كيف وظف خامنئي الهوية الوطنية في تعامله مع الغرب؟

كيف وظف خامنئي الهوية الوطنية في تعامله مع الغرب؟

كيف وظف خامنئي الهوية الوطنية في تعامله مع الغرب؟


24/06/2023

هدى رؤوف

تمثل إيران وتركيا نموذجاً جلياً لتوظيف الثقافة والهوية والأيديولوجية في السياسة الخارجية، وهو ما يجعل العنصر الثقافي مهماً في تحليل سلوك السياسة الخارجية لتلك الدول.

وتنبع أهمية الثقافة هنا ليس على مستوى نسج شبكة من العلاقات والصداقة والتبعية مع الدول والجماعات المتشابهة ثقافياً، وإنما تنبع أهميتها كذلك في أن هذه الدول لديها نماذج للسلوك يمكن القول إنها مصنعة وجاهزة مسبقة للاسترشاد بها واستخدامها كمبرر لسلوك السياسة الخارجية في لحظة زمنية معينة، وهو ما يتجلى في الحال الإيرانية بخاصة.

ويذكر أن دراسات تأثير الثقافة والهوية الوطنية في السياسة الخارجية لم تكن واضحة خلال التنافس بين القوى العظمى عندما تسمم النظام الدولي، في حين بدأت تتجلى الخصوصيات المحلية للدول في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأصبحت تشكل الهوية والثقافة الوطنية الدوافع والضرورات المحلية التي تبدو الآن أكثر أهمية في اعتبارات صنع السياسة الخارجية، سواء عند درس دول معينة دراسة قطرية أو مناطقية، لذا فهناك أهمية لدراسة الثقافة السياسية التي تعنى كل الخطابات والقيم، والقواعد الضمنية التي تعبر عن تشكل السلوك والنيات السياسية.

أولاً في الحال الإيرانية تمثل إيران نموذج توظيف الثقافة والأيديولوجية عبر مسارين، الأول لتبرير قرارات السياسة الخارجية التي تتخذها نخبة صنع القرار الإيراني، والثاني مرتبط بأهمية الأيديولوجية كأحد عوامل القوة الناعمة التي تسهل نسج علاقات قوية مع الدول والفاعلين من دون الدول، ويمكن من خلالها ممارسة الإقناع المعياري والقيمي.

وفي حال المسار الأول تقدم الثقافة لإيران نماذج مصنعة وجاهزة مسبقاً للعمل بها كسلوك في السياسة الخارجية، ومن ثم لا بد من دراسة وتحديد المعتقدات الأساس لصانع القرار، لأنها تثبت وجود أنماط للعمل والسلوك جاهزة للعمل بها داخل الدولة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.

وبالنظر إلى خطاب السياسة الخارجية الإيراني فإننا نجد توظيفاً إستراتيجياً للثقافة، ففي الخطابات المرتبطة بالملف النووي، وقبل عقد الاتفاق مع إدارة باراك أوباما عام 2015، كان الخطاب يميل نحو تطلعات إيران النووية وحقها، وكانت التلميحات المرتبطة بذلك ترتبط بحدثين مهمين ثقافياً وتاريخياً لإيران، وهما كربلاء ومجيء الإمام الـ 12، فتشير كربلاء إلى موقف الحسين البطولي ضد قوة متفوقة عليه حيث تم قتله، وبالتالي تستخدمها بمنطق أنها رسالة تحذيرية لهم كإيرانيين، وفي الوقت ذاته تشجيع على الوقوف أمام الهيمنة العالمية ومحاولة التفوق عليها.

أما مجيء الإمام الـ 12 فيمثل الاسترشاد به في الخطاب السياسي الإيراني كرمز للانتقام والعدالة، إذ بعودته سيمكن أتباعه من الانتصار على الأعداء.

وعند التعامل بتعنت في الملف النووي تستخدم النخبة الإيرانية الخطاب السياسي القائم على الاسترشاد بالحسين وأنه من المهم محاكاة نموذجه البطولي، وحينما أرادت إيران الدخول في مفاوضات عام 2012 مع الـ "ترويكا" الأوروبية والولايات المتحدة في شأن الملف النووي، تحدث المرشد الإيراني عن الحسن أخو الحسين والاسترشاد بكونه تفاوض في السابق مع أعدائه وعقد سلاماً بما مكن الإسلام من الانتصار، فقد أشار خامنئي إلى أنه كما كان استشهاد الحسين أمراً قيماً فإن سلام أخيه مع أعدائه كذلك، وكان ذلك تمهيداً وتبريراً للمفاوضات مع الغرب.

وقد كان ذلك حينها ضوءاً أخضر وإذناً من خامنئي لمن يدافعون عن حل وسط مع الغرب من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، أما عن استخدام الثقافة والأيديولوجية كأحد أدوات القوة الناعمة فهو جزء لا يتجزأ من إستراتيجية إيران لنسج علاقات مع الأنظمة الأخرى والجماعات المتوافقة أيديولوجياً حتى تحظى بقدر من القبول، ولخلق جاذبية للنموذج السياسي الإيراني، وهو ما اتضح في حالات كثيرة داخل دول المنطقة ومحاولتها الاعتماد على نموذج ممثل الشيعة في العالم.

ثانياً في الحال التركية تتضح كأحد نماذج درس تأثير الثقافة السياسية في السياسة الخارجية لدول تجاه منطقة، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي ظهرت نبرة في تركيا عملت على صياغة ما يسمى رؤية "العالم التركي" الذي يعني الوحدة الثقافية، سواء بالمعنى الاقتصادي أو السياسي بين أولئك الذين يتحدثون اللغة التركية عبر أوراسيا، وأصبح المفهوم يكتسب مكانة بين النخبة السياسية التركية، وقد أدى هذا إلى إضفاء الطابع المؤسسي على سياسات الحكومة التركية، ومن ذلك حزم التعاون والمساعدات بين تركيا ودول مثل تركمانستان وأوزبكستان وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان، وحتى الوصول إلى السكان من دون القوميات في البلقان والقوقاز من خلال المؤتمرات التركية، ومن ثم أصبحت الفكرة الثقافية نقطة محورية لإعادة تموضع السياسة الخارجية التركية في منطقة أوراسيا.

عن "اندبندنت عربية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية