقتراب من الموت المسمّاة «تيك توك») - استمرّت في جني أرباح جيّدة.
زوكربيرغ هو "المواطن كين"
لكن ماذا لو قرّر الآن المراهنة على «نماذج اللغة الكبيرة» والذكاء الاصطناعي؟ وهل يحدث ذلك في وقت بدأت فيه خطوط الأعمال القديمة المربحة بالتراخي؟ لنفترض هدم المرشد الأعلى، الذي لا يمكن إيقافه، للصّرح بأكمله في المرّة القادمة؟ في هذه الحالة، سيدرك العالم، أخيراً، أنّ زوكربيرغ هو «المواطن كين» المعاصر، وليس روبرت مردوخ. فكّر فقط: يمكن لقصّة زوكربيرغ أن تملأ فجوةً في السّوق: ففي النّهاية، سينتهي مسلسل «ساكسيشن» (الخلافة) قريباً. ونحتاج فقط إلى أورسون ويلز جديد للعب الدّور الرّئيس.
مصدر الترجمة عن الإنجليزية: