كيف توظف طالبان الأزمات الإنسانية لفك "الحصار المالي"؟

كيف توظف طالبان الأزمات الإنسانية لفك "الحصار المالي"؟


05/07/2022

لا تترك حركة طالبان، منذ وصولها إلى الحكم في أفغانستان في آب (أغسطس) الماضي، مناسبة سياسية أو أزمة إنسانية إلا وتحاول استغلالها للحديث عن تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وفك الحصار المالي عن الحركة، وكان آخر تلك المحاولات ما شهده الأسبوع الماضي من مطالب مكثفة من جانب الحركة لتسييل أموالها في البنوك تزامناً مع الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد قبل نحو أسبوعين.

وقد أجرت الولايات المتحدة مع طالبان مباحثات مكثفة الخميس (30) حزيران (يونيو) الماضي في قطر بناء على طلب الأولى، وذلك لمناقشة سبل الإفراج عن بعض احتياطات أفغانستان المجمدة بعد زلزال مدمر ضرب البلاد، بحسب ما أعلن مسؤولون، بينما تسعى واشنطن لإيجاد طرق لضمان استخدام الأموال لمساعدة السكان.

وقال البيت الأبيض، بحسب ما نقلته صحيفة "الإندبندنت" عربية: إنّه يعمل "بشكل عاجل" لتحقيق ذلك، بينما أكد عضو في مجلس إدارة البنك المركزي الأفغاني أنّ هذا الأمر قد يستغرق وقتاً لتحقيقه، وأعلن المتحدث باسم وزارة خارجية "طالبان" حافظ ضياء أحمد أنّ وزير خارجية الحركة أمير خان متقي وصل إلى الدوحة برفقة مسؤولين في وزارة المالية ومسؤولين من البنك المركزي لإجراء المحادثات.

وكانت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير قالت نهاية الأسبوع الماضي: إنّ الجهود مستمرة في سبيل "تحريك هذه الأموال" من الاحتياطات المجمدة، بحسب "فرانس 24".

وأكدت جان بيير للصحفيين: "نحن نعمل بشكل عاجل لمعالجة الأسئلة المعقدة حول استخدام هذه الأموال للتأكد من استفادة شعب أفغانستان منها وليس طالبان".

إفراج محدود ومراقب

من جانبه، قال عضو المجلس الأعلى في البنك المركزي الأفغاني شاه محرابي، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية: إنّ المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة تستهدف رفع القيود عن بعض الأموال بهدف مساعدة المنكوبين جراء أزمة الزلزال، مشيراً إلى أنّه "لم يتم حتى الآن الاتفاق على الآلية التي سيتم بها تحويل الاحتياطات النقدية إلى البنك المركزي الأفغاني"، موضحاً أنّ العملية ستستغرق بعض الوقت، ولا تحدث بين عشية وضحاها"، رغم الاحتياج الإنساني لإنجاز المهمة في أقرب وقت.  

 أجرت الولايات المتحدة مع طالبان مباحثات مكثفة الخميس (30) حزيران (يونيو) الماضي في قطر بناء على طلب الأولى

واقترح محرابي "إفراجاً محدوداً ومراقباً للاحتياطات" بمبلغ (150) مليون دولار شهرياً لسداد قيمة الواردات.

وبحسب تصريحات محرابي، التي نقلتها عدة منصات عربية عن الوكالة الفرنسية، "سيساعد هذا القرار في تحقيق استقرار الأسعار، ويساعد في تلبية احتياجات الأفغان العاديين ليتمكنوا من شراء الخبز وزيت الطبخ والسكر والوقود" ممّا يخفف معاناة العائلات التي تواجه تضخماً مرتفعاً.

وأكد أنّ استخدام هذه الأموال "يمكن مراقبته والتدقيق فيه بشكل مستقل من قبل شركات تدقيق خارجية، مع خيار لإنهائه في حال سوء استخدامها".

 

كريم العمدة: الوضع الاقتصادي في أفغانستان وصل إلى انهيار غير مسبوق، ونتوقع إفراجاً مشروطاً ومراقباً لجزء من الأموال المجمدة لمساعدة منكوبي الزلزال

 

وتركز المباحثات الجارية بين الولايات المتحدة وطالبان في الوقت الراهن حول مبلغ (3.5) مليارات دولار من الاحتياطات المجمدة، وهو نصف المبلغ الذي قامت الولايات المتحدة بتجميده.

وتعاني أفغانستان من أزمة اقتصادية بعدما جمدت دول مختلفة أصولها المودعة في الخارج، وقطعت عنها المساعدات، بينما انهارت العملة، تزامناً مع استيلاء الحركة على الحكم منذ آب (أغسطس) الماضي.

وضرب زلزال عنيف مؤخراً أفغانستان بلغت شدته (9,5) درجات على مقياس ريختر شرق أفغانستان، وأودى بحياة أكثر من (1000) شخص، وترك عشرات الآلاف دون مأوى، بحسب تقرير نشرته صحيفة الشرق الأوسط.

ما حجم أموال أفغانستان المجمدة؟

يمتلك البنك المركزي الأفغاني أصولاً إجمالية تبلغ أكثر من (10) مليارات دولار، بما في ذلك (1،3) مليار دولار احتياطيات من الذهب و(362) مليون دولار من العملات الأجنبية، وفق إحصاءات رسمية أفغانية، نقلها موقع "يورو نيوز".

وجرت العادة أن تودع البنوك المركزية في بعض الدول، وخاصة النامية منها، أصولها في الخارج، وفي مؤسسات مثل البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك أو بنك إنجلترا.

وبحسب البيانات الرسمية الأخيرة، يحتفظ فيدرالي نيويورك في خزائنه بحلول نهاية عام 2020 بسبائك ذهب تعود لأفغانستان بقيمة (1.32) مليار دولار.

هل تفرج عنها الولايات المتحدة؟

من جانبه يرى أستاذ الاقتصاد السياسي كريم العمدة أنّ حركة طالبان ستعمل بشكل مكثف خلال الوقت الراهن لتوظيف الأزمة الإنسانية في البلاد، والناجمة عن تداعيات كثيرة منها الزلزال، يضاف إليه حالة التدهور الشاملة منذ وصول الحركة للحكم، وما تبعه من قرارات بتجميد أصول مالية ومساعدات كانت تصل إلى أفغانستان على مدار الـ20 عاماً الماضية.

تعاني أفغانستان من أزمة اقتصادية بعدما جمدت دول مختلفة أصولها المودعة في الخارج

وفي تصريح لـ"حفريات" يقول العمدة: إنّ تجميد الأصول المالية في البنوك الدولية، مع فرض عقوبات اقتصادية صارمة على الحركة من جانب عدد كبير من الدول وقطع العلاقات التجارية معها، جعلها تعيش في وضع "مخنوق للغاية" فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي.

مشيراً إلى أنّ هناك شللاً لحركة الإنتاج أيضاً؛ بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني، والتخبط الواضح فيما يتعلق بسياسات الحركة العامة وآلية عمل حكومتها التي لم تستقر حتى اليوم، وكلّ هذه الأمور أدت بالطبع إلى زيادة نسب الفقر وتدهور مستوى الخدمات نهائياً، لذلك تأثرت البلاد بشكل كبير بكارثة الزلزال الأخيرة.

 

العمدة: المجتمع الدولي يخشى تقديم مساعدات لأفغانستان يتم استغلالها على نحو خاطئ من جانب حكومة طالبان

 

ويشير العمدة إلى أنّ الظرف الراهن، الناتج عن تداعيات الكارثة الإنسانية للزلزال، يمكن أن تعتبره طالبان فرصة ذهبية، لطرق الأبواب مجدداً للإفراج عن أصولها المجمدة خاصة لدى الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تستجيب واشنطن لهذه المطالب في وقت قريب، وربما تشهد الأيام المقبلة، بحسب العمدة، عودة تدريجية للمساعدات الإنسانية من أجل منكوبي الزلزال.

وحول إمكانية الإفراج عن الأموال المحتجزة أو جزء منها، بغرض إنقاذ الوضع الإنساني داخل أفغانستان، يرى العمدة أنّ المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة والدول التي لم تعترف بشرعية حكومة طالبان، لديها تخوفات من استغلال هذه الأموال لصالح الحركة وعدم وصولها إلى مستحقيها في حال الإفراج عنها، لذلك يتم في الوقت الراهن دراسة فك الحظر عن جزء منها مع تعيين رقابة دولية لتتبع أوجه الإنفاق.

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات من تصاعد خطر "داعش خراسان" في أفغانستان.. وهذا موقف "طالبان"

روسيا تلوّح بالاعتراف بحكومة طالبان.. لماذا الآن؟

التحول في أفغانستان والحسابات الروسية... لماذا تقبلت موسكو حكم طالبان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية