كتالونيا: أزمة هوية تأخذ شكلاً جهاديًا

كتالونيا: أزمة هوية تأخذ شكلاً جهاديًا


06/11/2017

 

"إنَّ التهديدَ واضحٌ في كتالونيا"، بهذه الكلمات الواثقة التي قيلت عام 2010  ونُشرت علناً من قِبل مجموعة ويكيليكس المضادَّة للسرية؛ أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء احتمالات ازدياد الراديكالية بين الشباب المسلم في برشلونة.
وطبقًا للوثيقة التي تم تسريبها، تشكل المدينة "مفترق طرق أنشطة مثيرة للقلق"؛ حيث تسكنها جالية مسلمة كبيرة، تعرض جزءٌ صغيرٌ منها للتجنيد من قِبل الجماعات الجهادية. فالمهاجرون من شمال أفريقيا وباكستان وبنغلاديش حوّلوا الإقليم إلى "نقطة جذب لتجنيد الإرهابيين".
ففي اليوم التالي لهجمات 17 أغسطس (آب) نشرت الصحف الإسبانية أرقامًا توضّح هذا الخطر في صورة إحصاءات. وتحظى برشلونة إلى جانب مدريد ومدن إسبانية تتمتّع بحكم ذاتي مثل؛ سبتة ومليلة، بعدد استثنائي من الجهاديين؛ حيث يعيش حوالي ثلث سكان إسبانيا المسلمين في هذه المدن، وبين عامي 2012 و 2016، تم القبض على 178 جهاديًا من كافّة أنحاء البلاد كافة؛ ينتمي معظمهم إلى واحدةٍ من هذه المدن الأربع.
وليس من قبيل المصادفة أنّ الكثير من مسلمي إسبانيا يعيشون في كتالونيا، فالاقتصاد المزدهر في الإقليم جائعٌ للعمالة الرخيصة الأجر، كما أنّ الحكومة فتحت مركز توظيف لها في الدار البيضاء منذ  عام 2003، بعد محاولات غير ناجحة لجذب أيدٍ عاملةٍ من بولندا. ونتيجة لذلك، انتقل المزيد من المغاربة إلى كتالونيا. وفي عام 2015، كان نصف مليون مسلم يعيشون ضمن مجتمعها الذي يتمتّع بحكم ذاتي، ليشكلوا حوالي 7% من مجموع السكان هناك.

عام 2013: نقطة التحول
حتى عام 2013، شكل الأجانب ما نسبته 90% من المحتجزين للاشتباه بكونهم "جهاديين"، معظمهم من المهاجرين المولودين في المغرب وباكستان والجزائر، لكن، ووفقاً للباحثَين في شؤون الإرهاب: فرناندو ريناريس وكارولا غارسيا-كالفو، فإن الوضع تغير؛ إذ وجد الباحثان أنّ حوالي نصف المحتجزين بعد عام 2013؛ هم من المواطنين المولودين في إسبانيا، وقد وقعت معظم عمليات الاعتقال في منطقتي سبتة ومليلة.
وبالعودة إلى العام  2013، يتبين أنّه يمثلُ نقطة تحول رئيسية من ناحيتين؛ أولًا: ما أثارته وحشية الحرب في سوريا من غضب لدى جزء من الشباب المسلم في إسبانيا مما أدى إلى تشدده في نهاية المطاف. ثانيًا: بلوغ الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين الشباب سن الرشد، وإذ تُعدُ هجرة المسلمين ظاهرةً جديدةً نسبيًا في إسبانيا، بعد أن بدأت مطلع التسعينيات من القرن الماضي، فإنّ اندماج هذا الجيل مع المجتمع ما زال يعاني ارتباكاً.

شكل الأجانب ما نسبته 90% من المحتجزين للاشتباه بكونهم "جهاديين"، معظمهم من المهاجرين المولودين في المغرب وباكستان والجزائر

التعددية الثقافية المشكوك فيها
تقوم "الجينيراليتات"، حكومة الحكم الذاتي في كتالونيا، بإضفاء المديح على الجو  متعدد الثقافات في برشلونة، إلا أنّ الصحافي إغناسيو سيمبريرو  يرى في كتابه "إسبانيا الله" أنّها "تفعل القليل جدًا من أجل دمج المهاجرين المسلمين بالمجتمع"، ويقول سيمبريروفي كتابه: "تُعَد برشلونة المدينة الأوروبية الكبرى الوحيدة التي لا يوجد بها مسجد كبير".
ويشيرُ سيمبريرو إلى أنّ مقترحات بناء مساجد صغيرة في المدينة يتم رفضها بشكل منتظم، وأنه عوضاً عن ذلك، تَمنح إدارة المدينة الإذن بالبناء في مناطق تجارية أقل جاذبية. ويَذكر أنّ "الجينيراليتات" تُماطِل في إقامة أي نظام تعليم ديني إسلامي في المدارس.
ويُرجع المؤلف ذلك بشكلٍ جزئيٍ  إلى أنّ "أسطورة الأندلس"، المملكة الإسلامية  التي كانت موجودة في معظم إسبانيا لما يقرب من 800 سنة "711-1492"، لا تزال حاضرةً في أذهان جميع الأطراف المعنية،  وهو ما أدى كذلك إلى  عدم قبول الطلبات التي تقدمها دول الخليج الغنية لبناء المساجد حتى الآن. فـ"إسبانيا، بما في ذلك كتالونيا، لها جاذبية خاصّة في أعين العرب"، يشير إليها سيمبريرو في كتابه: "بالنسبة إلى العرب، لا يتساوى استثمار بترودولارتهم لبناء مسجد في برلين المدينة التي تحظى بأكبر حضور مسلم في أوروبا، مع برشلونة، التي كانت جزءًا من الأندلس منذ عام 801".

هوية مزدوجة، نزاع مزدوج
إذا كان كثيرون من أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين في إسبانيا يجدون صعوبةً في حل التوتر الحاصل بين جنسيات والديهم وهويتهم الإسبانية، وبين الدين كما يمارس داخل الأسرة والبيئة العلمانية التي يعيشون فيها، فإنَّ هذا الصراع يتسمُ بصعوبة مضاعفة في كتالونيا، فهذا الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، يزاحم على نحو خاص الحكومة الإسبانية، فينتج هويةً مزدوجةً تجعل اندماج المهاجرين أكثر صعوبة.

"أسطورة الأندلس"، المملكة الإسلامية  التي كانت موجودة في معظم إسبانيا لما يقرب من 800 سنة "711-1492"، لا تزال حاضرةً في أذهان جميع الأطراف المعنية

ويقول الباحث في شؤون الإرهاب فرناندو ريناريس: "في كتالونيا، لا نرى كثافةً ملحوظةً للحركات السلفية فحسب، وإنما أيضًا، مجتمعًا منقسمًا على مسألة الهوية"، ويضيف أنّ العديد من المهاجرين لا يعرفون ما إذا كان ينبغي أن يُعرّفوا أنفسهم كإسبان أو كتلانيين "نسبة لكتالونيا".
ويرى ريناريس أنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون نشاط "التجنيد الجهادي" في كلا المنطقتين أعلى من المتوسط، فبالنسبة لكثير من المهاجرين الشباب، يوفّر "التطرف الإسلاموي" هويةً محددةً تتمتع بوضوحٍ لا يمكنهم العثور عليه في الواقع المعقّد لإسبانيا وكتالونيا.

كيرستين كنيب- دويتشه فيله


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية