كيف ستؤثر عقوبات قيصر على سوريا؟

كيف ستؤثر عقوبات قيصر على سوريا؟


02/07/2020

تثير العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، والتي تم البدء بتنفيذها منذ السابع عشر من حزيران (يونيو) الماضي تحت عنوان "قانون قيصر"، جملة من التساؤلات حول جدواها وإمكانيات تحقيق أهدافها المتمثلة بـ"عزل" الحكومة السورية وممارسة مزيد من الضغوط عليها وعلى حلفائها، خاصة أنّ هذا الهدف "العزل" متحقق إلى حد كبير في الإطار العربي والإطارين؛ الدولي والإقليمي، رغم الاعتراف المنقوص بشرعية الحكومة السورية؛ إذ أصبحت علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل لا تسبّب حرجاً لتلك الدول بالقدر الذي تسببه علاقاتها مع القيادة السورية.

العقوبات تستهدف القيادة والحكومة السورية وحليفي النظام السوري الرئيسيين؛ إيران وروسيا الواقعتان أصلاً تحت عقوبات أمريكية متفاوتة منذ أعوام

عقوبات "قيصر" تستهدف القيادة والحكومة السورية، وحليفي النظام السوري الرئيسيين، وهما؛ إيران وروسيا الواقعتان أصلاً تحت عقوبات أمريكية متفاوتة منذ أعوام، ولا يعني ذلك تخفيف أثر هذه العقوبات أو التقليل من تداعياتها اللاحقة، وخاصة أنّها تشمل مفاصل اقتصادية مهمة كالبنك المركزي السوري وقطاع النفط والوجود الإيراني في سوريا، خاصة في الجانب الاقتصادي، وتحديداً في مشاريع ما يُعرف بإعادة إعمار سوريا، والتنافس بين قوى دولية للفوز بعقود إعادة الإعمار، وهو ما يعني توقف كل هذه الأنشطة في ظل "قيصر".

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى قانون قيصر الذي صادقت عليه أمريكا

وربما كان في انهيار الليرة السورية مقابل صرف الدولار قبيل تطبيق العقوبات الجديدة ومظاهر الانهيار الاقتصادي الشامل في سورية ما يؤكد حقيقة الأثر الكبير لتلك العقوبات على اقتصاد متهالك يعاني منذ 9 أعوام، لكنّ تلك التداعيات تطرح تساؤلات حول ردة فعل القيادة السورية عليها والتعامل معها ومحاولة احتوائها، بما فيها مواقف الداعمين للاقتصاد السوري، والشكوك الناشئة على خلفية تعامل الرئيس الأسد مع أقرب المقربين منه وأبرز داعميه وهو ابن خاله "رامي مخلوف" صاحب اليد الضاربة أمنياً واقتصادياً، هذا التعامل مع مخلوف، وأصابع الاتهام التي تشير إلى أنه بمرجعية وإشراف من قبل روسيا، لا شك سيزيد قناعات إيرانية بأنّها المستهدفة من هذه العقوبات وبتواطؤ مع روسيا.

اقرأ أيضاً: ما هو "قانون قيصر".. وكيف يسهم في إضعاف نظام الأسد؟

لعل السؤال المطروح فيما إذا كانت أمريكا تهدف من "قانون قيصر" إلى إسقاط النظام السوري أو تعديل سلوكه، على غرار المقاربة الأمريكية المطروحة أمريكياً تجاه القيادة الإيرانية، والواضح أنّ أمريكا، منذ عام 2014 عندما هدّد الرئيس "أوباما" على خلفية الكيماوي السوري بإسقاط النظام، ثمّ التراجع عن ذلك في إطار الاتفاق مع روسيا على تدمير الأسلحة الكيماوية السورية، لا تهدف لإسقاط النظام السوري "في ظلّ فقر سلة خيارات البدائل"، وإنما إضعافه لأبعد حد، في إطار توافق دولي تحقق على هذا الهدف، تمّ إنجازه بين واشنطن وموسكو وعواصم أوروبية فاعلة، وهو التوافق نفسه الذي تمّ إنجازه عام 2003 باختلاف بعض اللاعبين بإسقاط النظام العراقي، بمعنى أنّ إسقاط النظم في المنطقة وتغييرها لا يتمّ إلا بتوافقات دولية "براغماتية"، وليس بثورات شعبية محلية مهما كانت قوتها، هذا مع ملاحظة أن قانون قيصر لم يتضمن أيّ إشارة تدل على نوايا أمريكية لإسقاط النظام السوري، بل جاء على قرار المقاربة الأمريكية تجاه النظام الإيراني بأنّ هدفه "تعديل سلوك النظام"، تلك العبارة التي تسير إلى شروط بالانخراط في فلك السياسة الأمريكية وليس ضدها.

المرجّح أن تسهم عقوبات قانون قيصر في إضعاف النظام السوري، لكنها لن تكون سبباً في إسقاطه

قانون قيصر يفتح الباب على مصراعيه، ليس على أخلاقية العقوبات الاقتصادية، بل على قدرة تلك العقوبات على تحقيق أهدافها، والمرجح أنّ تلك العقوبات لن تسقط النظام السوري، فالعقوبات الأمريكية لم تسقط نظام أيّ دولة فرضت عليها، بدءاً من الجارة كوبا مروراً بكوريا الشمالية والعراق وإيران وانتهاءً بسوريا، لكنها تطرح تساؤلات حول تداعيات تلك العقوبات على الشعوب، والمساعدات الإنسانية التي تُقدّم للّلاجئين والنازحين، وأثرها على اقتصاديات الدول المجاورة للدولة المستهدفة كالأردن ولبنان في الحالة السورية.

اقرأ أيضاً: أبرز 10 تأثيرات لقانون قيصر على النظام السوري وإيران وروسيا

وفي الخلاصة، فإنّ المرجّح أن تسهم هذه العقوبات في إضعاف النظام السوري، لكنها لن تكون سبباً في إسقاطه، بافتراض أنّ الإسقاط هو الهدف النهائي للعقوبات، فقد تمكّن النظام السوري من التعايش مع قانون "محاسبة سورية"، وتمكّن من الصمود بدعم إيراني روسي منذ عام 2011 إلا أنّه اليوم أضعف ممّا كان عليه عام 2011، لكنّ هذا لا ينفي أنّ تلك العقوبات ستبقى في سياقات التفاوض بين موسكو وواشنطن للوصول إلى الحل النهائي في سوريا، وفق حسابات تشكّل فيها سوريا إحدى الأوراق التفاوضية للجانبين، والمؤكد أنّ موسكو التي تعمل جاهدة للإمساك بالورقة السورية تواجه عقبات تمثلها الطموحات الإيرانية والتركية، غير أنّها تبقى الطرف الأقدر على استثمار الورقة السورية والتفاهم مع واشنطن بخصوصها، وهو ما تدركه إيران وتركيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية