كيف نقرأ موقف حماس من الضربة الإسرائيلية للجهاد الإسلامي؟

كيف نقرأ موقف حماس من الضربة الإسرائيلية للجهاد الإسلامي؟


17/08/2022

أثار امتناع حركة حماس عن المشاركة في التصدي للعملية الإسرائيلية التي استهدفت حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة مؤخراً جملة من التساؤلات حول أسباب هذا الموقف من قبل حماس، وفيما إذا كان مرتبطاً بتحقيق أهداف تكتيكية تتعلق بقراءة وتقدير موقف أنّ الظروف في القطاع وفي الضفة الغربية، إضافة إلى السياقات الإقليمية والدولية، غير مواتية وتختلف عن سياقات عمليات "سيف القدس" التي خاضت فيها حركة حماس حرباً طاحنة مع إسرائيل، كان عنوانها إثبات قدرتها على شنّ ضربات صاروخية ضد العديد من الأهداف في العمق الإسرائيلي، أم أنّ هناك بوادر لتغيير إستراتيجي عميق لدى حركة حماس؟

 ويبدو أنّ هناك مصفوفة تشمل مساحات واسعة في الإجابة عن هذه التساؤلات، قاسمها المشترك أنّها تنطلق من مواقف سابقة على هذه الحرب تجاه الأطراف الفاعلة فيها، وهو ما يفسر تلك المواقف التي تبرر موقف حماس، أو تكيل لها الاتهامات بانتهاج سياسات براغماتية جديدة، تضمن استمرار سيطرتها على قطاع غزة، ونديتها للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، وأنّها تركت حركة الجهاد الإسلامي فريسة لضربات إسرائيلية موجعة، يتردد أنّها أصابت "البنية" العسكرية والتنظيمية لقيادات وكوادر الجهاد الإسلامي في غزة.

موقف حماس قوبل بردود فعل إيجابية من قبل تل أبيب وواشنطن، وبهذا الموقف قدّمت الحركة نفسها بوصفها قيادة سياسية يمكن بناء تفاهمات مستقبلية بينها وبين إسرائيل

لا شكّ أنّ قيادة حماس سجلت موقفاً عقلانياً، رغم أنّه لا يخرج عن براغماتية أصبحت مبررة ومقبولة في خضم تجاذبات "محلية وإقليمية ودولية" تشهدها ملفات المنطقة، فهي تدرك أنّ الضربة محدودة جداً، وكان واضحاً أنّها تلقت رسائل إسرائيلية واضحة تم الإعلان عنها أنّ العملية لا تستهدف حماس أو كتائب القسام، وبالتزامن تدرك حماس أنّ العملية مرتبطة بسياق الانتخابات الإسرائيلية، هذا السياق تعرفه حماس جيداً، وسبق أن وظّفته ضد أحزاب إسرائيلية في أواسط التسعينيات، عبر العمليات الانتحارية، وهو ما يعني أنّها بموقفها تسهم في جهود مبذولة في المنطقة للحيلولة دون عودة نتنياهو واليمين المتطرف إلى الحكم، وتسهيل مهمة منافسيه ممّن هم أقلّ تشدداً .

 لا شكّ أنّ أوضاع حماس قد تغيرت بعد عملية سيف القدس العام الماضي، فقد حققت نتائج لصالحها ولأهالي قطاع غزة، عبر الوساطة المصرية، فعلى صعيد قطاع غزة نجحت في تخفيف انقطاعات الكهرباء وزيادة أعداد تصاريح العمل للغزيين في إسرائيل، وتتواصل مفاوضاتها مع إسرائيل بخصوص تبادل الأسرى، في الوقت الذي بدأت تظهر فيه أفكار جدّية حول إعادة إعمار قطاع غزة، وتخفيف حدة وتداعيات الحصار، وعلى صعيد التحولات الإقليمية، فقدت حماس عملياً الدعم التركي وساحات دعم في السودان وليبيا، وأصبح تحالفها مع القيادة الإيرانية موضع تساؤل في المستويات القيادية داخل الحركة وأمام جماهيرها، مع ثبوت استخدام إيران لحماس والجهاد الإسلامي ورقة تفاوضية تخدم متطلبات القيادة الإيرانية وإستراتيجياتها في المنطقة، ومع ذلك، فإنّ العلاقة مع طهران لم تصل بعد إلى اتخاذ مواقف حاسمة، ومن المرجح أن تبقى طهران عنواناً من عناوين تحالفات حماس الإقليمية ، إلى حين اتضاح صورة ما بعد الاتفاق النووي.

 إنّ السياقات المذكورة في حسابات قيادة حماس، إضافة إلى أسباب أخرى، من بينها طبيعة العلاقة التنافسية مع الجهاد الإسلامي، إضافة إلى تقدير موقف يتضمن بعدم جاهزية الضفة الغربية وعرب الـ 48 للتضامن مع حرب تقع على قطاع غزة، على غرار الصورة الوحدوية التي تجلت في معركة "سيف القدس"، كلها أسباب دفعت بحماس لاتخاذ هذا الموقف وعنوانه الدفاع عن أهالي غزة على المستوى الإعلامي، بتحميل الاحتلال مسؤولية قتل الأطفال وضرب البنى التحتية للقطاع، دون أن يترافق ذلك مع فعل عسكري بالمشاركة مع الجهاد في خوض هذه الحرب وإطلاق الصواريخ على أهداف في العمق الإسرائيلي.

 (3) عواصم عربية يتردد أنّها نجحت في إقناع قيادة حركة حماس وعبر اتصالات مكثفة معها بضبط ردود فعلها وعدم المشاركة في هذه المعركة، وهي: القاهرة والدوحة وعمّان

(3) عواصم عربية يتردد أنّها نجحت في إقناع قيادة حركة حماس، وعبر اتصالات مكثفة معها، بضبط ردود فعلها، وعدم المشاركة في هذه المعركة، وهي: القاهرة والدوحة وعمّان، وكان واضحاً الدور المركزي الذي لعبته القاهرة عبر الاستخبارات المصرية، في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والجهاد الإسلامي.

موقف حماس هذا قوبل بردود فعل "إيجابية" من قبل تل أبيب وواشنطن، وحماس بهذا الموقف قدّمت نفسها بوصفها قيادة سياسية يمكن بناء تفاهمات مستقبلية بينها وبين إسرائيل، قد لا تصل لما هي عليه مضامين العلاقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في الضفة الغربية، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كانت حماس بصدد تحولات إستراتيجية، من المؤكد أنّ الشهور القليلة المقبلة ستكشف عنها، وهل سنكون أمام صورة أخرى لتحولات على غرار حركة طالبان؟

 

مواضيع ذات صلة:

حماس عندما تطلب الدعم ولو من الصين

-  "بدنا نعيش": قطاع غزة ينتفض احتجاجاً في وجه "حماس"

حماس تركيّة في لبنان: خطر حقيقي أم زوبعة في فنجان؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية