كيف أصبحت ترينداد أرضاً لتجنيد مقاتلين لصالح "داعش"؟

كيف أصبحت ترينداد أرضاً لتجنيد مقاتلين لصالح "داعش"؟


05/02/2018

كان طارق عبد الحقّ، قبل خمسة أعوام، واحداً من أكثر الملاكمين الشّباب الواعدين في جهوريّة ترينداد وتوباغو، ولاعباً موسّماً في ألعاب الكومنولث يمتلك أحلاماً أولمبيّة.

لكنّه يتمدّد ميّتاً الآن في مكان ما في العراق أو سوريا، مقبوراً بين أنقاض الخلافة المزعومة، برفقة العشرات من مواطنيه. وقد سبق أن شكّلوا معاً واحدة من أكثر مجموعات المقاتلين فظاعة، والتي لم يسلّط عليها الضوء الكافي، داخل تنظيم داعش.

الارتحال من جزيرة كاريبيّة إلى حرب صحراويّة

تقع هذه الدولة الكاريبيّة الصغيرة، التي يبلغ تعداد سكانها 1.3 مليون نسمة، على بعد حوالي 10,000 كم من عاصمة داعش السابقة، الرقّة. لكن في خضم الأوْج الدمويّ لسلطة الجماعة، صار لدى ترينداد وتوباغو أحد أعلى معدّلات التّجنيد في العالم.

لقد ترك أكثر من 100 من مواطنيها بلادهم للانضمام إلى تنظيم داعش، بما في ذلك حوالي 70 رجلاً خطّطوا للقتال والموت. ويقول مسؤولون أمنيّون: إنّه قد انضمّ إلى هؤلاء المقاتلين العشرات من الأطفال والنّساء، ومن بين الأخيرات من جئن طوعاً وكرهاً على حدّ سواء.

وعلى سبيل المقارنة: يُعتَقَد أنّه قد خرج من كلٍّ من كندا والولايات المتحدّة، مع أخذ تعداد السكّان الأكبر بعدّة مرّات في الاعتبار، أقلّ من 300 مجنّد من الذين قاموا بهذه الرّحلة إلى الشّرق.

ولم يفوّت دعائيّو داعش قوّة هذه القصّة - الارتحال من دولة جزيريّة كاريبيّة ذات طقس معتدل وغنيّة بالنّفط والغاز إلى الخطوط الأماميّة لحرب صحراويّة.

لقد أبرزت مجلّتهم، "دابق"، التي تستهدف المجنّدين والمتعاطفين المحتملين، مقابلة طويلة مع المقاتل أبو سعد الترينداديّ - الذي كان اسمه سابقاً شان كروفورد - في صيف عام 2016. في هذه المقابلة، أوضح أبو سعد بالتّفصيل قصّة تحوّله، ورحلته إلى سوريا، وأنهى كلامه مُهدّداً المسيحيّين بالموت وإراقة الدّماء في شوارع موطنه السّابق.

وسارعت حكومة ترينداد متوتّرةً إلى إدخال ضوابط جديدة على السفر والتمويل من شأنها أن تجعل الرّحلة إلى أيّ مشروع جهاديّ جديد أكثر صعوبة، كما ستتبّع أيّ شخص يحاول العودة.

ويذكر أنّه لم يحدث قط أيّ هجوم إرهابيّ على الجزر، ولم يكشف عن مؤامرة، ولم يصدر حتّى أيّ تهديد رسميّ من داعش ضدّ ترينداد وتوباغو.

بيْد أنّ هذا البلد يواجه الآن احتماليّة أن يتمكّن مواطنون مدرّبون على يد داعش من العودة إلى البلاد وردكلة الجيل الأصغر سناً - أو أن يسعى المُجَنّدون الذين لم يعودوا قادرين على القيام بذلك الحجّ المُظلم إلى أهداف تطرفيّة أخرى.

ولدى الجزيرة صناعة نفطيّة وغازيّة دوليّة مزدهرة، وبالنسبة إلى الولايات المتّحدة هناك مخاوف محتملة حول تهديد أكثر مباشرة؛ يمكن لمواطني ترينداد السفر عبر منطقة البحر الكاريبيّ دون الحصول على تأشيرات دخول، وقد تمّ سجن مواطن ترينداديّ بالفعل لاضطّلاعه بدور في مؤامرة عام 2007 لمهاجمة مطار جي أف كي في نيويورك.

وخلال شهر من تولّيه المنصب، دعا دونالد ترامب رئيس وزراء ترينداد، كيث رولي، لمناقشة الإرهاب. كما حذّرت الحكومة البريطانيّة مؤخراً من وقوع هجمات إرهابيّة محتملة في البلاد - رغم أنّها أصدرت تحذيرات سفر مماثلة لدول مثل إسبانيا وفرنسا.

الإسلام والإسلامويّة في ترينداد

يشكّل المسلمون في ترينداد حوالي واحد من بين كل 10 من سكان البلاد، وتتبّع الأغلبيّة الساحقة أشكالاً معتدلة من الإسلام.

لكنّ أقليّة صغيرة انجذبت إلى عقيدة أكثر تطرّفاً؛ ففي عام 1990، تولّت جماعة تطلق على نفسها اسم جماعة المسلمين محاولة الانقلاب الإسلامويّة الأولى والوحيدة في نصف الكرة الغربيّ، ممّا نجم عنه أخذ رئيس الوزراء ومشرّعين رهائن لعدّة أيام.

في نهاية المطاف، استعاد الجيش السيطرة، ولكن الإمام الذي كان وراء الانقلاب، ياسين أبو بكر، أُطلق سراحه من السجن في غضون عامين بموجب صفقة عفو واستأنف الوعظ.

هناك مواطنون في ترينداد يرفضون تقارير عن وحشيّة داعش، ونفون حقيقة إحياء الجماعة الجهاديّة للاسترقاق الجنسيّ

وفي خطبة حضرها مؤخراً صحافيو الغارديان، جادل أبو بكر بأنّ الدول الأوروبيّة لا تمتلك الأرضيّة الأخلاقيّة لانتقاد عمليّات قطع الرأس التي قام بها تنظيم داعش، لأنّها هي التي استخدمت المقصلة خلال الثورة الفرنسيّة.

ونفى النائب العام، فارس الراوي، أن يكون لدى ترينداد مشكلة خصوصيّة فيما يتعلّق بالتجنيد الداعشيّ أو التطرّف الدينيّ. وفي مقابلة معه، قال: "قد يبدو العدد أكبر ممّا هو موجود في أماكن أخرى، لكنّني لا أقبل للحظة واحدة فكرة أنّ لدينا مشكلة أكبر بكثير ممّا لدى أيّ مكان آخر". وأضاف: "لا أعتقد أنّنا أكثر عرضة لهذا الأمر من أيّ بلد آخر".

من هم هؤلاء الدواعش؟

ووفقاً لما يذكره عالم الأنثروبولوجيا ديلان كيريغان، وهو محاضرٌ بجامعة ويست إنديز، فإنّه بالنسبة إلى العديد من مُجَنّدي داعش الترينداديّين، كان الدّين عذراً أكثر منه محفّزاً تحريكيّاً. فهو يرى أنّ الشباب، وكثيرٌ منهم من المتحوّلين حديثاً إلى التطرّف، الذين انجذبوا إلى الخلافة في الغالب حصل لهم ذلك من خلال وعود بالمال والشعور بالمشاركة الاجتماعيّة - نداء مماثل لذلك الذي تقوم بها العصابات في بلد متزايد العنف.

ويقول كيريغان، الذي بحث موضوع التطرّف لصالح وحدات مكافحة الإرهاب التّابعة للأمم المتّحدة: "توفّر العصابة أسرة، ونماذج ذكريّة يُحتذى بها، ونظاماً اجتماعيّاً، وتعد بالوصول إلى ما قد يعتقد الكثير من الشباب أنّهم يريدونه: المال والسلطة والمرأة والاحترام". ويضيف: "أخبرني أحد الأئمة أنّه عوضاً عن الانضمام إلى عصابة محليّة، يرى البعض أنّ السفر إلى الشرق الأوسط يماثل الانضمام إلى عصابة أخرى".

وقال الرّاوي إنّ سلسلة الاجراءات الجديدة، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتيّة مع الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة وإسرائيل، تعني أنّه سيكون من الصعب جداً على أولئك الّذين غادروا العودة إلى ترينداد دون أن يكتشف أمرهم.

محاضرٌ بجامعة ويست إنديز: بالنسبة إلى العديد من مُجَنّدي داعش الترينداديّين، كان الدّين عذراً أكثر منه محفّزاً تحريكيّاً

يقول النّاس الّذين عرفوا بعض متطوعي داعش إنّ معظمهم - وبعض من يعولونهم - قد ماتوا. وكان المواطنون الوحيدون الذين عادوا إلى الجزيرة مجموعة عائليّة التقطت من مخيّم تركيّ للّاجئين، بعد أن حاولت على ما يبدو وفشلت في الوصول إلى الأراضي التي يحتلّها داعش. وقال فارس إنّهم يخضعون حالياً لمراقبة دقيقة.

ويرفض فارس المخاوف بشأن وقوع المزيد من عمليّات الرّدكلة، مجادلاً بأنّ العديد من الّذين سافروا إلى سوريا كانوا ببساطة مجرمين يتطلّعون إلى العودة إلى البلاد ومعهم ميزة إضافية على منافسيهم. يقول: "هناك كثيرون يرغبون فى القيام برحلة إلى منطقة مزّقتها الحروب فقط ليقولوا إنّهم كانوا هناك - كجزء من مؤهّلاتهم". ويضيف: "يجب أن تفصل الجهاديّين الحقيقيّين - الّذين قد يحتمل أن يموتوا شهداء لقضيّة ما مزعومة - عن الجنائيّين الخُلّص الّذين يستعيرون مظهر الإرهاب وشخصيّته".

إنّ الانضمام إلى داعش قد يقدّم أيضاً عرض هروب عمليّ لأولئك الذين يواجهون القانون. مثلاً، قبل أن تحتفي به مجلّة دابق، كان شان كروفورد مجرماً احتُجِز عدّة مرّات، بما في ذلك للاشتباه به في التخطيط لاغتيال رئيس الوزراء آنذاك. وقد سافر إلى سوريا مع صديقين أطلق سراحهما على ذمّة التحقيق.

لكنّ بعض منتسبي العائلات البارزة انجذبوا أيضاً إلى داعش - ربّما ليس ثمّة من هو أرفع شأناً من الملاكم طارق عبد الحقّ. فعمّته، باميلا إلدر، واحدة من أكبر المحامين في البلاد، ووالده، يعقوب عبد الحقّ، كان مسؤولاً كبيراً في مجال لعبة الملاكمة حتّى وفاته في عام 2012.

لقد كان عبد الحقّ أيضاً على معرفة بفؤاد أبو بكر، ابن ووريث زعيم انقلاب عام 1990، أبو بكر.

الإسلامويّون وتبرير أفعال داعش

إنّ المدارس والعيادات ومطابخ الحساء والمصانع التي ساندت جماعة المسلمين قد دمّرت في الغالب بعد اعتقال أبو بكر، لكنّ الحكومة لم تمس مسجده الكبير والملئ بالهواء. والآن، يدرّس الأبّ والابن في المسجد. وهناك مساحة تستوعب مئات الرّجال للصلاة في الطابق الرئيس، وبَلْكون يستوعب تجمّع عشرات النساء لسماع خطب الجمعة.

يبدو أن فؤاد، الواعظ والسياسيّ، قد ورث وجهات نظر والده الدينيّة المتطرّفة وأيضاً طوله المهيب وكاريزمته.

بعض منتسبي العائلات البارزة انجذبوا إلى داعش، ربّما ليس ثمّة من هو أرفع شأناً من الملاكم طارق عبد الحقّ

في مقابلة مع "الغارديان"، وصف الرّجال الذين ذهبوا للقتال مع داعش بعبارات حارّة، وانتقد قانوناً جديداً يحظر زواج الأطفال باعتباره انتهاكاً للحقوق الدينيّة.

كذلك، رفض تقارير عن وحشيّة داعش، ونفى حقيقة إحياء الجماعة الجهاديّة للاسترقاق الجنسيّ، وهو الأمر الموثّق على نطاق واسع، وقارن الخلافة المزعومة بإسرائيل والفاتيكان. يقول: "إنّهم يريدون استقلالاً ودولة إسلاميّة، ولهم الحقّ في تقرير المصير... كيف يمكنك أن تقول لهؤلاء النّاس إنّه لا يمكن أن يصير لديهم دولة إسلاميّة لأنّ ذلك ليس ترْتيباً سياسيّاً مقبولاً؟ هناك دولة يهوديّة، وأخرى كاثوليكيّة".

ويقول بكر إنّه يعرف العديد من الذين سافروا إلى سوريا. ورغم أنّه كان عليه أن يختار كلماته بعناية عند مناقشة رحلاتهم، لتجنّب انتهاك القوانين الترينداديّة ضدّ دعم الإرهاب، فإنّ إعجابه بهم كان واضحاً.

يقول: "إنّهم ليسوا أشخاصاً سيّئين؛ بل هم من أكثر النّاس الممتازين الّذين عرفت بعضهم. إنّهم أناس من كافّة مشارب الحياة قرّروا فقط أنّ هذا هو الشيء الصحيح الّذي عليهم القيام به".

علاوة على ذلك، وفي استدعاء عجيب لأحد أعظم أبطال المقاومة غير العنيفة، اقتبس بكر سطوراً من خطاب مارتن لوثر كينغ عام 1963 من أجل الثناء على الترينداديّين الذين انخرطوا في المشروع الداعشيّ شديد العنف: "قال مارتن لوثر كينغ إنّ رجلاً لا يرغب في الموت من أجل شيء لا يصلح حقاً للعيش، وأنا أحترم الشخص الّذي يستعدّ للتضحية بنفسه من أجل تحسين حياة زملائه، وذلك ما يعتقد هؤلاء الأفراد أنّهم يفعلونه".

إيما غراهام-هاريسون ويوشوا سورتيس، الغارديان


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية