كيف يصبح المرء إرهابياً؟

كيف يصبح المرء إرهابياً؟


19/12/2021

فارس خشان

كيف يصبح المرء إرهابياً ؟

هذا السؤال أخذ حيّزاً كبيراً من اهتمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس التي بدأت، منذ ثلاثة أشهر، محاكمة المتهمين بارتكاب الهجومات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية وضواحيها، في الثالث عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2015.

وقد خصّصت المحكمة أسبوعاً كاملاً من جدول أعمالها الذي يمتد على مدى تسعة أشهر، لمحاولة حلّ اللغز الذي يحيّر الجميع: كيف يعقل أن يقدم حملة الجنسيتين الفرنسية والبلجيكية على التضحية بأنفسهم من أجل قتل مواطنيهم؟

يبدو أنّ الأجوبة المبسّطة التي استسهل كثيرون تقديمها، في الكتب وعلى الشاشات وفي الدراسات وفي الحملات الإنتخابية، لم تقنع المحكمة التي مرّ عليها، حتى تاريخه، عشرات الشهود ممّن تربطهم علاقة مباشرة بالعمليات الإرهابية التي وقعت قبل ست سنوات.

الإجابات التي قرّرت محكمة الجنايات الخاصة في باريس القفز فوقها تسارع كلّها الى الربط بين الإسلام كدين وبين الإرهاب كأداة، ولكنّ المحكمة، بعدما مرّ عليها ضحايا ينتمون الى الدين الإسلامي، وبعدما سمعت شهادات كثيرة تبرّئ الإسلام من المتهمين، أرادت الحصول على أجوبة أكثر عمقاً وأكثر دقة، على قاعدة أنّ العدالة لا تهتم حصراً بتورط أو براءة المتهمين، بل من واجباتها أن تنتهي الى تقديم خلاصات صالحة لتحصين المجتمع من الوقوع، مرة جديدة، ضحية للجريمة نفسها.

وفي محاولة منها لإنجاح مساعيها، إستدعت المحكمة الى منصّة الشهود، آباء وأشقاء عدد من الإرهابيين الذين فجّروا أنفسهم في العمليات أو عادوا وقتلوا في أثناء مطاردتهم.

جميع الرجال الذين استدعتهم المحكمة أحبطوها. لم يقدّموا لها أي جواب. تنصّلوا من الأجوبة على قاعدة:" لم نكن في رؤوسهم".

إمرأتان من قائمة الشهود سعتا الى تقريب الصورة للمحكمة: آن ديانا كلاين شقيقة فابيان وجان ميشال كلاين اللذين أعلنا من الرقة في سوريا مسؤولية تنظيم داعش عن العلميات الإرهابية التي استهدفت باريس وضواحيها، وكلثوم أجاغلي، الصديقة السابقة لفؤاد محمد آغاد الذي قُتل في الهجوم على مسرح "باتاكلان" في العاصمة الفرنسية.

روَت كلاين (46 سنة) قصة اعتناق عائلتها الكاثوليكية للإسلام في العام 2005.

وعائلة كلاين مؤلفة من والدة وأربعة أولاد وأزواجهم وأبنائهم. جميع هؤلاء تركوا الكاثوليكية واعتنقوا الإسلام، وغالبيتهم ذهبوا الى سوريا وبعضهم فشل في ذلك وجرى اعتقاله، كما هي عليه حال الشاهدة.

وروت آن ديانا كلاين أنّ عائلتها الكاثوليكية المتديّنة، حاولت، مراراً وتكراراً، العثور على جواب عن سبب وجودها على الأرض. لم تجد في الإنجيل، وفق ما قالت، الأجوبة الحاسمة، فتوجّهت الى كاهن بلدة ألونسون حاملة استفساراتها، لكنّه فشل في تقديم الأجوبة المقنعة. في هذا الوقت تفيد: "إلتقينا بشخص حدّثنا عن الإسلام. كانت لديه كل الأجوبة عن أسئلتنا، فاعتنقنا جميعنا الإسلام".

 ولكن كيف تحوّل اعتناق الإسلام اعتناقاً للإرهاب؟

هذا السؤال الذي طرحه رئيس محكمة الجنايات الخاصة في باريس جان لوي بيرييس، حظي، بدوره، على إجابة، حيث قالت آن ديانا كلاين:" لقد أفهمنا هذا الشخص أنّ الإسلام يكمن في الجهاد، والجهاد يعني أن نسيطر على الكون بأكمله، وتالياً أن نخوض الحروب المقدّسة حيث يجب أن نقودها".

أضافت:" أفهمنا أنّ واجبنا، في الوقت الحالي، أن ننتقل الى سوريا، لنخوض هناك هذا الجهاد المقدّس".

 وهل لا تزالين مقتنعة بذلك، حالياً؟

 لا، أجابت. لقد وقعت وعائلتي ضحية إيديولوجية متطرّفة. كنّا نعتقد بأنّ ما يقوله لنا عن القرآن الكريم، حقيقة مطلقة، ولكنّني لاحقا، وفي السجن الذي دخلت إليه جرّاء محاولتي المغادرة الى سوريا، اكتشفت أنّ هناك تفسيرات عدة للنص القرآني، وأنّ هناك رؤى أخرى للإسلام. 

وبعد كلاين قدّمت كلثوم أجاغلي (28 سنة) شهادتها، فروت أنّها، منذ السادسة عشرة من عمرها، كانت صديقة فؤاد محمد آغاد الذي كان،في حينه، شاباً مرحاً للغاية وينتمي الى عائلة غير متديّنة، إذ لم تكن توجد في منزله حتى سجّادة للصلاة، ولكن، سرعان ما بدأت الأمور تتغيّر مع صديقها الذي راح يقضي وقته على الإنترنت، حيث يستمع الى إرشادات إسلامية. 

وقالت: تغيّر فؤاد، فراح يبتر كعب أحذيتي، ومن ثم بدأ يمزّق أثوابي الكثيرة، الأمر الذي دفعني، في وقت لاحق، إلى تركه.

وأشارت الى أنّ فؤاد، وبعدما افترقا غادر الى منطقة "ألزاس" حيث تعرّف وشقيقه كريم وأصدقاءهما على مراد فارس( مكلّف بتجنيد جنود لتنظيم "داعش") الذي أقنعهم بالذهاب الى سوريا "حيث يمكنهم أن يجدوا الفتاة الملائمة والوظيفة والمنزل الذي لا يزيد بدل إيجاره عن 25 أورو شهرياً".

وقالت إن كريم، شقيق فؤاد عاد من سوريا وأخبرها أنّ كلّ ما قيل لهم قبل ذهابهم "وهمٌ" فالفيلا التي يتحدّثون عنها تضم مئات الجهاديين الذين يتكوّن طعامهم من الخبز والزيت فقط، وأفهمها أنّ شقيقه يعيش في عالم خيالي، حيث يحلو له أن يتصوّر أنّ الناس ينتظرون وصوله ورفاقه الى بلداتهم حيث سوف يصفقون له ويجزلون احترامه.

 ولكن، ما الذي جعل هذا الشاب يصبح هكذا؟

أجابت: " أظن أنّه وجد نفسه في سوريا، بعدما ضاق العيش عليه في فرنسا، فهو كان يعمل في ملحمة، ولكنّه تركها لأنّه لم يحب هذه المهنة. حاول الانخراط في الشرطة، فجرى رفضه، وحصد النتيجة نفسها حين حاول الدخول الى الجيش، وكذلك عندما أراد أن يكون عاملاً في الأمن الخاص".

وقالت:" قبل ذهابه الى سوريا، كان يمضي وقته في قيادة جنونية لسيّارته، بعدما جرى رفض استخدامه وبعدما ابتعدت أنا عنه أيضاً".

بطبيعة الحال، إنّ هاتين الإفادتين لا يمكنهما أن تقدّما، بذاتهما، جواباً شافياً عن السؤال الكبير: كيف يصبح المرء إرهابياً؟

ولكن، من الواضح أنّ هاتين الإفادتين يمكنهما أن تُشكّلا مدخلاً صالحاً للعثور على "رأس الخيط"، لجهة الدور الريادي الذي يلعبه المرشدون في تنوير الناس أو تضليلهم، كما لجهة المخاطر التي يمكن أن يولّدها تهميش المواطن في مجتمعه.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية