كيف يبدو الواقع الأمني في سوريا بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق؟

كيف يبدو الواقع الأمني في سوريا بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق؟

كيف يبدو الواقع الأمني في سوريا بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق؟


22/12/2024

شكل التقدم السريع الذي أحرزته الفصائل السورية المسلحة بقيادة “هيئة تحرير الشام” نحو دمشق، وسقوط النظام السوري السابق أمام هذه التحركات في هذا التوقيت، تحدياً خطيراً للأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية في سوريا، خاصة وأنها تعاني من اضطرابات سياسية منذ 2011. 

الواقع الأمني الجديد كان محور دراسة نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، حديثا، بعنوان "قراءة لواقع الأمن في سوريا بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على دمشق"، من خلال الإجابة عن تساؤلات حول التسوية السياسية ومستقبل المدن السورية، ومدى قدرة هيئة تحرير الشام على قيادة المرحلة، وإمكانية إشراك جميع الأطراف السورية في المرحلة المقبلة، ودور الأطراف الإقليمية والدولية لاحتواء المشهد، في ظل المخاوف من عودة نشاط التنظيمات الإرهابية.

مستقبل أمن سوريا

أشارت الدراسة إلى أن المواجهات بين الفصائل المسلحة وقوات النظام على مدار (12) يوماً، تسببت في نزوح ما بين (800) ألف ومليون شخص في مناطق مختلفة، ومعاناة (150) ألف آخرين من النزوح الثانوي، وتمثل النساء والفتيات (50%) من هؤلاء النازحين.

وأعلن تنظيم “داعش” في 10 كانون الأول / ديسمبر 2024، إعدام (54) عنصراً من قوات النظام السوري السابق، أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا. وقد أثار الظهور مجدداً لداعش بهذه العملية قلق الغرب من نشاط التنظيمات الإرهابية، في ضوء سيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية على قوائم بعض الدول الغربية.

وقد حذر البنتاغون داعش بسحقه في حال استغلال الظروف الراهنة بسوريا، وفي 11 كانون الأول / ديسمبر 2024 أكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، وجود خطر حقيقي بشأن عودة داعش، وأبدى القائد العام لقوات قسد الجنرال مظلوم عبدي، تخوفه من حصول داعش على حرية أكبر في الحركة في البادية السورية، لتعليق عمليات مكافحة الإرهاب، محذراً من محاولاته لاقتحام السجون وتهريب عناصره، لتنفيذه هذه الهجمات مسبقاً، خاصة في ظل انشغال قوات قسد بإعادة الأمن للمدن السورية وحماية المدنيين.

حذر البنتاغون داعش بسحقه في حال استغلال الظروف الراهنة بسوريا

كما قتل داعش عنصران من قوى الأمن الداخلي في جنوب الرقة شمال سوريا في 17 ديسمبر 2024 ، ومنذ سقوط نظام الأسد، بلغت هجمات داعش (7) هجمات، أسفرت عن (72) قتيلاً بين عسكريين ومدنيين.مكافحة الإرهاب ـ خريطة الجماعات المتطرفة في سوريا ومناطق النفوذ

هذا وتولى محمد البشير رئاسة الحكومة السورية الانتقالية في 10 كانون الأول / ديسمبر 2024 وحتى الأول من آذار / مارس 2025. وأمرت الفصائل المسلحة مقاتليها بالانسحاب من المدن ونشر وحدات تابعة لهيئة تحرير الشام من قوات الأمن الداخلي. فيما أعلن حزب البعث الذي حكم سوريا لأكثر من (50) عاماً، تعليق عمله ونشاطه الحزبي حتى إشعار آخر، وتسليم كافة الآليات والمركبات والأسلحة لوزارة الداخلية، ووضع أموال وأملاك الحزب تحت إشراف وزارة المالية.

وأعلن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني بأنه سيحل قوات الأمن التابعة للنظام السابق، وإغلاق السجون سيئة السمعة وتأمين مواقع الأسلحة الكيميائية. وتعهد أيضاً بحل جميع الفصائل المسلحة، وألا يكون هناك سلاح إلا بأيدي الدولة، مع إلغاء التجنيد الإلزامي بالجيش، منوهاً إلى دراسة رفع الرواتب (400%) وإعادة بناء المنازل المهدمة وإعادة المهاجرين.

موقف الأطراف الدولية والإقليمية

لفتت الدراسة إلى أن روسيا ورغم أنها تعتبر هيئة تحرير الشام تهديداً مباشراً لنفوذها في سوريا، إلا أن الوضع الراهن يجبر الأولى على صياغة العلاقات مع الإدارة الجديدة لسوريا، للحفاظ على قواعدها العسكرية هناك، خاصة وأن الكرملين أعلن في 8 ديسمبر 2024 تقديم بلاده حق اللجوء لبشار الأسد وعائلته. 

وأكد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ربابكوف، أن روسيا تحافظ على الحوار مع جميع الأطراف بالمنطقة، وأشارت الخارجية الروسية إلى أن قواعد بلادها بسوريا في حالة تأهب ولا يوجد أي تهديد لأمنها.

توقعت أن تكون تركيا لاعباً محورياً في الخريطة السياسية لسوريا المرحلة المقبلة خصوصا أنها كانت طرفاً في محادثات أستانا منذ 2017

هذا وتمتلك روسيا عدة قواعد عسكرية بسوريا، من بينهم قاعدتين (طرطوس البحرية وحميميم الجوية في اللاذقية)، ويمثلان أهمية استراتيجية لروسيا في البحر المتوسط وإفريقيا. فوي 16 كانون الأول/ ديسمبر 2024 شدد الكرملين على أن مصير القواعد مازال قيد النقاش، في الوقت الذي تحدثت فيه استخبارات غربية عن بدء روسيا سحب قواتها ومعدات ثقيلة من خطوط المواجهة في شمال سوريا ومواقع في جبل العلويين، دون الإشارة إلى أي تحركات بشأن التخلي عن القاعدتين طرطوس وحميميم.

أما طهران فقد ألمحت على لسان مسؤوليها، إلى أن سقوط الأسد لن يضعفها. وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن بلاده تشعر بالقلق من تقسيم سوريا وتحولها لملاذ للإرهابيين. اعتبر قائد الحرس الثوري حسين سلامي، أن ما حدث بسوريا درس مرير يجب التعلم منه، بينما حمل مسؤولون إيرانيون، النظام السوري السابق مسؤولية ما شهدته سوريا.

وتركيا تعمدت في بداية الأحداث، النأي بنفسها عن المشاركة في الهجوم على حلب، ولكن بسقوط نظام الأسد، تصدرت تركيا المشهد لعلاقاتها مع بعض الفصائل السورية المسلحة، ومخاوفها من الوجود الكردي على حدوها، ما يعني أنها ستصبح حليفاً قوياً للإدارة السورية الجديدة.  أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 10 ديسمبر 2024، أن سوريا يجب أن يحكمها شعبها، وأبدى استعداد بلاده لمساعد سوريا على الاستقرار ومكافحة الإرهاب.

إلى ذلك، تسعى واشنطن للعب دور الوسيط، وفي 11 ديسمبر 2024 زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأردن وتركيا لإجراء محادثات حول سوريا، وأعلنت واشنطن ولندن عن إجراء اتصالات مباشرة مع هيئة تحرير الشام، وانفتاح بلادهما لتخفيف العقوبات عن سوريا في المستقبل.

وأبدت ألمانيا وإيطاليا استعدادهما لإقامة اتصالات مع هيئة تحرير الشام، وأعادت فرنسا فتح سفارتها في دمشق بعد 12 عاماً من القطيعة. وتتخوف دول الاتحاد الأوروبي من المرحلة الانتقالية بسوريا، لذا طرحت في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في 16 كانون الأول / ديسمبر 2024، شروطاً تتمثل في احترام حقوق الإنسان والمرأة ومكافحة الإرهاب وحماية الأقليات بسوريا أمام السلطات السورية الجديدة.

ما إمكانية إيجاد مخرج سياسي؟

بعد سيطرة هيئة تحرير الشام زمام الأمور في سوريا، عاد القرار الأممي (2254) للواجهة، وطالبت أطراف إقليمية ودولية بضرورة تطبيق القرار، ودعا “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” تنفيذ العملية الانتقالية وفقاً لقرار (2254) الصادر في 2015.

وينص على إطلاق العملية السياسية عبر الأمم المتحدة وإرساء سلطة ذي مصداقية خلال (6) أشهر تضم جميع الأطراف وألا تقوم على الطائفية.

مجموعة من قوات "هيئة تحرير الشام" بقيادة الجولاني

أشارت روسيا في 15 كانون الأول / ديسمبر 2024، إلى إمكانية عودة محادثات أستانا ومواصلة المحادثات مع تركيا وإيران، ويعود مسار أستانا إلى 2016 بمبادرة روسية مدعومة من إيران وتركيا، ومر بحوالي (22) جولة من المباحثات، ونجح في إنشاء مناطق خفض التصعيد لحماية المدنيين وتعزيز الحل السلمي. بينما تجمدت محادثات جنيف في 2022 جراء الحرب الروسية الأوكرانية، ومرت بنحو (8) جولات سابقة لمناقشة تشكيل اللجنة الدستورية.

قراءة مستقبلية

الدراسة لفتت إلى أن تنظيم داعش يستغل الوضعين الأمني والسياسي الهش في سوريا، لإعادة ترتيب صفوفه، عبر شن مزيد من الهجمات ضد المدنيين والعسكريين، ومحاولة السيطرة على أسلحة من مخازن أسلحة النظام السابق، وفي حالة انفلات زمام الأمور من يد هيئة تحرير الشام وعدم قدرتها على السيطرة بشكل كامل على كافة المدن، تصبح فرصة سيطرة داعش على السجون والمخيمات التي تضم آلاف المقاتلين الأجانب قائمة، ما يزيد من خطورة التنظيم وتكرار سيناريو 2014 مرة أخرى في سوريا والعراق.

كما توقعت أن تكون تركيا لاعباً محورياً في الخريطة السياسية لسوريا المرحلة المقبلة، خصوصا أنها كانت طرفاً في محادثات أستانا منذ 2017، ولكن المختلف في المشهد الحالي علاقاتها بالسلطة السورية الجديدة، ودعمها لبعض الفصائل المسلحة، ما ينعكس على شكل المرحلة الانتقالية وطبيعة الأطراف السورية المشاركة بالعملية السياسية.

أما واشنطن فتدرك جيداً الدور التركي في سوريا، وتدعمه هذه المرة كنوع من إعادة ترتيب أدوار القوى الفاعلة هناك وبالأخص إيران وروسيا، وتضمن الإدارة الأمريكية الجديدة لجوء هيئة تحرير الشام لها، في حال الصراع على السلطة مع باقي الفصائل السورية، بجانب التزام الولايات المتحدة بمهمة مكافحة داعش في إطار دور التحالف الدولي.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية