كيف تمكّنت الشابة ميشيل حجل من توحيد لبنان المنقسم؟

لبنان

كيف تمكّنت الشابة ميشيل حجل من توحيد لبنان المنقسم؟


06/11/2018

عصفت رياحٌ شتوية ببيت الشابة ميشيل لتبدأ سنتها الجديدة بما تسمّيه "التحدّي"، لكنه لم يكن يشبه التّحديات والأهداف التي كتبتها معظم الشّابات على دفاتر مليئة بالسّعادة والتّفاؤل، تحدّي ميشيل كان بمثابة خوض معركة دامية ضدّ عدوّ لا يرحم، بعدما شُخصت حالتها بمرض سرطان الغدد اللّمفاوية.

هنا بدأت حكاية الشّابة اللّبنانية ميشيل حجل التي تحارب الآن بكلّ ما استمدّته من عشرينياتها من أمل بالحياة وقوّة في الجسد، لتتحوّل من وصيفة أولى لملكة جمال لبنان عام 2016 إلى شابّة تتجوّل في غرف المستشفيات، وتتلقى العلاج الكيماوي الذي أهلك جسدها.

اقرأ أيضاً: هل يغرق حزب الله لبنان بالفوضى؟

لكن في زاويةٍ من هذه المأساة يُزهر حبٌّ في كلّ يوم، يرسم بسماتٍ وضحكاتٍ على وجه ميشيل، هو مارون، خطيب ميشيل، الذي يمشي ورأسه مرفوع، فخوراً بشريكة حياته التي تنتصر في كلّ يومٍ على أوجاعٍ أقسى من كلّ ضربات الحياة، حسبما يلمّح أقارب الطرفين.

سرطان الغدد الليمفاوية حوّل ميشيل من وصيفة أولى لملكة جمال لبنان عام 2016 إلى شابّة تتجوّل في غرف المستشفيات

بدأت الحكاية بيد مارون وميشيل، لتكتمل مع أيادي اللبنانيين جميعهم. يقول شربل لـ"حفريات": "ساعدتُ ميشيل من كلّ قلبي، وحاربت معها يدي بيد جميع اللّبنانيين". ويضيف: "ميشيل وصّلت صوتها للعالم وفتّحت جروح الإنسانية في نفوسنا، بعيداً عن الوضع المزري الذي نعيشه في لبنان".

أمّا المواطن اللبناني عماد فيعرب عن إحساسه قائلاً "شعرتُ للمرّة الأولى أنّني إنسان، وأنّني أنتمي إلى عائلة كبيرة اسمها (لبنان) ويا ليتنا نتكاتف دائماً من أجل لبناننا كما جمعتنا ميشيل"، لافتاً إلى "توحّد لبنان تحت اسم ميشيل، رغم أنها لم تنتصر على مرض السّرطان بعد، ولكن بدأت انتصارها الأوّل على التّاريخ الذي لم يقدر يوماً أن يجمع اللّبنانيين يداً بيدٍ مثلما وقفوا قلباً واحداً إلى جانبها".

ميشيل حجل برفقة خطيبها مارون

فشل العلاج.. وهنا ينتهي الكلام

فشل علاج ميشيل حجل، ولكن الأطباء أكدوا أنّ لمرض ميشيل حلّاً واحداً، يتمثل في عملية تكلفتها 740 ألف دولار أمريكي، وعلى ميشيل أن تخضع لهذه العملية في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: علاج جديد للسرطان..

المبلغ كبير ولكن الأمل أكبر أمام هذه المشكلة، لذا قرّرت ميشيل بدعمٍ من أصدقائها وعائلتها القيام بحملة تبرّعات، لعلّها تتمكّن من حصد ولو جزء من المبلغ وهنا كانت المفاجأة، من صورة تحمل تفاصيل التّبرعات وتشرح حالة ميشيل نشرتها في صفحتها وصفحة محبيها على مواقع التّواصل الاجتماعي إلى نشرات الأخبار، إلى الصّحف والمجلّات، إلى المقاهي والمطاعم والشّوارع.

مطعم كلاسيك برغر انضمّ للحملة وتعهد بالتّبرع بجميع الأرباح لصالح ميشيل

المراقبون لتفاعلات الحملة وانتشار التضامن، كرروا في أحاديثهم أنّ لبنان بلد صغير، يعاني من أزمات اجتماعية، اقتصادية، وسياسية، ولكن المرض الحقيقي الذي يتغلغل في عظام البلد هو "الطّائفية" التي تسبّبت بأعداد كبيرة من الضّحايا بسبب أمواج الطّائفية والحقد والكره.

أمّا السّياسة فهي أيضاً وباء العصر، في نظرهم، ولكن في ظلّ إعصارات النّزاعات الطّائفية والسّياسية، توحّد اللّبنانيون من أجل بسمة هذه الفتاة العشرينية. وفي حين كان تشكيل الحكومة حديث البلد، انقلبت المقاييس وانقلب البلد لساحة معركة لبنانية بحتة جامعةً كلّ الطّوائف لتصبح ميشيل هي حديث البلد.

مجوهرات هيمو يتبرّع بجميع أرباحه من الأساور الذّهبية لتكلفة علاج ميشيل

ضجة تضامن في بلد منقسم

المقاهي والمطاعم أحدثت ضجّة في البلد بتكريس أرباحها لحملة التّبرعات، وفي الوقت نفسه قامت الصّالونات بتكريس حصص معيّنة من المردود للحملة نفسها. أمّا الملاهي اللّيلية، فوقفت أيضاً إلى جانب لائحة المتبرّعين. وعلى هذا المنوال انضمّ اللّبنانيون واحداً واحداً إلى اللّائحة نفسها. شاركوا، تبرّعوا، وناضلوا من أجل ميشيل، التي فاجأت الجميع، معلنةً بعد أسبوعين فقط من إطلاق الحملة أنّ المبلغ أصبح جاهزاً لتذهب في رحلة الأمل.

اقرأ أيضاً: في مواجهة التعصب: التعاون لأجل البقاء

قبل أن تعبر ميشيل المحيط، وقبل أن تتّجه إلى النّصف الآخر من الكرة الأرضية، وقبل أن تذهب باحثةً عن أملها الأخير، شكرت للمرّة الألف كلّ من تبرّع، ولو بدولارٍ واحدٍ قائلةً لـ"حفريات": "من تبرّع بدولار واحد هو الذي أحدث الفرق في حملتي"، مضيفة: " أنا فخورة جدّاً بانتمائي إلى الجماعة اللّبنانية، لقد سجّل التّاريخ استعادة الإيمان في الإنسانية من خلال كلّ القلوب التي تبرّعت وناضلت معي ومن أجلي".

ميشيل: من تبرّع بدولار واحد هو الذي أحدث الفرق في حملتي

في هذه البقعة الصّغيرة من الأرض، يصيب مرض السّرطان بكلّ أنواعه 242.8 لبنانياً بين كلّ مئة ألف شخص، بحسب تقرير موسّع عن وضع السّرطانات في العالم نشرته "منطمة الصّحة العالمية" على موقعها الإلكتروني. ولا يتصدّر لبنان القائمة، ولكن ليس بعيداً كثيراً عن "القمّة"، وهذا عدد كبير بالنّسبة لعدد سكّان البلد، الذين يتجاوزن الستة ملايين؛ فبحسب التّقرير فإنّ السّبب الأوّل وراء مرض السّرطان هو التّبغ والتّدخين، كما أنّ الأجواء الملوّثة تزيد الأمر سوءاً.

ميشيل واحدة من الضّحايا الذين انقضّ عليهم هذا "الوحش الكاسر" آخذاً معه أجمل سنين الحياة. ولكن قد حان الوقت، كما يترقب اللبنانيون، أن تقتل ميشيل الوحش وتعود بالأخبار السّعيدة.

حلقت طائرة ميشيل ومعها مشاعر اللبنانيين

حلقت طائرة ميشيل باتجاه أمريكا، لتطير معها مشاعر الإنسانية والحبّ، تاركة، كما يعلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، البلد في شهره الخامس بدون حكومة، بدون قرار، وبدون أي مشاعر، قائلين تركت لنا "الحقائب الوزارية" والنّزاعات الطّائفية من جديد.

فشل علاج ميشيل حجل، ولكن الأطباء أكدوا أنّ لها حلّاً واحداً، يتمثل في عملية تكلفتها 740 ألف دولار أمريكي

وصلت ميشيل إلى أمريكا، وخضعت أول من أمس لجلسة لجمع خلايا الدّم، وهي الخطوة الأولى لتخضع للعملية بعد ثلاثة أسابيعٍ كجزء الخطوات المتتالية والمهمّة من أجل نجاحها.

ميشيل قويّة، يقول أهلها، وقد تضاعفت قوّتها بعد وقوف اللّبنانيين إلى جانبها وتمنياتهم لها بعودة مليئة بالفرح والشّفاء من هذا المرض الخبيث، لعلّ شفاءها يكون معدياً لبلدها، كما يعول أصدقاء ميشيل، ويُشفى لبنان بأعجوبة من الأمراض المتغلغلة في عظامه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية