لبنان: هل يؤخّر التمثيل المسيحيّ الإعلان عن حكومة الحريري؟

لبنان: هل يؤخّر التمثيل المسيحيّ الإعلان عن حكومة الحريري؟


31/10/2020

أثارت تصريحات البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في عظة الأحد الماضي نقاشات كثيرة، حين ذكّر الراعي الحريري بألّا يضع المسيحيين خلف ظهره، وألّا يقع في المحاصصة والطائفية والاتفاقيات الثنائية في اختيار تشكيلة حكومته.

ورافق الغموض تصريح الراعي هذا؛ فمن الملزِم، وفق "الميثاقية"، أن يكون نصف مجلس الوزراء اللبناني من المسيحيين، ما جعل بعض المراقبين يربطون موقف الراعي بتدخّل من التيار الوطني الحرّ، أو القوات اللبنانيّة، لضمان تمثيلهم في الحكومة، بعد عدم تسميتهما للحريري في الاستشارات النيابية الملزمة.

 

الرئيس ميشيل عون يتمسّك بحقيبة الطاقة، وبتمثيل الدروز من جبهة طلال أرسلان في الحكومة، بحقيبة وزارية، مقابل وزير محسوب على وليد جنبلاط، يتولّى حقيبتَين

 

وجاءت توصية الراعي الحذرة، فيما خصّ تسمية الوزراء المسيحيين الموارنة في تشكيلة الحكومة، بعد عدم تسمية الحزبَين المسيحيَّين الكبيرَين؛ التيار الوطنيّ الحرّ، والقوات اللبنانية، للحريري رئيساً للوزراء.

البطريرك الماروني بشارة الراعي

وكان الحريري حصل على تسمية 22 نائباً من النواب المسيحيين، وهم يشكّلون 40% من الحصّة المسيحيّة في البرلمان، ووفق الميثاقية تكون الحكومة مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، ويبقى الخلاف حول كيفية تسمية الوزراء المسيحيين.

"البلد لا يمشي من دون المسيحيين"

الراعي قال للحريري: "لا تضع وراء ظهرك المسيحيين، تذكّر ما كان يردّد المغفور له، والدك: "البلد لا يمشي من دون المسيحيين"، وحذّره من الاتفاقيات الثنائية السرّية والوعود، "فإنّها تحمل في طيّاتها بذور خلافات ونزاعات على حساب نجاح الحكومة".

إقرأ أيضاً: بأمر من حزب الله .. التغيير مرفوض في لبنان

وأشار تقرير نشرته جريدة "اللواء" إلى وجود معلومات عن طلب من رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، من البطريرك، للتدخّل لدى الحريري، كي يتّفق مع باسيل في اختيار الوزراء المسيحيين، ويذهب رأي آخر إلى أنّ خطاب البطريرك للحريري جاء بطلب من حزب القوات اللبنانية، الذي شعر بأنّه خارج التمثيل في الحكومة، لكن لم تصدر تصريحات عن القوات اللبنانية تشير إلى سعيهم للاشتراك في الحكومة، بسبب موقفهم الواضح المطالب بضرورة تشكيل حكومة اختصاصيين، ونزع سلاح حزب الله، والحياد.

 وكان حزب القوات اللبنانية قد أكّد، في أكثر من مناسبة، على عدم مشاركته في أيّة حكومة لا تتشكّل من اختصاصيين مستقلين، وهو الشرط الذي تفتقده حكومة الحريري، الذي أعلن ترشّحه، وجرت تسميته وفق اتفاق على تشكيل حكومة اختصاصيين، ترشّحهم الأحزاب المشاركة في التأليف.

علاقة وطيدة تجمع الحريري والبطريرك الراعي

وحول عظة البطريرك، يقول منسّق قطاع الشباب، في تيار المستقبل - طرابلس، علاء أرناؤوط: "الرئيس الحريري تلقّف رسالة الراعي بجدّية وأهمية، واعتبرها رسالة دعم؛ لأنّ العلاقة الحريرية بالمسيحيين تقوم على الوطنية، ومنهج رفيق الحريري، والذي سار عليه الرئيس سعد، يقوم على الاتفاق مع جميع طوائف لبنان، خصوصاً المسلمين والمسيحيين، ويؤمن الحريري بالمناصفة؛ لأنّها السبيل الوحيد لتجنيب لبنان صراعات طائفية".

ويردف أرناؤوط، لـ "حفريات": "خطاب البطريرك لا يتلاقى مع مواقف الثنائي المسيحي (التيار، والقوات)، فكلاهما يتصارعان حول الزعامة المسيحية، ولديهما خلافات كبيرة، ولم تسمِّ القوات الحريري، بسبب طموح سمير جعجع الرئاسي، الذي يربط تسمية الحريري بموافقة الأخير على تسميته رئيساً للبنان، في العهد القادم".

 

التمثّيل المسيحي

وتوقّعت مصادر لجريدة "اللواء"؛ أن يحصل المسيحيون على 10 حقائب وزارية، توزع كالآتي؛ 5 أو 6 وزراء من حصّة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، ووزيران لتيار المردة، ووزير لحزب الطاشناق، ووزير مسيحيّ محسوب على الرئيس الحريري.

ويبدو أنّ عدد الحكومة سيكون 20 وزيراً، بدلاً من 14 أو 18، وهو الطلب الذي لا يعارضه الحريري، وفق ما ردّده سياسيون في أكثر من مناسبة.

قرأ أيضا: هل ينهي الإضراب العام الأزمة في لبنان؟

ولا توجد مشكلة في التمثيل المسيحيّ سوى في حصة الرئيس، ميشيل عون، حليف جبران باسيل، والذي يضمن وجود الأخير في اختيار الوزراء الموارنة، وإن لم يسمِّ الحريري.

ويتمحور الخلاف حول المداورة في الحقائب، بعد التأكيد غير الرسميّ، على تمسّك الشيعة بحقيبتَي المالية والصحة، وعدم ممانعة الحريري لذلك، وهو الاتّفاق الذي بموجبه سمِّيت كتلة التنمية والتحرير (حركة أمل) الحريري، وضمن وفقه عدم عرقلة حزب الله لتسميته، أو عرقلة تشكيل الحكومة.

الحريري وعون وبري

وبحسب صحف لبنانية؛ فإنّ الرئيس عون يتمسّك بحقيبة الطاقة، وبتمثيل الدروز من جبهة طلال أرسلان في الحكومة، بحقيبة وزارية، مقابل وزير محسوب على وليد جنبلاط، يتولّى حقيبتَين.

ويرى الكاتب اللبناني، منير الربيع، في تقرير منشور في موقع "المدن"؛ أنّ حديث الراعي للحريري، بتجنب الاتفاقيات الثنائية، هو إشارة إلى اتفاقه مع حركة أمل حول وزارة المالية، وأنّ عون يريد الاستناد إلى خطاب البطريرك، كي لا يظهر بمظهر المعرقل لتشكيل الحكومة.

ويقول المحلل السياسي اللبناني، أديب السبع أعين: "استبعد التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية أنفسهم، ولم يستبعدهم أحد، من هنا جاء خوف البطريرك من أن يبادر الشيخ سعد بمقاطعتهم، لكنّ ما فاته أنّ الحريري كان سبّاقاً بحفظ حقوق المسيحيين، وهو من طالب بوقف العدّ السكّاني".

الناشط في تيار المستقبل علاء أرناؤوط لـ"حفريات": خطاب البطريرك لا يتلاقى مع مواقف الثنائي المسيحي (التيار، والقوات)، فكلاهما يتصارعان حول الزعامة المسيحية ولديهما خلافات كبيرة

 

ويردف أعين، لـ "حفريات": "المسيحيون الذين سمّوا الشيخ سعد هم نوّاب مستقلّون، لا ينتمون لكتل نيابية كبيرة، وهنا كان اعتراض التيار العوني والقوات اللبنانية؛ لأنّ عدد النواب لا يعطي الميثاقية المسيحيّة لتسمية الشيخ سعد، مع أنّهم تخلّوا عن الميثاقية السنّية عند تكليف الرئيس حسّان دياب".

ويرى الكاتب اللبناني، منير الربيع، في تقريره؛ أنّ إنجاز تشكيلة الحكومة معلّق على تلبية الحريري لمطالب الرئيس عون، التي تتمثّل في؛ إبقاء وزارة الطاقة مع التيار الوطني الحرّ، ومنح وزارة الداخلية للمسيحيين مقابل الخارجية للسنّة، وتخلّي الحريري عن دعم حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، والذي يريد عون الإطاحة به، ولذلك قدّمت كتلة لبنان، مقترح قانون بتعديل قانون النقد والتسليف وتثبيت التدقيق الجنائي ورفع السرّية المصرفية، وهو التعديل الذي يجيز الإطاحة بسلامة.

رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل

مأزق جبران باسيل

وجد رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، نفسه في مأزق، نتيجة خلافاته المتصاعدة مع الثنائي الشيعي، حلفائه، ونجاح الحريري في العودة إلى الحكومة، دون أصوات كتلته.

وحول ذلك يقول القيادي بتيار المستقبل - طرابلس، علاء أرناؤوط: "جبران باسيل عنده طموح رئاسي، ويرى أنّ وصول الحريري إلى الحكومة وهو خارجها ضربة لطموحه، خصوصاً بعد النقمة الشعبية عليه، في ثورة 17 تشرين الأول، وأحد مشكلاته أنّه يساوي نفسه بالحريري، ويرغب في أن يذهب الحريري إلى لقائه، لكنّ هذا لن يحدث، فالحريري يقارن بالرئيس عون أو الرئيس بري، وليس برئيس إحدى الكتل النيابية".

 ويرى المحلل السياسي، أديب السبع أعين؛ أنّ التيار الوطني على خلافات هذه الفترة مع حزب الله، ولم يرضَ بمنح حقيبة المالية للشيعة، لذلك يعمل على إحراج الحريري، وعرقلة تشكيل الحكومة، رغم تأكيد الحريري أنّ المالية ستذهب للشيعة لمرة واحدة فقط، ثمّ ترجع للمداورة".

ويتمسّك باسيل بلعب دور في تشكيل الحكومة، وامتلاك نفوذ داخلها، عبر مشاركته في تسمية الوزراء المسيحيين، عبر صهره، الرئيس عون، بعد تيقّنه من أنّه لا مكان له داخلها.

ووفق تقديرات صندوق النقد، سجّل الاقتصاد اللبنانيّ، العام الجاري، تراجعاً في النمو، وانكماشاً حادّاً، بنسبة 25٪، فانخفض حجم الاقتصاد من 52.5 مليار دولار، عام 2019، إلى 18.7 مليار دولار، عام 2020، وهو حجمه عام 2002.

ويتوقّع الصندوق أن يرتفع معدل التضخّم وأسعار السلع الاستهلاكية بنسبة 144.5٪، مقارنة بالعام الماضي، وهو رقم قياسيّ لم يسجَّل منذ العام 1992.

الصفحة الرئيسية