لبنان: إسقاط ورقة التوت المسيحية عن سلاح حزب الله

لبنان: إسقاط ورقة التوت المسيحية عن سلاح حزب الله


23/07/2020

يواصل حزب الله هجومه ضد رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، لثنيه عن مواصلة قضية حياد لبنان. لكنّ الراعي لا يولي الحزب أي اهتمام، ولا يتوقع أن يخضع لشروطه، وهو ما أكده البطريرك الماروني في عظة الأحد الماضي قائلاً: "ليس نظام الحياد طرحاً طائفياً أو فئوياً أو مستورداً. بل هو استرجاع لهويتنا وطبيعتنا الأساسية، وباب خلاص لجميع اللبنانيين دونما استثناء".

حرص البطريرك الراعي على القول إنّ الحياد يعني دولة قوية وجيشاً قوياً، وإنّ الحياد يعني أن نلتزم القضايا العربية المشتركة من دون صراعات سياسية أو أحلاف

وينطوي موقف البطريرك على حقيقة لا يمكن تجاوزها: لبنان غير قادر على الاستمرار في سياسة المحاور. لذا لا بد من إعادة الاعتبار إلى النأي بالنفس أو الحياد، واستعادة العلاقة مع العالمين العربي والغربي.

ويتساءل الكاتب أحمد عايش في مقال له في صحيفة "النهار": لماذا أحرج موقف البطريرك حزب الله فأخرجه عن طوره بصورة نادرة؟ وهو سؤال رددته الأروقة السياسية اللبنانية في عطلة نهاية الأسبوع الماضي.

وتنقل الصحيفة عن قيادي في "حركة المبادرة الوطنية" تعليقه بأنّ "طلب البطريرك حياد لبنان سحبَ ورقة التوت المسيحية عن سلاح حزب الله، وأنهى مرحلة التغطية العونية لهذا السلاح. فتفاهم مار مخايل بين الحزب والعماد ميشال عون سقط، بعدما فرض الوصاية الإيرانية على البلد بعد انتهاء الوصاية السورية عام 2005".

اقرأ أيضاً: تقرير دولي: حزب الله يبحث عن جثث مقاتليه في سوريا

القيادي اللبناني أضاف: "نجح التيار العوني من خلال التسليم لحزب الله بما يريد في الوصول الى رئاسة الجمهورية، لكنها رئاسة واقعة في أعمق عزلة عربية ودولية. إنها رئاسة قادت لبنان من وضع الدولة الفاشلة الى وضع الدولة المنهارة".

تعود الكنيسة إلى التذكير بثوابت لبنان وضرورة الدفاع عن الكيان والوطن "قبل أن يبتلعه الهلال الفارسي بتفرد طرف أو حزب بقراراته السيادية، وبالأخص أنّ المؤسسات الدستورية تتلهى بأشياء كثيرة إضاعة للفرص والوقت" بينما المطلوب واحد، بحسب القيادي اللبناني، هو أنّ لبنان و"شعبه العظيم" يستحق رئاسة قادرة على وضع الخطوط الحمر لحزب الله وغيره.

وينبه معلقون لبنانيون آخرون من مغبّة تسخيف الدعوة إلى الحياد، أو افتراض أنّ لا أساس لها. فهي في الأساس رد فعل على استتباع لبنان استتباعاً كاملاً للمشروع الإيراني، الذي تمادى إلى حدّ تحكمه بالسلطات اللبنانية كلها: من السياسة الخارجية، إلى السيطرة على المؤسسات، وصولاً إلى تغيير العلاقات والتوازنات الثقافية الشعبية. وهذا أمر أساسي وليس هامشياً، في نظر الكاتب منير الربيع.

اقرأ أيضاً: من طهران إلى أردوغان ومن حزب الله إلى الإخوان

ويرى الكاتب في "المدن" أنّ مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي تتفاعل، وأنّ قوى مؤيدة تعمل على توسيع إطار ومروحة هذه المواقف على الصعيد السياسي، فتسعى إلى ملاقاة البطريرك في طروحاته. والهدف إنشاء تجمّع سياسي من الطوائف والمراتب المختلفة لمواكبة طرح الحياد.

اقرأ أيضاً: المخابرات الألمانية: مركز اجتماعي متورط بدعم حزب الله مالياً

ولا تتوقّع مصادر سياسية أن يقبل حزب الله بمطلب الحياد، الذي يهدف إلى تحييد لبنان عن كل الصراعات الإقليمية وفي مقدمها الصراع الأمريكي الإيراني. فالحزب المرتبط عقائدياً ودينياً بطهران والذي يشكّل جزءاً من التركيبة الإيرانية، لن يقبل الانفصال عنها مهما كلّف الأمر، بحسب الصحفية دنيز رحمة فخري التي كتبت في "إندبندنت عربية" أنّ الحزب "يرفض أي تواصل مباشر مع البطريرك تجنّباً لفكرة اضطراره إلى مناقشة مبادرة بكركي لحياد لبنان".

وتأكيداً على ذلك، فإنّ حزب الله، وفق الربيع، يمتلك وسائل القوة القادرة على فرض سلوك ونمط حياة على المجتمع الشيعي والمجتمعات الأخرى. والدليل حالات الاعتداء على أشخاص يمارسون حياتهم العادية، على غرار ما حصل مع بعض المتنزهين في كفر رمان في الجنوب اللبناني.

 ولكن كيف يرى الغرب ما يجري في لبنان، وكيف تتعامل الإدارة الأمريكية مع عناد حزب الله ورغبة الأخير فرض سياسة الأمر الواقع؟

اقرأ أيضاً: سياسة سلاح "حزب الله".. تدمير لحياد لبنان ورهينة في يد إيران

يقول المحلل السياسي أحمد عايش إنّ الغرب لا يبدو جاهلاً لواقع أنّ رئاسة الحكومة اللبنانية تمثل ورقة بيد حزب الله. وتواظب الولايات المتحدة على توجيه الانتقادات للحكومة بطريقة معتدلة بما يعبّر عن أنّ هناك أولويات في الواقع اللبناني. وكان مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر أجاب عندما سئل عن دور الولايات المتحدة في المفاوضات اللبنانية مع صندوق النقد الدولي:"لم تفعل الحكومة الكثير لدفع الأمور إلى الأمام. ربما يعود ذلك إلى تحالفها مع حزب الله".

اقرأ أيضاً: ما قصة مافيا العائلات في ألمانيا... وما علاقة حزب الله؟

ويربط الكاتب راجح الخوري في "الشرق الأوسط" اللندنية، بين الحياد وحزب الله، قائلاً: "واشنطن تراهن على أنّ الإصلاح يفترض أن يدخل من الباب السياسي العريض، بما يعني السعي لرفع هيمنة حزب الله على القرار اللبناني، وعدم السماح له بربط لبنان بتيار إيران والممانعة".

ويضيف: "شهدت بكركي استقطاباً واسعاً سنياً ومسيحياً ودرزياً؛ ولهذا حرص الراعي على القول بعد زيارته بعبدا، إنّ الحياد يعني دولة قوية وجيشاً قوياً، وإنّ الحياد يعني أن نلتزم القضايا العربية المشتركة من دون الدخول في صراعات سياسية أو عسكرية أو في أحلاف".

وكان وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الذي زار لبنان أمس، الأربعاء، قال في تصريحات سابقة إنّ "الوضع في لبنان يطلق سفارة الإنذار في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والإنسانية التي تتفاقم بفعل وباء كورونا".

وأضاف خلال جلسة استماع برلمانية، مطلع الشهر الجاري، إنّ الوضع في لبنان بات مزعجاً وتفاقم الوضع الاجتماعي، ينذر بالعنف". وشدد بأنّ على "الحكومة اللبنانية تنفيذ إصلاحات حتى يتسنى للمجتمع الدولي مد يد المساعدة".

اقرأ أيضاً: حزب الله يقض أمن الخليج: الكويت تفكك شبكة لغسيل الأموال

الحياد أو التحييد هو ما يتمسك به الفرقاء اللبنانيون جلهم الآن، و"التحييد" في القاموس اللبناني لا يعني سوى شيء واحد، وهو وجوب أن يخرج حزب الله من حروب المنطقة ومحاورها، ويتوقّف عن أداء أدوار سلبية ضد الدول الصديقة للبنان، بحسب الكاتب فارس خشّان في "الحرة".

"التحييد" لا يعني سوى شيء واحد، وهو وجوب أن يخرج حزب الله من حروب المنطقة ومحاورها، ويتوقّف عن أداء أدوار سلبية ضد الدول الصديقة للبنان

ويرى الكاتب أنّ الصراعات التي يخوضها الحزب لمصلحة "ولي نعمته" قد حرمت اللبنانيين من لقمة عيشهم ومن وطنهم، وهو يتوقع أن تلتزم الحكومة اللبنانية صمتاً مطبقاً، حيال هذه المسألة، لأنها وُلدت بإرادة حزب الله، ولأنها تبقى في مكانها بفضل حزب الله.

أدرك كثيرون، كما يتابع خشّان، أنّ مشكلة لبنان الحقيقية ليست مشكلة تقنية، بل هي قبل أيّ شيء آخر مشكلة سياسية، وهذا يعني، عملياً أنّ "حزب الله لديه حكومة بلا قيمة، ورئاسة مُربكة تُعطي، بين حين وآخر، إشارة إلى إدراكها مدى كلفة حزب الله عليها وعلى البلاد، ناهيك بأنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي، كان في الخامس والعشرين من مايو الماضي قد وجّه، من موقع الحليف، رسالة تحذير قاسية إلى حزب الله، من خلال إعلانه أنّ (النصر العظيم الذي تحقّق يمكن أن تذهب به لقمة العيش، وإمبراطورية كالاتحاد السوفياتي، أتى بها رغيف وذهب بها رغيف)".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية