"دويلة الميليشيا" اللبنانية تضيّع البوصلة

"دويلة الميليشيا" اللبنانية تضيّع البوصلة


15/11/2021

عبدالوهاب بدرخان

بلغ لبنان-الدولة مستوى قياسياً من العجز السياسي، مضافاً إلى الانهيار الاقتصادي والمالي، إلى حدّ وضْعه الأزمةَ التي تفجّرت بينه وبين دول الخليج في مطحنة انقساماته الداخلية، من دون أي قدرة على معالجتها بالسرعة والجدّية الواجبتين. كأن المُصاب بالمرض الخبيث العُضال فقد التفاعل مع أي مصائب جدّية تحلّ به. ليس سهلاً أن تتدهور صلة لبنان ببعده العربي وألا يتمكن من رأبها، رغم بديهية أنها الأوكسجين الذي لا غنى عنه ولا بديل له.
مَن يتابعون الوضع اللبناني، منذ منتصف العقد الماضي تحديداً، تحوّلت مخاوفهم وتوقّعاتهم الأكثر تشاؤماً إلى وقائع مخيفة لا تزال تتراكم وتضاعف الأضرار. ثمة تاريخٌ لهذا الانقلاب اللبناني على الذات، قد تعود بدايته إلى ثمانينيات القرن الماضي مع ظهور «حزب الله» واحتكاره المقاومةَ لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وقد حظي وقتذاك بتقدير وتأييد عربيين، فالقضية قضية حقّ كما أنها تخصّ لبنان واللبنانيين جميعاً. لكن هذا «الحزب» أصبح بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 الميليشيا المحليّة الوحيدة التي لم تُخضع سلاحَها للدولة، وراحت تنفث سمومها الطائفية في فضاء التعايش الوطني، وتمتهن الاغتيالات وتخترق المؤسسات إلى أن فرضت عام 2016 حليفها ميشال عون رئيساً للجمهورية، فكرّست اختطافها للدولة، لذلك يعتبرها اللبنانيون اليوم «قوة احتلال» يضاهي أذاها أي احتلال آخر بل يتجاوزه.
وفي الوقت نفسه كانت هذه الميليشيا توسّع أنشطتها الإرهابية والعدوانية في سوريا والعراق واليمن، كرأس حربة لـ«المشروع الإيراني» حيثما تكون له امتدادات. وبات معروفاً وموثّقاً أن ارتكابات هذه الميليشيا امتدّت إلى دول الخليج، خصوصاً الكويت والبحرين، كذلك دورها في هندسة اعتداءات الحوثيين على السعودية. وطوال تلك الفترة، خصوصاً بالنسبة للبنان، لزمت السعودية وشقيقاتها في الخليج الصبر وعدم التدخّل إلا من خلال الدولة التي يُفترض أنها تمثل مصالح جميع مواطنيها وتحيّدها عن الفئويات المذهبية الضيّقة. لكن هيمنة هذا «الحزب»/ الميليشيا على الدولة نفسها، في الأعوام الأخيرة، صارت إشكالية لدول العالم كافةً.
لم ينسَ أحد أن السعودية كانت الضامن العربي الأساسي، مع مساهمات أخرى خليجية ودولية، لنقل لبنان عبر «اتفاق الطائف» من حربه الأهلية (1975– 1989) إلى مرحلة إنعاش الاقتصاد وازدهاره التي استمرّت إلى أن أوقفها اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري. وكانت السعودية المانح الأكبر، ودائماً بمساهمات من دول الخليج، في تعويض خسائر العدوان الإسرائيلي (1996)، ثم الأضرار الهائلة للحرب التي افتعلها «الحزب»/ الميليشيا صيف 2006، بل استمرّت هذه الدول في دعم الاقتصاد اللبناني وتجنيبه مخاطر الانهيار. في المقابل، لاقت الميليشيا المبادرات السعودية والخليجية بالجحود وواصلت إحكام قبضتها على البلد واقتياده إلى الهلاك. 
لم يعد غامضاً أن أي مساعدة للبنان صارت مساهمة مباشرة في تمكين «دويلة الميليشيا» وتعزيز هيمنتها، وبالتالي أضحت مقولة وزير الخارجية السعودي:
أن «لا جدوى» من التعامل مع لبنان، مطابقةً للواقع، وبالأخص حين تصبح هذه «الدويلة» منطلقاً لتهريب كل أنواع الممنوعات إلى دول الخليج أو يصبح أعضاء في «حكومة الميليشيا» مصدراً للإساءة للسعودية. في أي حال لم تعد دول العالم والمؤسسات الدولية لتثق في ما تبقّى من الدولة اللبنانية، لسببين: سيطرة الميليشيا واستشراء الفساد.. لذا فهي تجهد لتنظيم علاقاتها مع هيئات المجتمع المدني وإيصال المساعدات إلى المحتاجين. ولن تستقيم العلاقة مع لبنان إلا باستعادته الدولةَ ودورَها.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية