كيف أثر سيد قطب على نهج الإخوان المسلمين والحركات المتطرفة؟

كيف أثر سيد قطب على نهج الإخوان المسلمين والحركات المتطرفة

كيف أثر سيد قطب على نهج الإخوان المسلمين والحركات المتطرفة؟


12/02/2025

لطالما كان سيد قطب واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر، لكن تأثيره لا يقتصر فقط على جماعة الإخوان المسلمين التي انتمى إليها. بل إن أفكاره، التي نشأت في سياق نقدي لواقع الأنظمة العربية والإسلامية في النصف الثاني من القرن العشرين، امتدت لتشكل جذور الحركات المتطرفة مثل القاعدة وداعش. يعد قطب الأب الروحي للفكر التكفيري الحديث، وساهمت أفكاره في تطوير نهج متطرف يقوم على مبدأ التكفير واستخدام العنف لتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي.

بدأ سيد قطب حياته ككاتب ومفكر ليبرالي في مصر، لكنه تحول إلى الإسلام السياسي بعد لقائه بجماعة الإخوان المسلمين وسجنه من قبل النظام المصري في الخمسينيات والستينيات. في السجن، كتب قطب أبرز أعماله، مثل *"معالم في الطريق"*، الذي يعد من النصوص التأسيسية للحركات الإسلامية المتطرفة. في هذا الكتاب، قدم قطب رؤيته للعالم، حيث رأى أن الأنظمة العربية والعالمية تعيش في "جاهلية" جديدة، وأنه لا يمكن إصلاح هذا الوضع إلا من خلال "الجهاد" ضد الحكومات الكافرة.

ما يميز أفكار قطب هو ربطه المباشر بين الفقه الإسلامي التقليدي وضرورة الثورة. فقد كان يعتقد أن الشريعة ليست مجرد نظام قانوني، بل هي الأساس الوحيد للنظام السياسي والاجتماعي الصحيح. ورفض بشكل قاطع مفهوم الدولة المدنية، معتبراً أن الحكم الإسلامي هو الطريق الوحيد للخروج من "الجاهلية".

من داخل الإخوان المسلمين، ظهر تيار يُعرف بـ"التيار القطبي"، وهو الجناح الذي تبنى أفكار سيد قطب وتفسيره الجذري للإسلام السياسي. هذا التيار كان دائمًا في خلاف مع الجناح التقليدي للإخوان الذي يميل إلى البراغماتية والتفاوض مع الأنظمة السياسية القائمة. لكن التيار القطبي، الذي يرى أن الحل الوحيد هو القطيعة الكاملة مع الأنظمة "الكافرة" عبر الجهاد المسلح، استمر في التأثير على الإخوان وعلى الحركات الإسلامية الأخرى.

خلال عقود، انتقلت الأفكار القطبية من كونها مجرد أطروحات فكرية إلى أن أصبحت جزءًا من الاستراتيجية العملية لبعض الحركات. وبالرغم من أن الإخوان المسلمين كجماعة حاولت النأي بنفسها عن العنف العلني، إلا أن التيار القطبي داخلها استمر في تغذية التوجهات الأكثر تشددًا، وأثر بشكل كبير في فكر جماعات مثل *الجماعة الإسلامية* في مصر و*حركة الجهاد الإسلامي*.

الكثير من الباحثين يرون أن سيد قطب هو الأب الروحي للفكر التكفيري الحديث. إذ قام بترسيخ فكرة أن المجتمع الإسلامي الحقيقي غير موجود في الوقت الحاضر، وأنه يجب تكوين مجتمع إسلامي جديد من خلال "الطليعة المؤمنة"، وهو مفهوم أطلقه قطب يشير إلى مجموعة صغيرة من المسلمين الذين يتحملون مسؤولية مواجهة الأنظمة الجاهلية وتأسيس الدولة الإسلامية. هذه الأفكار، التي تبدو للوهلة الأولى كتحليل اجتماعي، شكلت الأساس الأيديولوجي للتنظيمات الجهادية المعاصرة.

*القاعدة، على سبيل المثال، استلهمت الكثير من أفكار قطب حول الجهاد والتكفير، حيث تبنت مفهوم الجهاد ضد "الطواغيت" (الحكومات المسلمة التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية) وقامت بتوسيع نطاق العنف ليشمل الغرب. وفي وقت لاحق، قامت **داعش* بتطوير هذه الأفكار إلى مستوى أكثر تطرفًا، حيث لم تكتفِ بتكفير الأنظمة، بل وسعت مفهوم التكفير ليشمل غالبية المسلمين الذين لا ينضمون إلى مشروعها.

تأثير سيد قطب لم يقتصر على الجماعات الجهادية الكبرى مثل القاعدة وداعش، بل امتد ليشكل أسس الفكر التكفيري على مستوى عالمي. العديد من الحركات الجهادية في الشرق الأوسط وخارجه، بما في ذلك في إفريقيا وآسيا، تأثرت بشكل مباشر بفكر قطب. الفكر القطبي ليس مجرد تفسير أيديولوجي للدين، بل هو دعوة مفتوحة للعنف السياسي والاجتماعي ضد كل من يعارض الرؤية الإسلامية المتشددة.

حتى في أوروبا، شهدت الساحة صعودًا لتيارات إسلامية متطرفة تأثرت بالأفكار القطبية. الحركات التي نشأت في أوساط الجاليات المسلمة في الغرب استخدمت نفس الأدوات الفكرية لتبرير هجماتها الإرهابية ضد الحكومات والمؤسسات الغربية، معتبرة نفسها جزءًا من "الطليعة المؤمنة" التي تحدث عنها سيد قطب.

بالرغم من الانتشار الواسع لأفكار سيد قطب في صفوف الحركات الإسلامية المتطرفة، فإن نقدها لم يتوقف من داخل الأوساط الإسلامية التقليدية. يرى العديد من العلماء أن الفكر القطبي يشكل انحرافًا عن الفهم الأصيل للإسلام، ويؤكدون على أن الإسلام لم يكن يومًا دعوة إلى العنف أو التكفير. التفسير المتشدد الذي قدمه سيد قطب يشوه طبيعة الدين ويستغل النصوص الشرعية لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالمبادئ الإسلامية.

العلماء التقليديون يؤكدون أن الإسلام يسعى إلى نشر العدل والسلام، وليس إلى تكفير الناس أو فرض السلطة بالقوة. ويعتبرون أن انتشار الفكر القطبي يشكل خطرًا كبيرًا على المجتمعات الإسلامية لأنه يؤدي إلى تفتيت الأمة وإضعافها من الداخل.

رغم محاولات الإخوان المسلمين وبعض الحركات الإسلامية المعتدلة النأي بنفسها عن أفكار سيد قطب، فإن تأثيره لا يزال قويًا في أوساط الحركات المتطرفة. لقد شكلت أفكار قطب الأساس الفكري للحركات الجهادية التي انتشرت في العالم الإسلامي وخارجه، وما زال الكثيرون يعتبرونه الأب الروحي للفكر التكفيري في العصر الحديث. يبقى السؤال المطروح اليوم هو: كيف يمكن مواجهة هذا الفكر والتصدي لتأثيره على الحركات الإسلامية المعاصرة؟
 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية