ما هو "قانون قيصر".. وكيف يسهم في إضعاف نظام الأسد؟

ما هو "قانون قيصر".. وكيف يسهم في إضعاف نظام الأسد؟


02/06/2020

يحبس النظام السوري وداعموه، أنفاسهم مع قرب سريان "قانون قيصر"، الذي أُقره مجلس النواب الأمريكي بتاريخ 22 كانون الثاني (يناير) 2019، بهدف حماية المدنيين السوريين وإنهاء الصراع القائم في سوريا، من خلال تعزيز مساءلة نظام الأسد وفرض عقوبات جديدة عليه وعلى حلفائه سواء الدول والكيانات أو الأشخاص.

أُطلق اسم قيصر على القانون نسبة إلى مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية تمكّن من الهرب من سوريا وبحوزته صور تثبت جرائم نظام الأسد

ووفق المبعوث الأمريكي إلى سوريا، جيمس جيفري، سيسري العمل بالقانون الذي أدرج في موازنة الدفاع الأمريكية لعام 2020، في منتصف شهر حزيران (يونيو) الجاري، لتتم من خلاله ملاحقة الأفراد والمجموعات التي تتعامل مع نظام الأسد، وأهمها روسيا وإيران.
وفي هذا السياق، قال المدير التنفيذي لفريق عمل  المنظمة الأمريكية غير الحكومية "سوريا للطوارئ" والعضو في فريق "قانون قيصر"، معاذ مصطفى، في تصريحات صحفية، إنّ "خطوات القانون سيتم تطبيقها بشكل تدريجي، ابتداء من 17 حزيران (يونيو) القادم".
فما هو قانون قيصر؟
أطلق اسم "قيصر" على هذا القانون نسبة إلى مصور سابق في الشرطة العسكرية السورية يُعرف باسم مستعار هو "قيصر"، الذي تمكّن من الهرب من سوريا في صيف عام 2013 وبحوزته ما يزيد عن 55 ألف صورة، تتضمن صوراً لجثث تحمل آثار التعذيب، حيث عُرضت تلك الصور في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأثارت ردود فعل عالمية غاضبة، وفق ما أورد موقع "بي بي سي".

 

 

 

ويفرض القانون عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد، ويلاحق الدول والأفراد والشركات التي تموّل نظامه سواء كانوا سوريين أو أجانب، كما يسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن استهدافه المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سوريا، كما يسمح القانون بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارها في دعم نظام الأسد.

اقرأ أيضاً: 7 تطورات ومفاجآت تعيد سوريا إلى الواجهة
ويُمكّن القانون، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من فرض عقوبات متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان على المسؤولين السوريين، بدءاً من الرئيس السوري ورئيس الوزراء ونائبه، مروراً بقادة القوات المسلحة البرية والبحرية ومسؤولي الاستخبارات، ووصولاً إلى المسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، وقادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام ورؤساء الفروع الأمنية كافّة، بالإضافة إلى كل من يثبت تعامله ودعمه لهم.

يُمكّن قانون قيصر الرئيس الأمريكي من فرض عقوبات متعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان على المسؤولين السوريين

روسيا وإيران.. أول المستهدفين
يستهدف قانون قيصر أركان نظام الأسد بشكل أساسي، إلا أنه أيضاً يضع داعمي النظام الإيرانيين والروس، وأي شخص أو جهة، أو دولة تتعامل معه، وتدعم عملياته العسكرية في مواجهة مباشرة مع العقوبات الأمريكية، خصوصاً وأنه يصاحب حملة ضغط شديدة ضد إيران وسياستها في المنطقة.
ويفرض القانون عقوبات على أي حكومة أو كيان يُسهّل صيانة أو توسيع إنتاج الحكومة السورية المحلي للغاز الطبيعي و"البتروليوم" ومشتقاته، وهو استهداف للشركات الروسية والإيرانية الخاصّة التي تحاول استغلال الحرب للسيطرة على موارد سوريا الطبيعية وبنيتها التحتية.

 

 

كما ستكون المؤسسات الروسية والإيرانية عرضة للعقوبات، ابتداء من الجيش وقيادته وصولاً إلى منتجي الأسلحة ورجال الأعمال والمقاولين العسكريين الخاصين وصناع الطاقة، لذلك يبدو أنّ هذا التشريع الجديد مُهيأ للتسبب في المزيد من الاختناق للنظام السوري وعزله عن النظام العالمي وتوسيع قدرة أمريكا على معاقبة نظام الأسد وكل المنخرطين في تقديم الدعم الذي يسمح له بمواصلة عملياته ضد المعارضة.

اقرأ أيضاً: ما دلالات الانسحاب "التكتيكي" للميليشيات الإيرانية من سوريا؟
وفي هذا السياق، أضاف مصطفى أنّ "القانون يُشكّل بداية نهاية النظام، ومن شأنه إنهاء نشوة ما يعتقد النظام وحلفاؤه أنّه انتصار عسكري"، وتابع؛ "القانون سيحول الانتصار– كما تعتقد الأطراف الداعمة للنظام- إلى خسارة فادحة".
علاوة على ذلك، فإنّ قانون قيصر سيوفر لإدارة ترامب الصلاحيات لمعاقبة الحلفاء أو الكيانات الأمريكية الموجودة داخل الدول المتحالفة والذين مضوا قدماً في التعامل والانخراط مع نظام الأسد أو الاقتصاد السوري.

القانون يُجهض آمال إيران في إعادة إعمار سوريا

يستهدف قانون قيصر أركان نظام الأسد بشكل أساسي إلا أنه يستهدف داعمي النظام من الإيرانيين والروس أيضاً

لا تنظر إيران إلى المكاسب الاقتصادية من إعادة الإعمار في سوريا فحسب، بل أيضاً إلى حجز دور ومكتسبات سياسية في مستقبل سوريا والمنطقة، حيث تحاول طهران، انطلاقاً من المصالح المشتركة بينها وبين حليفها السوري، ممارسة شتى أنواع الضغوطات على الأخير نتيجة حاجته إلى وجود قوات إيرانية على الأرض، لشرعنة وجوده وتعزيز قواته الميدانية؛ إذ يسعى النظام الإيراني إلى فرض وجوده شريكاً أساسياً في تقاسم المصالح بعد انتهاء الحرب، لاستكمال دوره في المجالين؛ السياسي والعسكري في المنطقة.
وتسعى إيران إلى رسم خريطة طريق للمنطقة، تبدأ بالتغيير "الديموغرافي"، الذي اتبعه في القصير والقلمون السوريتين، حيث هجّرتْ سكانها الأصليين وأتت بسكان آخرين استوطنوا هاتين القريتين من أجل بناء قاعدة شعبية ومناصرين إضافيين للنظام السوري.
لكنّ قانون قيصر الجديد يقطع الطريق على مخططات طهران وأهدافها، إذ ستواجه الحكومة والقطاع الخاص في إيران عقوبات أمريكية جديدة، حال استمرار انخراطها في دعم نظام الأسد.

اقرأ أيضاً: تركيا تنتقل إلى الاحتلال المباشر في سوريا بعد نقل كافة الفصائل الموالية لها إلى ليبيا
 

خطوات روسية استباقية
تحاول روسيا استباق سريان قانون قيصر من خلال اتخاذ خطوات استباقية على الأرض، وفي مقدمتها إعادة افتتاح الطرق الدولية التي تربط مناطق سيطرة النظام بالمعارضة وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"؛ فقد أكّدت وسائل إعلام محسوبة على النظام السوري افتتاح الطريق الدولي (M4)، الذي يربط محافظات الرقة والحسكة بحلب، أمام حركة المرور؛ إذ شهد الطريق خلال اليومين الماضيين مرور أول قافلة مدنية منذ شروع تركيا في عملياتها العام الماضي.
ويمتد الطريق الدولي (M4) من مدينة اللاذقية غرباً ويمر بإدلب، ويندمج بالطريق الدولي (M5) عند عقدة سراقب إلى مدينة حلب، ومن ثم يتجه شرقاً إلى مدينة الباب، ومنها إلى منبج والرقة والحسكة، وصولاً إلى الحدود العراقية شرقاً، حيث تتطلع روسيا إلى الاستفادة من علاقتها بتركيا، لتجعل الطرق الدولية سالكة، وتحديداً في الأجزاء المارة بإدلب، وكذلك بالأجزاء المحاذية لمنطقة ما يسمى "نبع السلام" في ريفي الحسكة والرقة.

 

 

كما اتخذت روسيا خطوات جديدة على الأرض في الملف السوري، حيث كشفت مصادر روسية عن قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بترقية سفير موسكو لدى النظام السوري، ألكسندر يفيموف، إلى ممثل رئاسي خاص لتطوير العلاقات مع سوريا.
ووفق ما أوردته قناة "روسيا اليوم"، أصدر بوتين الإثنين، مرسوماً بتعيين يفيموف، السفير الروسي فوق العادة والمفوض لدى النظام السوري، ممثلاً خاصاً للرئيس الروسي لتطوير العلاقات، الأمر الذي أثار الجدل في الأوساط السورية حول دلالات وأبعاد القرار الروسي، الذي اعتبره البعض إشارة لعدم ثقة بوتين بالأسد في متابعة ملف العقوبات الجديدة.

اقرأ أيضاً: عين على الميدان.. خريطة التنظيمات المُسلحة في سوريا
 

ضربة قوية للاقتصاد السوري
يرى العديد من الخبراء والمتابعين للشأن السوري أنّ تبعات "قانون قيصر" ستطال الاقتصاد السوري وتُعمّق أزماته بشكلٍ كبير، حيث يعاني الاقتصاد السوري أصلاً من أزمات كبيرة وغير مسبوقة، كانهيار الناتج المحلي الإجمالي، وانهيار الليرة وتدمير البنى التحتية بفعل الحرب؛ إذ يهدف القانون إلى ثني الشركات والأفراد عن الاستثمار في سوريا، والمشاركة في جهود إعادة الإعمار التي تقودها الحكومة السورية.
وبحسب نص القانون، ستُفرض هذه العقوبات على أي شركة عالمية أو فرد يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران، وكل من يزوّد الخطوط الجويّة السورية بقطع غيار وصيانة، إضافة إلى كل من يقدم ديوناً للنظام، كما ستشمل العقوبات مصرف سوريا المركزي.
وبحسب ما قاله مصدر في الكونغرس لصحيفة "الشرق الأوسط"؛ فإنّ الإدارة الأمريكية تعمدت إيصال رسائل شفهية وتهديدات مبطنة للدول الأوروبية والعربية لحثّها على عدم فتح قنوات دبلوماسية مع سوريا، وذلك بهدف ثنيها عن الاستثمار في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، لهذا فقد كان هدف القانون الأساسي ترجمة تهديدات الإدارة الأمريكية بطريقة ملموسة، وتوفير الدعم لها في مساعيها، من خلال فرض عقوبات اقتصاديّة وماليّة على الدول والأفراد الذين يسعون للانخراط في جهود إعادة الإعمار.

تعمدت الإدارة الأمريكية إيصال رسائل وتهديدات مُبطنة للدول الأوروبية والعربية لحثّها على عدم فتح قنوات دبلوماسية مع سوريا

ويقول معاذ مصطفى: "القانون لن يستثني أي جهة تتعامل مع النظام، والأهم أنّ قائمة الشخصيات والجهات المشمولة ستكون قابلة للتحديث؛ فمن الواضح أنّ هناك شخصيات وشركات وغيرها ستضاف إلى القائمة، علماّ بأنّ الحقيبة الأولى من العقوبات لم تُذكر حتّى الآن".
ماذا عن المدنيين؟
رغم الادعاء بأنّ القانون قد صُمم خصيصاً لحماية المدنيين في سوريا، وإجبار النظام على إطلاق سراح المعتقلين، إلا أنّ التبعات السلبية للقانون ستطال المدنيين، بسبب ما يواجهه الاقتصاد السوري من أزمات؛ إذ يسود اعتقاد بأنّ تبعات "قانون قيصر" ستطال الكثير من المواطنين، لا سيما من ذوي الدخل المحدود.
وفي هذا السياق، يقول أسعد حنا، العضو الآخر في فريقي "سوريا للطوارئ" و"قانون قيصر"؛ إنّ "القانون يضغط بالدرجة الأولى على النظام وعلى الدول الداعمة له لإطلاق سراح المعتقلين، حيث إنّ النظام لم يستجب لكل المبادرات والدعوات التي تطالبه بإطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين في سجونه، ومن هنا جاء القانون لحل هذه المعضلة، من خلال زيادة الضغط على النظام".
وأضاف حنا، في تصريحات صحفية، "لكن ما سبق، لا يعني أنّ تأثيرات القانون لن تشمل المدنيين، والسبب في ذلك أنّ النظام السوري هو عبارة عن عصابة، ومن غير المستبعد أن تعمل على تحميل الشعب تبعات القانون الاقتصادية، وذلك لإظهار أنّ القانون يستهدف المدنيين".
بدوره، أكّد معاذ مصطفى أنّ القانون يستثني الدعم الإنساني والدعم الإغاثي والطبي للشعب السوري، قائلاً: "القانون يستهدف بالدرجة الأولى طبقة رجال الأعمال التي تحصلت على الثروة من خلال علاقاتها مع النظام".

 

 

 

من جانبه، أكّد المرصد السوري لحقوق الإنسان أهمية إقرار "قانون قيصر" وبدء تطبيقه، وأمله في أن يكون وسيلة لخنق النظام السوري وإجباره على وقف عمليات التعذيب المستمرة في حق المدنيين السوريين، لكنه أعرب عن قلقه من أن يلحق التطبيق ضرراً بأبناء الشعب السوري، إذ إنه قد "يُصعّد من المأساة والكارثة الإنسانية التي يعيشها المواطن السوري في ظل انهيار الاقتصاد والتراجع التاريخي بقيمة الليرة السورية".
وأضاف المرصد "نأمل ألّا ينقلب القانون كذريعة تخدم مصلحة النظام السوري، وأن يساعد القانون بالانتقال بسورية نحو العدالة والمساواة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّه منذ الإعلان عن القانون توفي 86 مدنياً سورياً تحت التعذيب.

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية