لجنة للذكريات والحقيقة لمراجعة تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر

لجنة للذكريات والحقيقة لمراجعة تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر


28/01/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

ستشكّل فرنسا لجنة "للذكريات والحقيقة" لمراجعة تاريخ البلاد الاستعماريَ في الجزائر، بعد توصيةٍ رئيسةٍ، في تقريرٍ جديدٍ طالَ انتظاره، بتكليفٍ من الرّئيس إيمانويل ماكرون، والذي صدر الأربعاء.

وقدّم التقريرُ أيضاً سلسلةً من المقترحات الأخرى لمعالجة المظالم القائمة منذ فترةٍ طويلة، لكنّه استبعد إصدار اعتذارٍ رسميّ عن الماضي، وتجنّبَت الاقتراحات مسألة التّعذيب المُمَنهج على يد القوّات الفرنسيّة، وهو ما كان ماكرون قد اعترفَ به بالفعل.

وقال التّقرير إنّ الغرضَ منه هو تحقيق "مصالحة ذكرياتٍ بين فرنسا والجزائر"، وهما دولتان لا يفصل بينهما البحر الأبيض المتوسّط فقط، ​​لكن أيضاً العداء العميق النّاجم عن أعوامٍ من الاستعمار وحرب الاستقلال، الّتي خلّفت مئات الآلاف من القتلى.

عداء عميق ناجم عن أعوامٍ من الاستعمار

وفي بيانٍ صدرَ في وقتٍ متأخّرٍ، الأربعاء، قال مكتب ماكرون إنّ الرّئيس سيشكّل لجنةً للذّكريات والحقيقة على النّحو الموصى به، إضافة إلى ذلك؛ قال البيان إنّ ثلاثة احتفالات ستنظّمها الحكومة الفرنسيّة، في عامي 2021 و2022، للإعراب عن التّقدير للجزائريّين الّذين قاتلوا على طرفي نقيضٍ من الحرب، والاتّفاق الّذي أدّى إلى استقلال الجزائر عام 1962.

الرئيس الفرنسي ماكرون: إنّنا دولة ذات ماضٍ استعماريٍّ، وصدمات لم تُحلّ بعد، مع حقائق تشكّل جزءاً أساسيّاً من نفسيتنا الجماعيّة

وكتبَ التّقريرَ المؤرّخُ الفرنسيُّ، بنجامين ستورا، الذي سيترأّس اللجنة الآن، وقال ستورا إنّ التّقرير ركّز على سلسلةٍ من الإجراءات الملموسة "لرفع الغطاء" عن مجموعةٍ من القضايا الّتي خلّفها ماضي فرنسا الاستعماريّ والحرب الجزائريّة.

وأضاف: "إذا رفعتَ كلّ هذه الأغطية، الواحد تلو الآخر، سينتهي بك الأمر إلى نظرةٍ عامّةٍ حقيقيّةٍ لتاريخ الاستعمار".

ودعا ماكرون، في خطابٍ إلى ستورا، في تمّوز (يوليو)، إلى "عملٍ ينتهج الحقيقة والمسؤوليّة والوضوح" بشأن "جروح ماضينا".

الاستعمار والحرب

وقال الرّئيس في الخطاب؛ "موضوع الاستعمار والحرب الجزائريّة أعاقا، لفترةٍ طويلةٍ، بناء مصيرٍ مشتركٍ على البحر المتوسّط لبلدينا".

وبتكليفه بإعداد هذا التّقرير، غامر ماكرون بالدّخول في منطقةٍ حسّاسةٍ كان الرّؤساء السّتّة الآخرون يتردّدون في الذّهاب إليها.

الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

يُعدّ الماضي الاستعماريّ الفرنسيّ في الجزائر صدمةً تستمرّ في تشكيل فرنسا الحديثة، وذلك عبر نوستالجيا يمينيّة من ناحية، واستياء بين أكبر عددٍ من السّكان المسلمين في دولةٍ أوروبيّة من ناحية أخرى، ويمتلك الملايين من سكّان فرنسا، الّذين تربطهم علاقات متفاوتة بالجزائر، ذكريات متبارية عن التّاريخ الاستعماريّ والحرب، ممّا يجعل التّوضيح الرّسميّ محفوفاً بالمخاطر السّياسيّة.

اقرأ أيضاً: الجزائر: الصيد المحظور والسوق السوداء وسبائك الذهب

وقد أثبت التّصالح مع ظلال الماضي أنّه مهمّة طويلة وشاقّة بالنّسبة إلى فرنسا، كما كان الحال بالنّسبة إلى العديد من الدّول. وكان الأمر قد استغرق نصف قرنٍ حتّى تعترف فرنسا علناً بمسؤوليّتها عن ترحيل عشرات الآلاف من اليهود إلى معسكرات الموت النّازيّة أثناء الاحتلال الألمانيّ في الحرب العالمية الثّانية.

كما تمّ دفن حقيقة الحرب الجزائريّة لعقود، فبعد ستّين عاماً من انتهاء حرب 1954-1962، وإسدال السّتار على 132 عاماً من الاستعمار الفرنسيّ للجزائر، أثارت قضيّة الماضي الاستعماريّ الفرنسيّ نقاشات حول اندماج المسلمين الفرنسيّين، وكثيرٌ منهم من أصلٍ جزائريّ.

مواجهة الماضي الاستعماريّ الفرنسيّ

ربما لم يذهب أيّ رئيسٍ فرنسيٍّ إلى ما هو أبعد ممّا ذهب إليه ماكرون في مواجهة الماضي الاستعماريّ الفرنسيّ في الجزائر، والّذي وصفه بأنّه "جريمة ضدّ الإنسانيّة"، عام 2017، واعترف ماكرون رسميّاً، في أيلول (سبتمبر) 2018، وللمرّةٍ الأولى، باستخدام التّعذيب على نطاقٍ واسعٍ من جانب القوّات الفرنسيّة، لكن لم يعتذر، هو أو الرّؤساء السّابقون، عن الماضي الاستعماريّ لفرنسا في هذه الدّولة الأفريقيّة.

وقال ماكرون، في خطابٍ ألقاه في تشرين الأوّل (أكتوبر): "إنّنا دولة ذات ماضٍ استعماريٍّ، وصدمات لم تُحلّ بعد، مع حقائق تشكّل جزءاً أساسيّاً من نفسيتنا الجماعيّة"، وأضاف: "الحرب الجزائريّة جزءٌ من هذا".

واقترح ستورا، المؤرّخ، سلسلةً من حوالي 30 إجراء، بما في ذلك تحويل معسكرات اعتقال الجزائريّين في فرنسا إلى مواقع تذكاريّة وإصلاح المناهج الدّراسيّة الفرنسيّة لتحسين طريقة تدريس تاريخ فرنسا في الجزائر.

تُغذّي الحربُ الجزائريّةُ المشاعرَ المريرةَ بين ما لا يقلّ عن خمسة ملايين من سكّان فرنسا، تربطهم صلات بالجزائر، بما في ذلك السّكان الفرنسيّون

وتؤكّد عشرات التّوصيات الحاجة إلى زيادة التّعاون بين البلدين في الدّراسات التّاريخيّة.

بيد أنّ التّقرير ينصح أيضاً بعدم الاعتذار رسميّاً عن الماضي، بحجّة أنّ الإجراءات الملموسة أكثر فعاليّة في تعزيز المصالحة، وقال مكتب ماكرون، الأربعاء، إنّه لن يكون ثمّة "توبة ولا اعتذارات" عن احتلال فرنسا للجزائر، ولا تكاد أيّة مقترحات تتعلّق بالتّعذيب الممنهج الّذي كان ماكرون قد اعترف به.

أين تكمن المشكلة؟

من جانبها، تشير رافاييل برانش، وهي مؤرّخة متخصّصة في الحرب الجزائريّة، إلى هذا الاعتراف، مضيفةً أنّها "لم تسمع قطّ مسؤولاً جزائريّاً يُحاجج من أجل مزيدٍ من الاعتراف بالقضيّة".

ولم تُشِر فرنسا رسميّاً إلى القتال الذي أدّى إلى استقلال الجزائر على أنّه حرب فعليّة، حتّى عام 1999، ونادراً ما تجاوزت المبادرات الحكوميّة لبناء ذكرى هذه الفترة الصّادمة الخطابَ الرّسميّ منذ ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: الجيش الجزائري يدمر 5 مخابئ للإرهابيين ويعثر على أموال فدية... ما القصة؟

وقال ستورا: "تكمن المشكلة في أنّنا أضعنا الكثير من الوقت حتّى نصل إلى تاريخٍ فرنسيٍّ جزائريٍّ يُدرك فقط ما حدث".

وفي بعض الأحيان، قوبلت معالجة ماكرون للقضيّة بمقاومةٍ في فرنسا، بما في ذلك من رئيس وزرائه، جان كاستيكس، الذي انتقد أولئك "الذين يندمون على الاستعمار"، وحاجج كاستيكس بأنّ مثل هذه المشاعر يمكن أن تُستخدم مبرّراً للإسلامويّة الرّاديكاليّة.

اقرأ أيضاً: الدستور الجزائري يدخل حيز التنفيذ... ما الفرق بين رئيس الحكومة والوزير الأول؟

كما تناقضت دعوة ماكرون لفتح كافّة الأرشيفات التي تتعاطى مع الأشخاص الذين اختفوا خلال الحرب، مع التّشديد الأخير لقواعد الإدارة الفرنسيّة بشأن الوثائق التي تُعدّ سرّيّة، بما في ذلك العديد من الوثائق المتعلّقة بالجزائر.

ودعا ستورا، في تقريره، إلى إلغاء هذه القيود، قائلاً إنّ الوصول إلى الأرشيفات ضروريّ لإلقاء الضّوء على الماضي.

المشاعر المريرة

وتُغذّي الحربُ الجزائريّةُ المشاعرَ المريرةَ بين ما لا يقلّ عن خمسة ملايين من سكّان فرنسا، تربطهم صلات بالجزائر، بما في ذلك السّكان الفرنسيّون للجزائر المستعمَرة، الّذين أجبروا على النّفي، وقدامى المحاربين وعائلات المهاجرين.

هذا، وتمّ استيراد الصّراعات الأيديولوجيّة التي صبغت الحرب، مثل النّموذج الفرنسيّ الكونيّ في الجزائر، الذي مزج بين مبادئ مثل العلمانيّة والقوميّة، إلى الأراضي الفرنسيّة، وما تزال تقود سياسات الهويّة اليوم.

وكان حزب التّجمّع الوطنيّ اليمينيّ المتطرّف متجذّراً في البداية في المعارضة الشّعبية في فرنسا لمغادرة الجزائر.

وتأخذ المشاعر شكلاً حادّاً بشكلٍ خاصٍّ بين العديد من الشّباب الفرنسيّ من أصلٍ جزائريٍّ، الذي استنكر ما يرى أنّه تأبيد للهيراركيّة العرقيّة في فرنسا، التي يعود تاريخها إلى الحقبة الاستعماريّة، والتّشكيك المتواصل في هويّتهم.

"لقد ورثنا تاريخاً لم تتمّ تسويته، حدثَ قبلنا ونعاني عواقبه"، تقول فايزة غوين، الكاتبة الفرنسيّة من أصلٍ جزائريٍّ، والّتي نشرت مؤخّراً "تحفّظ"، وهي رواية عن الانتقال الصّامت للصّدمة الاستعماريّة داخل عائلات المهاجرين الجزائريّين.

وتضيف غوين أنّ كسر هذا الصّمت هو ما يُقلِق كثيرين من النّاس؛ "إنّه الخوف من إيقاظ البركان".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كونستان ميو، "نيويورك تايمز"، 20 كانون الثّاني (يناير) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية