ليس خافيا على أحد أن الدول الإسلامية تعيش حالة من الانقسام والتمزق إلى جانب حملات تشويه عديدة ومختلفة المصدر، وهذا التصدع لم يأت من فراغ بل تقف وراءه قوى إقليمية من أبرزها إيران التي تسعى إلى تنفيذ أجندتها السياسية والأيديولوجية في منطقة الشرق الأوسط بأي ثمن كان.
وتعد لبنان النموذج الأكثر تجسيدا للبلد الذي يمزقه الانقسام الطائفي مما يعرقل وحدته واستقراره، وهو أيضا مثال لما يحدث في كل المنطقة، فلبنان واحد من ضحايا طموحات النظام الإيراني في تنفيذ مشروعه المذهبي الطائفي بالشرق الأوسط.
يقول القاضي اللبناني الشيخ خلدون عريمط، رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام في بيروت والتابع لدار الفتوى اللبنانية، إنه “باختصار إذا أردتم معرفة ما يحصل في العالم العربي والإسلامي ما عليكم إلا النظر إلى ما يحصل في لبنان وستترجم الأمور أمامكم”، معتبرا أن “ما يحصل في لبنان ما هو إلا جزء مما هو حاصل في المنطقة الإسلامية”.
وأوضح، في مقابلة مع وكالة الأنباء “الأناضول”، أن ”مسلمي لبنان دخلوا مستنقع الشقاق والنزاع بسبب إيران التي تريد جرّ قسم منهم إلى مشروعها المذهبي الطائفي، تارة بشعارات تحرير فلسطين وأخرى بشعارات مذهبية”.
المتابع للشأن الإسلامي في لبنان يستطيع الوقوف على ما تعانيه الأمة من فرقة وتشرذم، وفق الشيخ عريمط الذي يؤكد أن المسلمين في لبنان وفي المنطقة العربية والعالم الإسلامي يواجهون مخاطر عديدة، وهناك هجمة قوية عليهم.
ويرى عريمط “أن مسلمي لبنان هم الفريق الأضعف، بسبب التوافق الدولي والإقليمي على إعطاء دور لإيران ودور لإسرائيل، وكلا الدورين لا يخدم الأمة الإسلامية بأكملها”.
وعن حقوق المسلمين في لبنان يقول “وضع مسلمي لبنان لا يبشر بالعدالة وهناك عوامل عدة تحول دون نيلهم حقوقهم”.
وقاعدة المذهبية هي أساس توزيع الرئاسات الثلاث الأولى في لبنان، فرئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة المجلس النيابي للشيعة ورئاسة مجلس الوزراء للسنة.
لقد تم توقيع اتفاق الطائف في العام 1989 ليضع حدا للحرب الأهلية التي غرقت فيها البلاد منذ عام 1975. وبموجب هذا الاتفاق تم تعديل دستور لبنان ليصبح عدد أعضاء المجلس النيابي 128، موزعين مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بعدما كان عدد المقاعد المسيحية قبل ذلك أكبر.
وبسبب نظام المحاصصة الطائفية يعيش لبنان ترديّا على مختلف المستويات بحسب وجهة نظر المراقبين الذين يرجعون انتشار الفساد إلى نفس الأسباب.
ولبنان الذي يمسح 10452 كيلومترا مربعا، يعيش فيه أكثر من 4.4 مليون نسمة، أكثر من نصفهم من المسلمين ما يعادل 64 بالمئة من السكان، فيما يمثل المسيحيون نسبة تقل عن 35 بالمئة.
وحول رؤيته إلى الحل لإنهاء التمزق الذي يعاني منه لبنان، يؤكد عريمط أنه يكمن في “أن تقتنع كل شرائح المجتمع اللبناني بأن وطنهم لا يبنى على مقاس مجموعة ولا على مقاس فئة أو حزب أو طائفة، وأن تكون السلطة للدولة اللبنانية والسلاح بيدها فقط”.
ودعا القاضي اللبناني إلى “ضرورة التخلص من أدران الميليشيات والسلاح غير الشرعي”، في بلاده.
وبحسب عريمط فإن “المرجع الديني لا يملك القوة والقدرة التنفيذية، بل الصوت والموقف والنداء فقط للإصلاح والتغيير”.
وقال “نحن نعيش في مجتمع لبناني مأزوم طائفيا واجتماعيا وسياسيا لذلك لا نستطيع أن نحقق فيه حدّا أدنى من العدالة، الحل أن يتخلى الجميع عن مشاريعهم خارج حدود الدولة”.
ورأى أن “الخلاف بين المجموعات الإسلامية في لبنان ليس سببه دينيا ولا مذهبيا ولكن المشكلة هي التدخل الإيراني المباشر، ما يساهم في ضرب الوحدة الإسلامية في لبنان والمنطقة العربية”.
ويدير الحرس الثوري، وهو فرع من فروع القوات المسلحة الإيرانية التي تأسست بعد ثورة 1979، العمليات الإيرانية في الخارج تنفيذا لمشاريع طهران التوسعية والتخريبية في بلدان عديدة من العالم وعلى رأسها المنطقة العربية.
وارتباط حزب الله اللبناني بإيران ليس خافيا على أحد، إذ تتلقى هذه الجماعة دعما ماديا وعسكريا من طهران. ويؤكد الكثير من المراقبين على خطورة وجود تنظيم سياسي مسلح في لبنان ويحذرون من التداعيات السلبية لذلك على أمن واستقرار البلاد في ظل الأزمات السياسية التي يعيشها البلد، ومن بينها تعطل تشكيل الحكومة منذ مايو الماضي.
وفي مناسبة سابقة أعلن أمين عام حزب الله حسن نصرالله في تصريح مسجل أن كل رواتب وصواريخ ومصاريف حزب الله مصدرها إيران، وقال حينها “طالما هناك أموال في إيران فنحن عندنا أموال”.
وفي خطاب سابق أكد نصرالله أن الحزب بقيادته وعناصره موال للولي الفقيه في إيران ويعمل وفق تعليمات وإرشادات مرشد الثورة علي خامنئي، وهو ما اعتبره مراقبون استمرارا للخطاب الأول للحزب والذي شاع بشكل كبير من خلال شريط فيديو وزّع على نطاق واسع يعلن فيه نصرالله أن الهدف النهائي في لبنان هو إقامة دولة إسلامية في لبنان لا تكون مستقلة، بل تكون جزءا من الجمهورية الإسلامية في إيران بقيادة الولي الفقيه.
وتعيش بيئة اجتماعية كاملة منذ تأسيس حزب الله في مطلع ثمانينات القرن الماضي داخل شبكة فقهية أيديولوجية معززة بأخرى مالية وإدارية لوجيستية لا تعرف بديلا معيشيا آخر غير ما توفره المنظمات والهيئات والجمعيات التابعة لحزب الله.
ولحزب الله، إلى جانب رواتب المحاربين، أنشطة اقتصادية تعد موازية لأنشطة الدولة اللبنانية، يعمل داخلها الآلاف من شيعة البلد ليشكلوا مع عائلاتهم طبقة خاصة لصيقة بمصير الحزب وتبدل خياراته.
ويستفز حزب الله أوساطا وطوائف لبنانية مختلفة بالنظر إلى استقوائه الخارجي بإيران ووصايته على منهج التشيع في لبنان أو تحدثه باسم الطائفة.
يذكر أن حزب الله مصنف من قبل وزارة الخارجية الأميركية في أكتوبر من العام 1997 على أنه “منظمة إرهابية أجنبية”، وقد خضع للعقوبات الأميركية منذ أكتوبر 2001.
واعتبر عريمط أن إيران تستغل التباين بين عدد من الدول الإسلامية لتدخل من خلاله وتمرر مشروعها المرفوض إسلاميا وعربيا.
وأفاد عريمط بأن “العالم الإسلامي يتعرض لتشويه وهذا الوضع له أسباب تاريخية لأن المسلمين على مدى عهودهم الطويلة لعبوا دورا كبيرا في العالم سواء في العهد الأموي أو في العهد العباسي أو في العهد العثماني”.
وتابع “لو تكاتف المسلمون وتوحدوا لاستطاعوا أن يغيروا موازين القوى في هذا العالم واستطاعوا التغلب على أعداء الإسلام الذين يحاولون حتى اليوم تمزيق الأمة الإسلامية وتفتيتها بأساليب شتى”.
ورغم كل التصدع والخلافات، يؤكد عريمط “أقول للجميع إن العالم الإسلامي قد ينكفئ، ولكن ما بعد الانكفاء إلا النهوض”.
ولبنان ليس البلد العربي الوحيد الذي تتعلق به اتهامات لإيران بالتدخل في شؤونه الداخلية ولعب دور بارز في التوترات الأمنية والسياسية أو محاولات إشاعة الفوضى وزعزعة الاستقرار، حيث طالت أيادي طهران كلا من سوريا والعراق واليمن والبحرين.
ويشكل حزب الله الذراع الأولى للنظام الإيراني في الخارج، فمهام الحزب تجاوزت حدود لبنان وظهرت بوضوح في المشاركة المباشرة والبارزة في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد.
كما كشفت تقارير متواترة خلال السنوات الأخيرة عن أدوار يلعبها حزب الله في العراق ودول خليجية، بالإضافة إلى دعم الجماعة الحوثية في اليمن.
ويرى خبراء أمنيون أن تنامي دور الميليشيات في العراق ليس سوى محاولة لاستنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني القائمة على أسس دينية وطائفية.
عن "العرب" اللندنية