لماذا تدعم إيران حكومة الوفاق في ليبيا؟

لماذا تدعم إيران حكومة الوفاق في ليبيا؟


11/10/2020

ألقت تركيا بثقلها السياسي والعسكري خلف حكومة الوفاق في طرابلس، استجابة لجملة من الاعتبارات الاستراتيجية، يمكن قراءتها وتحليل معطياتها في سياق المشروع التركي ومنطلقاته بمنطقة شرق المتوسط، وهو ما يمكن تفهمه في إطار أجندة أنقرة التوسعية، وتحركها على هامش الأدوار الوظيفية التي تنتهجها باستمرار.

أكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، أنّ الأسلحة الإيرانية جرى تأمين وصولها إلى ميليشيات الوفاق في مصراتة

وطرح الموقف الإيراني الذي جاء متسقاً مع نظيره التركي، فيما يتعلق بدعم حكومة الوفاق، مجموعة من التساؤلات، في ظل التنافس الجاري بين الطرفين في عدة مناطق ساخنة حول العالم، بالإضافة إلى عدم وجود قاعدة شيعية يمكن لطهران البناء عليها في ليبيا مستقبلاً، بالإضافة إلى انتماء المليشيات التركية/الوفاقية، في مجملها، إلى الجماعات الجهادية السنّية.

التوقعات الإيرانية المحتملة بعد التسوية

في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي، مولود تشاووش أوغلو، أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في 15 حزيران )يونيو) الماضي، دعم بلاده لحكومة السرّاج، مؤكداً قدرتها على حسم الصراع لصالحها، وفي السياق نفسه، أكّد مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية، العميد حسين دهقان، في لقاء على قناة الجزيرة، دعم بلاده الصريح لما أسماه الحكومة الشرعية في طرابلس، نافياً وجود أيّ دعم إيراني للمشير خليفة حفتر.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو

ربما انطلق الموقف الإيراني من ضرورة استراتيجية، تدفع نحو التسلل إلى جنوب المتوسط، باستغلال أزماته، وملء مساحة ولو محدودة من الفراغ السياسي الموجود، بحثاً عن دور في مرحلة ما بعد التسوية، يضمن لها نصيباً من مصادر الطاقة، وتدعم من خلاله جيوبها الموالية في منطقة الساحل والصحراء، وربما أرادت أيضاً إزعاج القاهرة والرياض وأبوظبي، من خلال تأييد المشروع التركي في ليبيا.

اقرأ أيضاً: أذربيجان بين عمائم إيران ومكر أردوغان

في حديثه لــ "حفريات" يطرح السياسي البرقاوي، محمود الكزة، عدة فرضيات لتفسير الموقف الإيراني، مؤكداً أنّه ليس مستغرباً بعد العقوبات التي أنهكت اقتصاد إيران، اتجاهها صوب الارتزاق، لا سيما وأنّها تستهدف زعزعة استقرار وازعاج عدة دول عربية، خاصة مثل مصر والسعودية، لخلق أزمات تتسلل من خلالها.

 

لعل طهران تنظر بنوع من الرضا، إلى قيام تركيا بنقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا، كوسيلة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية

 

ويؤكد الكزة أنّ طهران دعّمت بالفعل حكومة الوفاق بالأسلحة والذخائر، وتدخلت في الحرب الدائرة بشكل صريح، على الرغم من زعمها المتواصل أنّها بمعزل عن أيّ صراع عربي، لكن ما يدعو للقلق، في رأيه، أنّ الدور الإيراني لن ينتهي في ليبيا، حتى بعد التوصل للتسوية، فإيران موجودة استخباراتياً منذ بداية الثورات العربية، حيث تسعي إلى إحلال مذهبيات أخرى في دول المغرب العربي.

اقرأ أيضاً: إيران إذ تهرب من العقوبات الأمريكية فتقع رهينة التنين الصيني

وبحسب الكزة، فإنّ إيران ترى أنّ الجيش والبرلمان الليبي أصبحا بمثابة أعداء لها، بعد تأييد المبادرة المصرية ودعمهما لها، وأنّها لن تتوقف عن تدخلها المستمر في الشأن الداخلي العربي، امتداداً لأدوارها المشبوهة في اليمن وسوريا والعراق وغيرها، وفي رأيه؛ "فإنّ كل هذا العبث، يفرض على مصر والسعودية، مزيداً من تكثيف الجهود لإنهاء الدور الإيراني، وإحلال السلام في الدول ذات الصراع" .

إيران تستهدف بيع السلاح

في سياق طموحاتها الأيديولوجية، تتطلع طهران إلى تحقيق مجموعة من المكاسب الاقتصادية، من خلال فتح سوق جديدة للسلاح، بتوريد صفقات إلى المليشيات المدعومة من أنقرة، وهو ما كشف عنه بابك تقوائي، الخبير الإيراني بمجال الدفاع، لمحطة "إيران إنترناشونال"، التي تبث من بريطانيا، والذي قال إنّ "سفينة شحن إيرانية تسمى "جلبن"، نقلت أسلحة من السودان إلى ليبيا وتحديداً ميناء مصراتة" خريف العام 2018.

 

وربما يتفق ذلك مع حادثة السفينة الإيرانية "شهر كورد"، حيث تحركت السفينة الإيرانية الراسية في ميناء اللاذقية السوري، منطقة تمركز وحدات الحرس الثوري الإيراني، في 23 نيسان )إبريل) العام 2019، قبل أن يتم رصدها قبالة ميناء مصراتة الليبي، حيث أفرغت نحو (144) حاوية، وكشفت تسريبات عن طبيعة الحمولة التي تضمنت أسلحة وذخائر وصواريخ قصيرة المدى، وأكد المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، أنّ الأسلحة الإيرانية جرى تأمين وصولها إلى ميليشيات الوفاق في مصراتة بمساعدة تركية، وطالبت الولايات المتحدة باحتجاز السفينة الموجودة سابقاً على قائمة العقوبات الأمريكية، وتحت الضغط أصدر النائب العام في طرابلس أمراً باحتجازها في الميناء. كما أرسلت طهران عدداً من مستشاريها العسكريين إلى طرابلس، حيث معسكرات تدريب المليشيا على استخدام الصواريخ الإيرانية.

لا ينفصل ما يحدث في ملف الصراع الليبي عن جملة التحركات السياسية التي تؤشر لظهور ما يعرف بالمحور الإيراني القطري التركي

ولعل طهران تنظر بنوع من الرضا، إلى قيام تركيا بنقل المرتزقة من سوريا إلى ليبيا، كوسيلة لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وفي ظل مساعي الطرفين نحو تحقيق نوع من التوافق، في مرحلة اقتسام الغنائم، قررت طهران دعم حكومة الوفاق، كبادرة تعكس حسن النوايا، مقابل إبداء أنقرة نوعاً من المرونة فيما يتعلق بالملف السوري، وهو ما يرتبط بتخوفات تركية من استعداء طهران بشكل فج، ومن ثم الدخول في حرب استنزاف على جبهات القتال المختلفة، ومن هنا جاء التوافق الإيراني/التركي في ليبيا، كامتداد لتفاهمات سابقة في الملفين العراقي والسوري.

وتبقى الساحة الليبية مسرحاً يتحرك عليه الفرقاء الإقليميون، في ظل حالة الفراغ السياسي، ما يهدد مستقبل ليبيا كوحدة سياسية، وينذر بصعود أيديولوجيات مذهبية، تدعمها قوى خارجية، تسعى نحو تكريس هيمنتها، في سبيل النفط والغاز، باستخدام كيانات إسلاموية، قامت بتفتيت الدولة الوطنية، قبل الإجهاز على مواردها ومقدراتها.

اقرأ أيضاً: عقوبات أمريكية جديدة على إيران تستهدف هذا القطاع

وفي نبرة يائسة، يؤكد السياسي الليبي، عبد السلام عمران العرفي، لـ "حفريات" أنّ "كل العالم تدخل في ليبيا وليس إيران وحدها، ما شارك في خرابها، وأنّ بلاده لن تعود كما كانت دولة واحدة موحدة، وأنّ تلك التدخلات باتت فوق طاقة بعض القوى الإقليمة التي تسعى نحو إنقاذ ليبيا، وعلى رأسها مصر"، وعليه لا يستغرب، العرفي، ما تقوم به إيران في ليبيا، في ظل حالة الانتهازية السياسية المسيطرة، والصراع الداخلي المحتدم.

اقرأ أيضاً: خامنئي وروحاني والواقع الإيراني

تبقى ضرورة الانتباه إلى الدور الإيراني المتصاعد في كل مناطق الصراع، على امتداد الجغرافيا العربية، وإدراك التحول في طبيعة العلاقات بين طهران وأنقرة، من التنافس إلى التنسيق، فالانخراط العنيف في دوائر النزاع، يبدو أنّه أفضى إلى الدخول في مرحلة توزيع المكاسب، قبل الجلوس إلى طاولة التسوية النهائية، ولا ينفصل ما يحدث في ملف الصراع الليبي عن جملة التحركات السياسية التي تؤشر لظهور ما يعرف بالمحور الإيراني القطري التركي، الرامي إلى إعادة ترتيب الأدوار على هامش الأيديولوجيات المتباينة، على أشلاء الأمن القومي العربي، الذي اختارت قطر مواصلة تقويضة، بدعم التوسعات الإيرانية/التركية، ما جعل استمرار الصراع في ليبيا ضرورة استراتيجية، تزداد معها محفزات التوافق بين الطرفين.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية