كامل رحومة: الشاطر سعى لإسقاط مرسي

كامل رحومة: الشاطر سعى لإسقاط مرسي


27/12/2017

يعد كامل رحومة ابن مدينة دمنهور اليوم واحداً من أهم "مثقفي المكان" في مصر، الذين اختاروا الابتعاد عن الأضواء إلا ببعض المقالات وتنظيم الندوات والحوارات الثقافية بالبحيرة؛ فهو عضو جمعية محبي عبد الوهاب المسيري لتنمية الفنون والآداب، وله مجموعة مهمة من المؤلَّفات حول فكره، كما صدر له "المقاهي الثقافية في العالم.. القاهرة باريس دمنهور"، و"ولا واحد دمنهوري.. فلكلور وحكاوي في حبّ الوطن"، والكتاب الرابع تحت الإصدار بعنوان "نبي دمنهور.. مقاربة تاريخية لسيرة النبي إدريس".

قيل لي إنّني كنت أمثّل صداعاً للجماعة كوني ذا عقلٍ نقدي أناقش وأحاور وأحاسب وأتساءل

صديقه الكاتب الصحفي سامح عيد في كتابه "تجربتي في سراديب الإخوان" أطلق عليه، وذلك لما يحمله من أسرار الجماعة، لقب "الصندوق الأسود للإخوان"، وفي هذا اللقاء مع "حفريات"، يتحدّث رحومة عن تلك الفترة التي قضاها عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، وكان أحد قادتها، بدءاً من العام 1987، عندما تم تنظيمه من أحد جيرانه، حتى العام 1994، حين قررت الجماعة فصله، كما يكشف الكثير من ملابسات ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان، والتكتيكات التي يلجأون إليها في هذه المرحلة، وحقيقة مراجعاتهم وعلاقاتهم المتشعبة داخلياً وخارجياً.

ما هي ملابسات انشقاقك عن الجماعة بعد أن كنت أحد قياداتها؟

موضوع الانشقاق عن الجماعة، لي فيه وجهة نظر:

بدايةً، أنا أرفض وصف حالتي بتعبير "الانشقاق"؛ لأنّ الانشقاق يفسّره معناه اللغوي الذي ورد في المعاجم: انشقَّ الشَّيءُ: انفلق، انصدع أو انقسم، وهذا لم يحدث معي؛ بل حدث معي انفصال، ثم تطوّر الانفصال إلى قطيعة معرفية جزئية؛ لأنّني تركتهم، وتمسكت فترةً، ليست بقصيرة، بفكرة "الإسلام السياسي"، ثمّ تطوّرت القطيعة المعرفية الجزئية، إلى قطيعة معرفية كاملة لفكرة الإسلام السياسي؛ بعد الاطلاع، والدراسة، واعتراك الحياة، ومزجها بالرؤى الكلية لمقاصد الدين الحنيف.

* إذاً، حدّثنا عن "الانفصال"، وكيف كانت تلك القطيعة المعرفية؟

قصة انفصالي تصلح أن تكون نواة عملٍ دراميٍّ مليءٍ بالتفاصيل، واختصاراً؛ أنا لم أنفصل عنهم بإرادتي، بل هم فصلوني، في أواخر العام 1994، بقرارٍ اعترضت عليه كثيراً، واعتذرت منهم لأكثر من عامٍ ونصف العام، دون جدوى، فقد كان قرارهم نهائياً، بذلوا في تنفيذه جهداً كبيراً؛ إذ إنّني اكتشفت، بعد ذلك، أنّني كنت أمثل لهم عبئاً ثقيلاً، بسبب نقدي لتصرفاتهم، فكانوا ينوون التخلص منّي منذ أواخر العام 1989، لكن تجنيدي ضابط احتياطٍ ضمن صفوف الجيش المصري، حال دون تنفيذ ذلك.

الجماعة في مرحلة كمون وليس لديها أي نية لمراجعة أفكارها التي قامت عليها

وما ذكرته هو استناداً لشهادات قياداتٍ منهم، أصبحوا من أصدقائي المقربين بعد ذلك، من أمثال: سامح عيد، وعمرو كامل الذي كان رقماً مهماً داخل التنظيم الطلابي الإخواني، وقد انفصل عنهم طواعية. ولمّا سألت عن سبب تحفظهم على شخصي، رغم إخلاصي الفطري لفكرة الدعوة إلى الله، التي كنت أعدّهم، في تلك الأيام، من رموزها، قال لي سامح عيد إنّني كنت أمثّل لهم صداعاً، كوني ذا عقلٍ نقدي، أناقش، وأحاور، وأحاسب، وأتساءل. ومما أخبرني به أيضاً أنّهم كانوا يخشون من تكلفة طردي من الجماعة، تخوفاً من حجم علاقاتي الاجتماعية، التي كانت تسبّب لهم أزمة يصعب معها استيعابي داخل وعاء التنظيم، القائم على السمع والطاعة.

وقد ألمح سامح في كتابه "رحلتي في سراديب الإخوان"، في فقرةٍ بعنوان "كامل رحومة الصندوق الأسود"؛ أنّ مشكلتي الأساسية معهم هي علاقات الصداقة الشخصية، لا التنظيمية، مع قيادات إخوانية، أتعامل معهم كبشر يخطئون ويصيبون، وليس كمسؤولين، يأمرون فيُطاعون، وكان ذلك يسبّب قلقاً كبيراً لدى القيادات العليا؛ إذ إنّ مثلي لا يتخيل ادعاءات المشيخة الكاذبة، التي يصدّرونها للصف الإخواني، ما أتاح لي حزمة معتبرة من الأسرار التنظيمية، وكذا الشخصية.

* كيف استطاعوا إذن إزاحتك من التنظيم، رغم علاقاتك الاجتماعية الكبيرة، التي لمسناها عندما زرناك بمحافظة البحيرة؟

تمت إزاحتي بطريقة، يسمونها في التنظيمات، "التلبّس المصنوع"، التي اكتشفتُ، بعد ذلك، أنّها تكتيك ممنهج عندهم، فقد ذكر الباحث ثروت الخرباوي في كتابه الشهير "سر المعبد"، أنّهم استخدموا معه نفس التكتيك، وتقوم تلك الطريقة على توجيه أمر مباشر للشخص المطلوب، وغالباً ما يكون ذاك الأمر غريباً، لا تجري عليه أعراف الجماعة، ثم يختفي من أعطاك الأمر، ويحلّ محلّه، بعد التنفيذ، شخص آخر يحاسبك على ذاك الخطأ التنظيمي، ويفرض عليك عقوبةً، بسبب منطقي لإدانتك، والغريب أنّ عضو مكتب الإرشاد الحالي، د.جمال حشمت، الهارب إلى تركيا، كان من المشاركين في تلك التمثيلية، التي طُبِّقت فصولها على شخصي الضعيف؛ حين وجَّه إليّ شخص له سلطة روحية، أمراً بأن أعارض مرشحي الجماعة في الانتخابات، هما: د.جمال حشمت، وفتحي تميم، علناً أمام الناس، بحجة إعطائهم فرصة لتفنيد الشبهات حولهما، وحول الجماعة، كنوعٍ من تبادل الأدوار، فلمّا رفضتُ، ضغطوا عليّ بأدبيةٍ مشهورةٍ من أدبياتهم، تقول: "البركة في مشورة الجماعة، وإخوانك رأوا ذلك، ولا تشقّ عصا الطاعة والبركة في الشورى"، وأثناء قيامي بذلك علناً، اختفى المسؤول الروحي، وظهر المسؤول التنظيمي، الذي لم يأمر بما سبق، فبدأ يحاسبني على ما فعلتُ أمام جمهور الصف الإخواني، الذي كان لا يعلم المكيدة، وتمّ التعامل معي على أنني أشاغب علناً لإحراج مرشحي الجماعة، وتم إيقافي بسبب ذلك، لأجلٍ غير مسمى.

* نحن نتحدث عن أسلوب تآمري حقيقي في التعامل معك، فحدثنا، إذاً، عن هذا النهج في محاولة تكريس سلطة الإخوان في مصر؟

بالفعل كانت هناك مؤامرة من الجماعة في هذا السياق قبل أن تضيع منهم السلطة، وأؤكّد أنّ خيرت الشاطر ممن ساهم بطريقة ما في نجاح ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 التي أطاحت بالإخوان، بسبب طمعه في السلطة، ورغبته في انتخابات رئاسية مبكرة؛ بحيث يتم استبدال مرسي به، ولديّ قرائن على صحة ذلك، فقد كانت عينه على الرئاسة منذ الوهلة الأولى، وكان هذا ظاهراً عندما قرّر ألاّ ينزل الإخوان إلى الميادين، في ذلك اليوم، بعد أن كانوا قرروا النزول. من المعلومات التي وصلت لي من داخل الجماعة أيضاً، حدوث استفتاء داخلي، أشبه بالورقة البحثية، لمعرفة رأي الشعب المصري في النزول يوم 30 يونيو، ضدّ الرئيس الإخواني محمد مرسي، ووصلت نتيجة الاستفتاء إلى أن أكثر من 90% من الشريحة المستهدفة سينزلون ذلك اليوم وسيشاركون في الثورة على الإخوان، لكن تم تزوير هذا الاستفتاء كعادتهم لتصبح نسبة المشاركين من الشعب فقط 43% تقريباً، ليمارس خيرت معهم خطة الخداع المتفق عليها مع الأمريكان. وقد أكد لي هذا التزوير قيادي من المنوفية قريب من الدكتور كمال الهلباوي، وقال إن هناك تحقيقات داخلية تمت داخل الجماعة مع أفراد شكّكوا في نتيجة الاستفتاء، بتهمة عدم الثقة في القيادة مع تلك النسبة التي جعلت جمهور الإخوان مطمئناً جداً بألا أحد سيخرج ضد مرسى في 30 يونيو، لذا أصابتهم أعداد الناس التي خرجت بالذهول.

كما من القرائن، أيضاً: أنّ محمد البرادعي كان يعرف بهذا الأمر، ولمّح بذلك في "مؤتمر الاتحاد الأوروبي"، في فلورنسا بإيطاليا الذي عُقد في شهر (مايو) 2015؛ حيث صرّح بوجود نيةٍ لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، تم التوافق عليها، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، بعد أن تم إعلان عزل محمد مرسي من منصبه واعتقاله.

خيرت الشاطر ... محمد مرسي

* ما تقوله معناه: أنّ هناك قيادات في الجماعة ذاتها كانوا يريدون إزاحة مرسي من الرئاسة؟!

نعم، بلا شكّ؛ نائب المرشد العام للإخوان، خيرت الشاطر، خرج عن شعوره، وركل كرسي مكتبه، عندما علم بخروجه من سباق الرئاسة؛ لأنّه خُدع؛ إذ إنّه هو من قدّم إثباتات للجنة الانتخابات على جنسية أم "حازم صلاح" الأمريكية، وكان يريد إزاحة مرسي، بعد ذلك أيضاً، وما حدث في 30 يونيو؛ أنّ الدولة المصرية استطاعت توجيه الرغبة الأمريكية، وكذا الرغبة الإخوانية، في انتخابات رئاسية مبكرة، باستخدام سياسة "طعم الصنارة"، ثم فاجأتهما بقرارات 3 تموز (يوليو) 2013، ولعلّ ذلك يفسّر الموقف المتذبذب لعبد المنعم أبو الفتوح؛ فقد تحوّل، بعد 3 يوليو، إلى شخصٍ آخر؛ لأنّه كان، هو أيضاً، يعوّل على الانتخابات الرئاسية المبكرة.

* الغريب أنّك أصبحت عضواً عاملاً في حزب مصر القوية، الذي يقوده القيادي في الإخوان المفصول عبدالمنعم أبو الفتوح؟!

كنتُ عضواً، وانفصلت، وأبو الفتوح ليس عضواً عادياً؛ بل ما يزال قيادياً في التنظيم الدولي للإخوان، وهذا هو السبب الرئيس والأساسي لانفصالي عن حزب مصر القوية، حين علمت أنّ أبو الفتوح مايزال ينهل من نفس ذاك المَعين الإخواني؛ بل هو رافد من روافده، لذلك طويت تلك الصفحة.

* وماذا بالنسبة لشخصيات معروفة مثل عمرو خالد، والإعلامي باسم يوسف اللذين تم تداول أقاويل عن علاقتهما بالإخوان أيضاً؟

عمرو خالد؛ ابن الإخوان، وابن التنظيم الدولي، وأحد روافده، وأعتقد أنّ الدولة المصرية تعامله كما تعامل الهلباوي، أمّا "باسم يوسف"؛ فهو إعلامي طبقاً لقيم السوق الأمريكية، لكن المسؤولين عن إنتاج برنامجه من الباطن هم الإخوان أنفسهم؛ والمنتج الظاهر هو طارق عدلي القزاز، ووالده عدلي القزاز، عضو مهم جداً في تنظيم الإخوان، وكان مستشار الرئيس الأسبق محمد مرسى لتطوير التعليم، ومقرباً جداً من خيرت الشاطر، وأدعو هنا إلى مراجعة أول 6 حلقات له على اليوتيوب، أيام ميدان التحرير، فقد كانت تحمل تطبيعاً واضحاً لفكر الإخوان داخل النسيج المصري، بحيث يسخر من كل من يتهم الإخوان والكنتاكي، والأجندة والتمويل الأجنبي.. إلخ، مستغلاً أنّ الشعب المصري بطبيعته يتأثّر بالنكتة والفكاهة، وهو ما فعله باسم، وللعلم؛ هو له علاقة قوية بخيرت الشاطر، وأملك معلومة، شبه مؤكدة، أنّ خيرت الشاطر كان المنتج الخفي للبرنامج، بدليل أن باسم لم ينتقده شخصياً في أي حلقة من حلقاته ولو لمرةٍ واحدةٍ!

* كيف تنظر بعيون إخواني سابق إلى الأعضاء المنشقين؟

الانشقاق داخل الإخوان لا أصدقه، فهم يجيدون تبادل الأدوار، أنا أسميها: صراعات، أو اختلافات في وجهات النظر، أو خلافات في آليات العمل، أو مواقع النفوذ والموارد في الجماعة؛ أي خلاف على المستوى التكتيكي فقط، أمّا انشقاق؛ فلا أظنّ، وعلى مستوى الأفراد، يمكن لأحد من العناصر أن يقوم بعمل مراجعات لفكر وسياسات الجماعة، لكنّ عليه أن يختار هنا؛ إمّا أن يعلن، وإمّا أن يجعلها في دائرة مفهوم "الإصلاح من الداخل،" الذي يجيد التنظيم التعامل معه، تحت باب الشورى وحرية الرأي داخل الجماعة، فإذا أعلن، فعليه أن يتحمل حملات التنظيم لتخوينه وتسفيهه، وقتله معنوياً، وحصاره، ..إلخ، وغالباً لن يقدم على تلك الخطوة. وإمّا أن تكون المراجعة على مستوى التنظيم، فذاك معناه انتهاء الجماعة، وانحلالها ذاتياً؛ حيث إنّها، في تصوّري، تقوم على مجموعة أساطير، إذا انقضت، تنفضّ الجماعة بأكملها، ومَن يوظّف تلك الجماعة، يعلم ذلك جيداً.

يلجأ الإخوان حينما يريدون فصل أي عضو غير مرغوب فيه إلى طريقة "التلبّس المصنوع"

* أي إنّك، بهذا الكلام، تنفي عن الإخوان أيّ مسلك، فرديّ أو جماعيّ، للمراجعة!

نعم، بكلّ تأكيد، فهم كتنظيم، لم يراجعوا أفكاراً أو سياساتٍ؛ بل قاوموا أيّة مراجعة جادة، بالتسفيه والملاحقة، وأحياناً بالعنف الداخلي، كما سيقاومون أيّة عملية للتفكير داخل الجماعة. هذا أمر نهائي، لكن ستمر مرحلة السيسي عليهم، كما أتوقّع، بالكمون، في انتظار ما بعد السيسي، وسيتحوّل التجنيد عن طريق الدعوة الفردية، إلى "توظيفٍ"، لا "تجنيد"، وسيرتدون أحد أقنعتهم، بتعبير طارق أبو السعد، وغالباً، بل طبعاً، سيتجهون إلى التأثير الثقافي، أو صناعة النخبة، وهذا حدث بالفعل؛ سيطرة، وانتشار كبير في المؤسسات الثقافية؛ هم، يحاولون السيطرة عل أماكن اليسار القديمة، بإحلال نخبة مكان أخرى، وهذا أحد أهم خلافاتي مع وزير الثقافة حلمي النمنم، ولطارق أبو السعد رأي مهم يمكن الرجوع إليه؛ بل أنا أعدّ كلامه بلاغاً لمن يهمه الأمر، المؤسسات الثقافية هي الهدف الرئيس للكمون فيه الآن.

* كيف ترى مستقبل الجماعة في ظل وجود مجموعات نوعية مسلحة لها مثل "حسم"؟

الإخوان ينفون صلتهم بـ"حسم"، والأمن يؤكّد، وعلى المستوى السياسي؛ الإخوان يجيدون تسويق كل ما هو كذب، أفضل من أيّ صدقٍ تسوّقه الأجهزة الأمن للأسف، يعني، كما يقول المثل الشعبي، "كذب مساوي ولا صدق ملغبط"، فصدق الأمن كثيراً ما يكون أفشل تسويقياً من كذب الإخوان، والجماعة ستستمر في نفي صلتها بحسم، حتى ينتهي دورها، وتبدأ بتغيير جلدها، كما فعلت في الماضي، ويصبح خطابها، مجاراةً للأحداث؛ خطاب حمائم ومظلومية واضطهاد، ومستقبل الجماعة، أصلاً، مرهونٌ بمن بيده الأمر "اللي موظفهم"، يعني؛ ونحن مع الإخوان، نتكلم عن دول أخرى، تديرهم كجماعة وظيفية، بتعبير عبد الوهاب المسيري.

* هل تقصد إيران التي التقى وفد منها إبراهيم منير في لندن، أم قطر وتركيا؟

هي موظفة لدى كلّ هؤلاء، خاصة إيران، فعلاقة الجماعة بالشيعة لها مستويان؛ مستوى فكري، أو قل فلسفياً، ومستوى سياسي عملي، أما عن الأول؛ فقد كنت قد قلت في السابق، إنّ أركان البيعة العشرة تؤكّد شيعية الجماعة، وتحديداً ركن الثقة، لا يوجد في الإسلام بند اسمه "ثقة" في شيء، والنموذج الإسلامي في التفكير هو العقل النقدي، أن تشكّ في كلّ شيء، فمثلاً؛ كان الرّسول، عليه السلام، يمشي في الظلام مع زوجته صفية، فنادى صحابته قائلاً لهم: "إنها صفية"، منعاً للشبهات، ولم يطلب منهم أن يثقوا فيه ثقة عمياء، والثقة في القيادة؛ هي المقابل الموضوعي للمبدأ الشيعي "عصمة الإمام"، أي إنّ الإمام لا يخطئ.

أفراد الجماعة يقاومون أية مراجعة جادة بالتسفيه والملاحقة وأحياناً بالعنف الداخلي

من الأشياء التي تؤكد شيعية الجماعة، أيضاً: منصب المرشد، فهو غير موجودٍ في صلب التاريخ الإسلامي، إلا عند الشيعة، فهو اختراعٌ شيعيٌّ، هذا إلى جانب ادّعاء الجماعة أنّ حسن البنا هو صاحب أول مشروعٍ إسلامي مكتوبٍ، بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهذا معناه أنّه إمامٌ غائبٌ، ومعناه أنّ الـ13 قرناً قبله، كانوا فيها لا يفقهون ما فقهه هو؛ فمن أين له بهذا الفيض من المشروع الذي يدّعيه؟ هل أُوحي إليه؟ أم جاءه هذا المشروع إشراقاً!؟

وأفكار البنا التي يتغنون بها تحتاج إلى المراجعة؛ فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كلمة "الله غايتنا"، مصدر قلقٍ في العقيدة الإسلامية؛ لأنّ الغاية تدرك؛ فهل، معاذ الله، يدركون الله ويمسكونه، هذا شعار ضدّ فكرة التوحيد أصلاً، وهو من جملة الانحرافات الفكرية لديهم.

* هل تنفي بذلك علاقة الإخوان بالمدرسة السلفية؟

كلا طبعاً، فعلاقة السلفيين بالإخوان علاقة وثيقة في الأصل الجذري، وفي البعد الفكري، وجذور هذا الفكر، فكلهم أولاد رؤيةٍ تستدعي الماضي التليد، وتدّعي أنّ فهم الإسلام الصحيح غائبٌ عن الناس، وكلّهم يعملون على عودة هذا الإسلام؛ بل وكثير منهم يتفقون في مسألة غياب الخلافة، وغياب الفهم الصحيح، والحاكمية، بنسخها المختلفة المتفاوتة.

الأفكار مشتركة، لكنّهم مختلفون في وسائل تحقيق ذاك الهدف، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف بعض أنواع السلفية؛ كـ"الجامية"، أو "المدخلية"، مع ما سبق، واتفاقها معهم في الماضوية.

الصفحة الرئيسية