كيف تفاعلت إيران مع حرق المصحف الشريف.. ولماذا؟

كيف تفاعلت إيران مع حرق المصحف الشريف.. ولماذا؟

كيف تفاعلت إيران مع حرق المصحف الشريف.. ولماذا؟


01/08/2023

لعل أهم ما في ظاهرة حرق المصحف الشريف هو هذا الحجم من الاستثمار السياسي لها في إيران والعراق، وبصورة قريبة من ذلك في تركيا وروسيا، فقد جاءت ردود الفعل في هذه الدول بصورة ظهرت معها أنّها الحامية للإسلام، وتمّت تغطية الحدث بمرجعيات مقاربة المؤامرة التي تشكل منهجية لكثير من المحللين في الشرق الأوسط، لا سيّما عند العرب والمسلمين، لما توفره من مساحات تتيح لأيٍّ كان أن يغرف من قاموس واسع يختصر أيّ ظاهرة بهذه المقاربة، وتعفيه من عناء البحث والتفكير وتقليب الاحتمالات، لا، بل من طرح التساؤلات في إطار المسكوت عنه، وربط الخطابات المتعلقة بالحدث بسياقاته السياسية والاجتماعية، وتالياً قراءة تربط بين الحدث وسياقاته السياسية:

أوّلاً: حرق المصحف الشريف، بما هو عليه من رمزية ليس عند المسلمين فقط بل حتى عند أتباع الأديان السماوية، عمل مرفوض ومستنكر، حتى من قبل عتاة الملاحدة الذين لا يؤمنون بالرسل ولا بالكتب السماوية، وربما هناك ما يصل إلى الإجماع على أنّ الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبي محمد، وتكرار حرق نسخ من القرآن الكريم، لا علاقة لها بحرية التعبير عن الرأي، بل تقع في إطار الكراهية الدينية لدى اليمين الأوروبي المتطرّف، وأحد المداخل الأساسية لتحقيق الفوز بالانتخابات والوصول إلى الحكم، في إطار مواقف "عنصرية" لا تتوقف عند حرق نسخ من القرآن، بل تتعدى ذلك إلى مواقف متشددة تجاه الهجرة واللاجئين، خاصة المسلمين، بعد أن أصبحوا يشكلون الديانة الثانية في أوروبا بعد المسيحية. 

 أهم ما في ظاهرة حرق المصحف الشريف هو هذا الحجم من الاستثمار السياسي لها في إيران والعراق

ثانياً: من غير الممكن ربط ردّ الفعل العراقي فقط بكون الفاعل "حارق القرآن الكريم" في السويد لاجئاً من أصول عراقية ضمن حوالي (200) ألف لاجئ عراقي في السويد، هاجروا لأسباب مختلفة وعلى مدى أعوام، والفاعل ينتمي لطائفة مسيحية عراقية، وليس هناك ما يشير إلى أنّه متعلم أو أنّ فعلته مرتبطة بموقف ثقافي، باستثناء ما تردد أنّه تم سجنه وتعذيبه بالعراق، بعد عام 2003، لكنّ قيادة التيار الصدري لاحتجاجات العراق تستوجب التوقف، لا سيّما أنّها وصلت إلى ضغوط وعنف بحرق السفارة السويدية، لا يمكن عزله عن استثمار سياسي بعودة تيار الصدر للمشهد السياسي العراقي من بوابة قضية كبرى كحرق القرآن، وهو ما دفع تيارات عراقية شيعية لتبنّي الموقف نفسه.

ربما هناك ما يصل إلى الإجماع على أنّ الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى النبي محمد، وتكرار حرق نسخ من القرآن الكريم، لا علاقة لها بحرية التعبير عن الرأي، بل تقع في إطار الكراهية الدينية لدى اليمين الأوروبي المتطرّف

 

ثالثاً: مؤكد، على الأقل وفقاً لما بثته وسائل إعلام إيرانية، أنّ هناك توجيهاً إيرانياً لتصعيد الموقف ضد السويد والغرب عموماً، وهو ما عبّر عنه الموقف العراقي ومواقف حزب الله اللبناني لاحقاً، على هامش الاحتفالات بيوم عاشوراء، ويبدو أنّ علاقة إيران بالحدث مرتبطة بسياقات محددة؛ أبرزها: الردّ على عقوبات وإجراءات الأوروبيين ضد إيران منذ مقتل "مهسا أميني" والانتفاضات الإيرانية اللاحقة، فإيران ترسل رسالة بقدرتها على استثمار قضايا ذات مرجعية دينية تجاه الغرب، وكان لافتاً أن يقوم اللاجئ العراقي بحرق صورة السيد خامنئي، بعد حرق القرآن، فهل جاء ذلك للتغطية على دور محتمل لإيران في الحادثة؟ ثم إنّ إيران لا يستبعد أنّها تراهن على رد فعل من قبل القاعدة وداعش بتنفيذ عمليات تستهدف الأوروبيين، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة، وهو احتمال وارد، فالتصعيد في أوروبا من قبل اليمين وخطابات الكراهية تشكل بيئة حاضنة، وسيكون تنفيذ أيّ عملية موضع ترحيب من قبل قطاعات واسعة من الرأي العام الإسلامي.

 لا أحد يناقش حقيقة المواقف الإيرانية والمجازر التي ارتكبت ضد سنّة العراق، وترتكب في سوريا وغيرها من مناطق النفوذ الإيرانية، ولا "سبّ" الصحابة والخلفاء المسلمين الراشدين وعائشة أم المؤمنين، وحتى حرق القرآن يتردد عبر معرفات عراقية أنّ أحزاباً عراقية تتبع لإيران ارتكبت "الجريمة" نفسها بحرق القرآن الكريم.

الحادثة قد تشعل حروباً ينسى معها المتحاربون لماذا يتحاربون، وتقدم دليلاً آخر على أدلة لمروجي صدام الحضارات، وهي صدامات مفترضة لا ينبغي معها أن تترك قيادة الشعوب للمتطرفين

 

 رابعاً: أعلنت القيادة التركية رفضها واستنكارها للحادثة، وأدانت سماح السويد بحرق القرآن الكريم، لدرجة أنّ الرئيس أردوغان تساءل فيما إذا كانت السويد تستحق أن تكون عضواً في الناتو، إلا أنّه بعد أيام وافق على  عضوية السويد، بموقف انسجم مع الدول العربية السنّية، التي فيما يبدو أدركت، أو أنّ لديها "معلومات"، حول المخطط الإيراني، فجاءت ردود الفعل باستدعاءات لسفراء السويد وتقديم مذكرات احتجاج وتحذير من مغبة استمرار منح تصاريح حرق القرآن الكريم، وهي مواقف لا شك أفشلت المخطط الإيراني.

من غير الممكن ربط ردّ الفعل العراقي فقط بكون الفاعل "حارق القرآن الكريم" في السويد لاجئاً من أصول عراقي

خامساً: القيادة الروسية لم تفوّت الفرصة، فقد أظهرت ردود فعلها وكأنّها دولة إسلامية، في موقف لا شك مرتبط بوجود أقلية إسلامية (حوالي 28 مليون) في الدولة الاتحادية، لكنّه غير بعيد عن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي يشكل الصراع الحضاري ومنظوماته القيمية أحد أوجه الصراع من وجهة نظر روسية، غير معزولة عن مقاربات تشكيل نظام عالمي جديد متناقض مع الغرب وإرثه الاستعماري، ومنظومات قيم ما بعد الحداثة والليبرالية، ولا مانع لدى القيادة الروسية أن تكون حرباً دينية بين الغرب وبقية الأديان خاصة الإسلامية، لكنّ هذا الموقف الروسي مرتبط بهذا السياق "المصغر" والتاريخ الروسي بشقيه السوفييتي وما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، شهد محطات إبادة للمسلمين في أفغانستان، ولاحقاً في سوريا، وما بينهما في الشيشان والجمهوريات الإسلامية.

 وبالخلاصة؛ فإنّ الحادثة، إضافة لما قدّمته من دليل على أنّ إهانة الكتب المقدّسة مسألة تثير الكثيرين باتجاهات تستنكر فعل الحرق، لكنّها قد تشعل حروباً ينسى معها المتحاربون لماذا يتحاربون، وتقدم دليلاً آخر على إمكانية تحريك مشاعر أتباع الأديان، وخاصة المسلمين، بسهولة، وتقدم أدلة لمروجي صدام الحضارات، وصدام الثقافات والهويات، وهي صدامات مفترضة لا ينبغي معها أن تترك قيادة الشعوب للمتطرفين.

مواضيع ذات صلة:

كيف نواجه جرائم حرق المصحف؟

فعالية جديدة لحرق المصحف... واقتحام السفارة السويدية في بغداد




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية