كير الإخوانية والمجتمع الأمريكي

كير الإخوانية والمجتمع الأمريكي

كير الإخوانية والمجتمع الأمريكي


30/01/2024

خالد العضاض

مع تبدل الموقف الأمريكي من جماعة الحوثي، وإدراك السياسة الأمريكية مدى الخطأ الفادح الذي وقعت فيه، حينما رفعت اسم الحوثي من قوائم الإرهاب، فهل يتبدل موقفها من مسألة عدم إدراج جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية كجماعة إرهابية؟!

مع عدم تفاؤلي ولو بنسبة ضئيل إزاء ذلك، إلا أن هناك ما لا يتم الحديث عنه بدرجة كافية، وهو وجود لوبي إخواني في أمريكا، بدأت قوته بالتصاعد من الخمسينيات، وما لا يتم الحديث عنه إلا نادرًا، هو أن الجماعة الإرهابية، تُنشئ مجموعة من الأعمال والمشاريع، التي يظهر في العلن أنها بعيدة عنها كل البعد، وحينما يتم اكتشاف صلتها بذلك المشروع، تتم تعمية الأهداف والأغراض الحقيقية له، بأغراض أخرى وهمية.

وهنا سأتحدث عن البدايات الإخوانية في المجتمع الأمريكي، والبدايات الهزيلة والضعيفة غالبًا ما تغيب أو تنسى، أو لا تحتسب أثناء عملية المعايرة؛ لعملية التطور والتمرحل المهمة في استكشاف مستقبل الإرهاب، والتي منها يمكن القراءة الدقيقة لإستراتيجيات الجماعة الإرهابية، في خضم الفوضى الهائلة من المعلومات والأحداث المضللة، التي تختلقها الجماعة نفسها.

وبداية تدفق أفراد الجماعة الإرهابية إلى المجتمع الأمريكي، كانت مع صدورِ قانون الهجرة والجنسية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1965، عندما تدفق مئات الآلاف من مسلمي الهند وباكستان، وجنوب شرق آسيا، والعالم العربي على أمريكا، وبعد تفعيل هذا القانون وتطبيقه بصورة واسعة عام 1968، بدأ أعضاء جمعية الطلاب المسلمين [(MSA): Muslim Students Associati]، وهي منظمة تُعد الدارسين في الجامعات الأمريكية من العرب والمسلمين للعودة إلى أوطانهم، ليكونوا أعضاء فاعلين في الجماعة الإرهابية كل في بلده، يفكرون في الإقامة بأمريكا، واستقدام أسرهم، بعد تخرجهم، وحصول الكثير منهم على درجات جامعية عليا في العديد من العلوم، ونجاحهم في اقتحام سوق العمل. هنا تحوَّل دورُ (MSA) والمنظماتُ المنبثقة عنها، من رعايةِ مجموعة من المغتربين، إلى محاولة تأسيسِ مجتمعٍ إسلامي في الولايات المتحدة، قادر على التأثير في المجتمع الأمريكي ونخبه، لمناصرة قضايا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

ولتحقيقِ هذه الأهداف نشأت منظماتٌ جديدة وقفت وراءَها قيادات (MSA) السابقون؛ الذين صاروا يحتلون مواقع متميزة في المجتمع الأمريكي.

وكان من هذه المنظمات منظمات أُنشئت للقيام بدور سياسي لخدمة أجندة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وقد تبيَّن أن هذه المنظمات تخلط في عملها بين أهداف تتعلق بالداخل الأمريكي، وأخرى ترمي إلى التأثير في السياسة الخارجية طبقًا لما تريده الجماعة الأم، ويأتي على رأس هذه المنظمات: مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية [(CAIR): Council on American-Islamic Relations]، والذي أنشئ في 1994 بواشنطن، كجماعة ضغط للتأثير في القرار الأمريكي، وكان هذا المجلس من أكثر المنظمات الإسلاموية نشاطًا وتأثيرًا وفعالية في المجتمع الأمريكي، وتم استخدام هذا التأثير والشرعية المجتمعية لدى المجتمع المسلم في أمريكا لدعم الجماعة الإرهابية، ومحاولة ممارسة دور جماعة ضغط للتأثير في السياسة الخارجية الأمريكية في العالم العربي لمصلحة الإخوان، الأمر الذي أعطى للمجلس دورًا مزدوجًا وجعله منظمة ذات وجهين، فهو في الداخل الأمريكي يدافع عن المسلمين، وفي الخارج هو منظمة إخوانية يحمل أجندة جماعة الإخوان بكل قوة وصرامة، والحقيقة أن من هم في الداخل الأمريكي لا يعرفون الوجه الخارجي للمجلس، ومن هم في الخارج لا يعلمون كثيرًا عن الدور الداخلي له.

والمتوقع أن يتخلص المجلس من هذه الازدواجية، وربما يتخلص من التصادم مع الدول العربية، بعد أن بدأت بخطوات ذوبان حقيقي في المجتمع الأمريكي، والمرجح عندي أن ذلك ما هو إلا دورة تضليل جديدة تقوم بها الجماعة الإرهابية، لمرحلة قادمة.

ظلت (كير) محافظة على أجندتها اعتمادًا على الموقف الإيجابي من الإدارة الأمريكية تجاه التنظيم العالمي لجماعة الإخوان، على الرغم من مرور أحداث مفصلية مهمة، جعلت الإسلام والمسلمين في مركز اهتمام المجتمع الأمريكي، حيث فرضت تحديات كبرى تحولاتٍ أساسية في بنية وهيكل وأهداف وطريقة عمل هذه المنظمات، قبل (كير وبعدها، أولاها: ثورة الملالي في إيران عام 1979، وما تبعها من تحولات في المنطقة العربية، مثل صعود حركة الصحوة، وما صاحبها من خروج للمؤسسات الإسلامية للعمل في الغرب، وهذا بدوره أدى إلى التدفقات المالية السخية عليها من بعض الدول العربية، وعلى الجانبِ الآخر، كان من آثار الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن الأمريكيين زيادة الاهتمام بالإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا اعتنق الإسلامَ كثيرون من الأمريكيين، ودخلوا في هذه المنظمات الإسلامية الأمريكية، مما دفعها تدريجيًا للاهتمامِ بالداخل الأمريكي. وثانيها: احتلال العراق للكويت وما تبعه من حرب الخليج الثانية 1990، فقد مثَّلَت هذه اللحظةُ التاريخية زلزالًا عصف بالمنظماتِ الإسلامية في أمريكا، حينما تصادمت المواقف السياسية مع المصالح الاقتصادية، وحدثت انقسامات في المجتمع المسلم الأمريكي، وارتفع صوت، أن يكون المسلمون الأمريكيون مواطنين أمريكيين، وليسوا تابعين لأوطانهم السابقة وقيادات جماعاتهم الدينية هناك، وثالثها: أحداث سبتمبر 2001، والتي مثلت لحظة تاريخية فارقة في تطور المنظمات الإسلامية في أمريكا؛ بصورة تجعل ما بعدها مختلفًا جذريًا عما قبلها، فقد جاءت نتائج هذه الأحداث لتدفع كل تلك المنظمات إلى التبرؤ من الانتماء للشرق، ولجماعاته المختلفة في العلن، الأمر الذي جعل جميع المنظمات الإسلامية على الأرض الأمريكية تؤكد أنها منظمات أمريكية وطنية.

استمرت (كير) على ارتباطها بتنظيمات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وبحركات الإسلام السياسي الفلسطيني، والتي وظفت نجاحاتها في الداخل الأمريكي، ووظفت سمعتها الجيدة لدى جميع الجاليات المسلمة والعربية؛ لتحقيق مكاسب لجماعة الإخوان الإرهابية، من خلال تصريحاتٍ يدلي بها غالبًا الفلسطيني الإخواني: «نهاد عوض» لوسائل الإعلام العربية خصوصًا قناة الجزيرة، ونظرًا لأن تلك التصريحات بالعربية فلم يلتفت لها أحد من جمهور (كير) الأمريكي، وهذا أحدث إرباكًا لصورة المنظمة في العالم العربي، وجرّها للمواجهة مع بعض الدول العربية.

أخيرًا، استفادت (كير) من رد فعل بعض الدول العربية، للوقوف بوجه جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، فوظفته على أنه جزء من حملة الإسلاموفوبيا ضدها؛ التي تأتي من اليمين الأمريكي المتطرف.

عن "الأهرام"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية