
في ظلّ التوترات الأخيرة على الحدود اللبنانية الجنوبية، ومع تصاعد المواجهات مع إسرائيل، أصبح من الواضح أنّ المقاومة اللبنانية، وتحديداً حزب الله، تقف اليوم على مفترق طرق خطير. وتطرح تساؤلات كثيرة نفسها حول مدى قدرة الحزب على الاستمرار في لعب دوره التقليدي؛ كحامٍ للبنان وسط التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة. وهنا يبرز التساؤل الكبير: ماذا تبقى من المقاومة يا سماحة السيّد؟
الفارق الحضاري بين حزب الله وخصومه الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل، يبدو واضحاً اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. وبينما يعتمد نصر الله على إيديولوجيات ومفاهيم تعود إلى القرون الوسطى، يتكئ العدو الإسرائيلي على قوة العقل والعلم والتكنولوجيا. فإسرائيل، العدو الصهيوني التقليدي في الشرق الأوسط، تستغل تقدمها التكنولوجي والعلمي في ترسيخ سياسات الاحتلال والعدوان. هذا الفارق الكبير في القوة التقنية والعسكرية لا يمكن تجاهله، فهو يعكس كيف تستخدم إسرائيل تفوقها لتعزيز هيمنتها، بينما يظلّ حزب الله متخلفاً عن هذا الركب، ويعتمد على أدوات الحداثة من خارجها دون تبنّي أسسها الحقيقية.
كفى تخريباً يا سماحة السيّد
يبدو أنّه حان الوقت لإعادة النظر في المشروع الذي يقوده حزب الله في لبنان، والذي بات عبئاً عليه وعلى الشعب اللبناني. فمنذ أن ظهر حزب الله، ومعه الإيديولوجيات الإسلامية المتشدّدة التي تبنّاها، والمستمدة من فكر الخميني وسيد قطب وأبو الأعلى المودودي، وفكر حسن البنا وأمثاله، ولبنان يعاني من أزمات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية متفاقمة. هذا النهج لم يجلب سوى التخلف والفوضى إلى مجتمع بات في أمسّ الحاجة إلى الأمن والاستقرار. لذا أصبح من الضروري أن يعلن سماحته الاستسلام، وأن يتنحى عن المشهد السياسي مع بقية "الشلّة" التي سحبت لبنان إلى مستنقع لا أفق له.
الفارق بين حزب الله وبين العدو الإسرائيلي هائل يا سماحة السيّد
بينما يعتمد الأعداء على العقل والتخطيط الدقيق، تعتمد أنت والحزب على الوهم واللّا عقل. فإسرائيل تواصل استعراض تفوقها العلمي والتكنولوجي والعسكري ببرود، مستغلة هذا التقدم في تعزيز هيمنتها الإقليمية ودعم سياساتها العدوانية. في المقابل يظلّ حزب الله عالقاً في أحابيل خطاب قديم، لا يخدم سوى مصالح ضيقة، ويُبقي لبنان رهينة للصراعات الإقليمية والمصالح الخارجية التي تعيق تطوره واستقراره.
ما يحدث اليوم يجب أن يدفع الجميع إلى إعادة التفكير بمنطق العقل والعلم، والتخلي عن الوهم الذي قاد لبنان إلى حافة الهاوية. ألم يكتفِ الحزب من اللّعب بأقدار الناس؟ ألم يحن الوقت للتوقف عن هذه السياسات الزائفة، التي لم تقدم سوى الخراب والدمار؟ ما يحتاجه لبنان اليوم هو أن يتخلّص من القيود التي فرضتها عليه هذه الأحزاب والأجندات الخارجية، وأن ينطلق نحو المستقبل بأسس علمية وعقلانية، تضعه في مصاف الدول المتقدمة وتخرجه من دوامة الصراعات.
في هذا السياق، يجب أن يتحول تركيز اللبنانيين نحو دعم المؤسسات الرسمية للدولة، خاصة الجيش والحكومة، بدلاً من الاعتماد على قوى حزبية مسلحة تخدم أجندات إقليمية. الوضع الراهن يتطلب وحدة وطنية حقيقية تتجاوز الانقسامات الطائفية والحزبية، فالخطر الذي يواجهه لبنان لا يقتصر على التهديدات الإسرائيلية فحسب، بل يشمل أيضاً التفكك الداخلي الذي قد ينجم عن ضعف المؤسسات الرسمية.
لبنان بحاجة إلى التغيير، وأمام هذا الواقع لم يعد هناك خيار سوى رمي الوهم إلى الوراء، والانطلاق نحو الحياة، نحو بناء دولة مدنية قادرة على تحقيق طموحات شعبها.