كيف تهدّد منصات التواصل الاجتماعي ديمقراطية أردوغان؟

كيف تهدّد منصات التواصل الاجتماعي ديمقراطية أردوغان؟


18/12/2021

بينما تسعى الحكومة التركية إلى تدشين قانون جديد لفرض قيود على منصات التواصل الاجتماعي، ضمن إستراتيجيتها المستمرة منذ سنوات، تحديداً في أعقاب تحويل نظام الحكم في البلاد من البرلماني إلى الرئاسي، يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان أردوغان، حملته العنيفة ضد شركات وسائل التواصل الاجتماعي، وقد وصفها بأنّها أحد "أسوأ التهديدات أمام الديمقراطية".

تشريع جديد لتقييد الحريات بتركيا

اللافت أنّ نبرة الرئيس التركي التي لم تخلُ من حدة وعدائية واضحتين ومباشرتين، تتزامنان وشروع حكومته في إصدار قانون يجرم نشر الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة عبر المواقع الالكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، حسبما أعلن أردوغان في مؤتمر الاتصالات، في إسطنبول، بينما من المتوقع أن يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى خمسة أعوام المخالفين لبنود التشريع الجديد، موضحاً أنّ "وسائل التواصل الاجتماعي، التي وُصفت بأنّها رمز للحرية عند ظهورها للمرة الأولى، تحولت إلى أحد المصادر الرئيسية لتهديد الديمقراطية اليوم".

اقرأ أيضاً: هل اقتربت نهاية أردوغان وحزبه وحليفه "الحركة القومية"؟

وأضاف أردوغان: "نحاول حماية شعبنا، وخاصة الفئات الضعيفة من مجتمعنا، من الأكاذيب والمعلومات المضللة دون انتهاك حق مواطنينا في تلقي معلومات دقيقة ومحايدة".

اللافت أنّ نبرة الرئيس التركي التي لم تخل من حدة وعدائية واضحة ومباشرة، تتزامن وشروع حكومته في إصدار قانون يجرم نشر الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة عبر المواقع الالكترونية

لا تعدو الممارسات التركية التي تفرض قيوداً جمّة على حرية الرأي والتعبير، أمراً جديداً أو عرضياً؛ إذ إنّ التقارير الحقوقية، المحلية والأممية، توثق انتهاكات عديدة ومتفاوتة من قبل النظام بحق منظمات المجتمع المدني والصحافة. ففي أيلول (سبتمبر) الماضي، وصف التقرير الصادر عن منظمة "فريدوم هاوس" الأمريكية لحقوق الإنسان، والمعنون بـ"الحرية على الإنترنت"، الفضاء الإلكتروني في تركيا بأنّه "ليس حراً"، لافتاً إلى إجراءات قسرية من بينها "إزالة المحتوى الذي ينتقد الحكومة، ومحاكمة الأشخاص الذين ينشرون تعليقات غير مرغوب فيها على مواقع التواصل الاجتماعي". كما تم رصد قيود أخرى مثل "حظر الوصول" و"تقييد المحتوى" و"انتهاكات حقوق المستخدم".

وبحسب التقرير الحقوقي الأمريكي، فقد "حصلت تركيا في التقييم على 34 نقطة فقط من 100 نقطة (15 نقطة لـ "حظر الوصول"، و 10 نقاط لـ "قيود المحتوى" و9 نقاط لـ "انتهاكات حقوق المستخدم"، لتدخل بذلك إلى فئة الدول غير الحرة في الإنترنت".

خروقات أردوغان لحقوق الإنسان

كما لفت التقرير إلى أنّ النظام التركي يعمد إلى تصفية خصومه السياسيين، سواء من خلال القمع المباشر، أو الوسائل القانونية وإصدار تشريعات تحد من نشاطهم، الأمر الذي تضاعفت وتيرته بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة والمزعومة، في تموز (يوليو) عام 2016، وقد نجح أردوغان في إجراء تعديلات دستورية، عام 2017، جعلت العديد من الصلاحيات في قبضته المتشددة.

وشدد التقرير الأمريكي على أنّ "حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان يحكم تركيا منذ عام 2002، وعلى الرغم من قيامهم في البداية ببعض الإصلاحات الليبرالية، إلا أنهم أظهروا انخفاضاً تدريجياً في الحقوق السياسية والحريات المدنية".

وأردف: "بينما يواصل أردوغان ممارسة قوة كبيرة في السياسة التركية، فإنّ فوز المعارضة في الانتخابات البلدية لعام 2019، وتأثير جائحة كوفيد -19 على الاقتصاد المهتز بالفعل، قد أعطى الحكومة حوافز جديدة لقمع المعارضة، والحد من الخطاب العام".

الباحث المتخصص في الشأن التركي إبراهيم كابان لـ"حفريات": من عادة الديكتاتوريات اللجوء لحيل عديدة للسيطرة وفرض الهيمنة، لتطويع المجتمع لخطاب سياسي ليس فيه أيّ تعدد

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الباحث المتخصص في الشأن التركي، إبراهيم كابان، إلى أنّ من عادة الديكتاتوريات اللجوء إلى حيل عديدة للسيطرة وفرض الهيمنة، بحيث يتم تطويع المجتمع لخطاب سياسي ليس فيه أيّ تعدد، وبالتالي، فإنّ إتاحة المعلومات وتعدد المصادر الإعلامية غير المقيدة، تعد من بين الأمور التي تضغط على الرئيس التركي، وتثير هواجسه، لافتاً إلى أنّ "منصات التواصل الاجتماعي لا تخضع لإدارة الأجهزة الأمنية بتركيا، وهي تقوم بتعرية ممارسات أردوغان، المحلية والخارجية، المتسببة في تدهور الوضع الاقتصادي، وكذا تراجع الحريات، الأمر الذي يهدد حكمه باستمرار".

ويتابع: "أردوغان يبحث عن مجتمع مستسلم، وإعلام يمدح إخفاقاته المستمرة، كما لا يريد أيّ أداة إعلامية أو سياسية تكشف عن الانسداد الذي وصلت له تركيا، في ظل الاعتقالات العشوائية المستمرة بحق الصحفيين والنشطاء وحتى القضاة، فضلاً عن قيادات بالأجهزة الأمنية، من بينها الجيش. تمكن الرئيس التركي، من خلال المحاكم المسيّسة والاعتقالات التعسفية، أن يفرض سيطرة تامة على الصحف ووسائل الاعلام، غير أنّ منصات التواصل الاجتماعي، تبقى خارج السيطرة والهمينة".

إدارة أمنية لمواقع التواصل

وأشار تقرير لمنظمة العفو الدولية، إلى أنّ القانون الجديد الخاص بمواقع التواصل الاجتماعي في تركيا، يعد "أحدث، وربما أوقح، هجوم على حرية التعبير في تركيا"، وقال أندرو غاردنر، الباحث المختص بتركيا في المنظمة الأممية، إنّ "قانون الإنترنت الجديد يوسع بشدة نطاق سيطرة الحكومة لضبط محتوى الإنترنت ومراقبته، وهو ما يزيد من المخاطر التي يتعرض لها من تستهدفهم السلطات بلا هوادة لأنّهم ببساطة يعبرون عن آراء معارضة".

وإلى ذلك، قال البرلماني المعارض عن حزب الشعب الجمهوري، عبد اللطيف شنر، إنّ منصات التواصل الاجتماعي ساهمت في رفع وعي المواطنين الأتراك، من خلال توفير المعلومات والحقائق بدون تزييف، مضيفاً أنّ "أردوغان بات ينزعج من المنشورات والتعليمات والتغريدات التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال؛ خبراء الاقتصاد يشاركون منشورات علمية، ومن الحين للآخر ينشرون تقييمات وانتقادات بشأن قضايا قائمة حالياً، وأخرى تتعلق بمذاهب ومعتقدات، الأمر الذي ساعد الكثير من المواطنيين على فهم وإدراك حقيقة ما يجري في البلاد".

سبق للرئيس التركي أن أصدر تشريعاً، قبل عام، بخصوص وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك في ذروة الهجوم الذي شنته الأخيرة على أعضاء بالحكومة، وكذا قيادات في حزب العدالة والتنمية الحاكم، حسبما يوضح الباحث المتخصص في العلوم السياسية محمد الفرجاني، وقد بلغ عدد المواقع الإلكترونية المحجوبة في تركيا، العام الماضي، فقط، نحو 467 ألفاً.

وأبلغ الفرجاني "حفريات" بأنّ "عداء أردوغان للمنصات الإعلامية، يدخل ضمن سياساته التي تستهدف تنميط وسائل الإعلام بسائر مصادرها، وقد أوضحت منظمة "مراسلون بلا حدود"، في تقريرها السنوي الأخير، تراجع تركيا للمرتبة 157 بين 180 دولة في قائمة حرية الصحافة. كما أنّ الحكومة التركية ألمحت إلى تدشين هيئة جديدة على غرار "المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون"، مختصة بوسائل التواصل الاجتماعي، وتقوم بلعب دور رقابي بإشراف الأولى".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية