قيس سعيد يجمع كل الأدوات المساعدة لتحقيق مشروعه

قيس سعيد يجمع كل الأدوات المساعدة لتحقيق مشروعه


27/07/2022

استفاد الرئيس التونسي قيس سعيد منذ انتخابه في 2019 من المناخ القائم آنذاك والذي يظهر فيه السياسيون من مختلف الأحزاب في أسوأ صورة بسبب الصراعات والمشاحنات في البرلمان وتخليهم عن مطالب الناس المنادية بإحداث التغيير اللازم الذي يقود إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

ونجح الرئيس سعيد، الذي سعت حركة النهضة الإسلامية لتهميشه وعزله عن أداء أبسط مهامه في السياسة الخارجية وتصعيد الغنوشي مكانه، في أن يحصل على تعاطف الناس نكاية في النهضة ورئيسها راشد الغنوشي وسياسة التوافق التي أوقعت البلاد في أزمات حادة.

وبدأت صورة الرجل النظيف القادم من أوساط الأحياء الشعبية والقريب من الناس تسيطر على القلوب، وهو ما سهل عليه اتخاذ إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، والتي من بينها تجميد البرلمان ثم حله لاحقا ورفع الحصانة عن النواب وحل حكومة المحاصصة السياسية التي كان يقودها هشام المشيشي، وتشكيل حكومة من التكنوقراط بعيدة عن الأحزاب وعن التسويات والتوافقات المغشوشة.

ويقول مراقبون إن تلك الإجراءات لم تكن حدثا مسقطا، بل هي حركة تصحيحية كان الناس يطلبون التعجيل بها للتخلص من الطبقة السياسية الفاشلة، وهو ما سهل على الرئيس سعيد لاحقا وضع خارطة طريق تفصيلية تدوم سنة كاملة وتنتهي بانتخابات تشريعية نهاية العام الجاري وتغلق قوس الأحزاب وحكومات المحاصصات الحزبية.

وقال الرئيس التونسي الثلاثاء بعد نجاح محطة الاستفتاء إن أول قرار بعد الاستفتاء على الدستور سيكون وضع قانون انتخابي يغير شكل الانتخابات القديمة.

ويعتقد مراقبون أن تغيير القانون الانتخابي سيظهر حجم التغيير الذي يريده الناس، خاصة إذا مضى في الانتخابات على أساس الأفراد وليس على أساس القوائم، وهي خطوة تنهي عمليا ترشح الأحزاب والتحالفات الظرفية التي كانت تجري في السابق وقادت إلى صعود نواب إلى البرلمان لا يمتلكون وعيا سياسيا كافيا ولا ثقافة، فضلا عن أن البعض منهم كان واجهة للوبيات فاسدة.

وأشار المراقبون إلى أن الجدل الواسع الذي دار في الأشهر الماضية حول الدستور خدم قيس سعيد؛ فقد بدا أغلب التونسيين داعمين لعودة النظام الرئاسي والتخلي عن النظام شبه البرلماني الذي حول حياتهم إلى جحيم. ولفت المراقبون أنفسهم إلى أن ما ضمّنه الرئيس سعيد لنفسه من صلاحيات واسعة في الدستور الجديد لم يكن مفاجئا بل هو استجابة لمطالب الناس التي يتصدرها مطلب “رئيس قوي ودولة قوية”.

وبحسب هؤلاء المراقبين فإن كل الظروف خدمت قيس سعيد وستساعده على تنفيذ مشروعه وما أزمع عليه من تغييرات، وهو ما سيلحظه الناس بدءا من تغيير القانون الانتخابي ومرورا بآليات الانتخاب ووصولا إلى النتائج وصعود برلمان جديد لا يحمل سوى مطالب الناس والرغبة في تقديم مقترحات وأفكار لتطوير أداء الحكومة.

لكن الأهم، وفق المراقبين، هو أن الرئيس سعيد قد أبقى على أداة مهمة تقوم على إهمال من يستحق الإهمال من السياسيين والنقابيين الذين أتيحت لهم فرصة وضع اليد في اليد مع الرئيس سعيد للخروج بالبلاد من أزمتها، لكنهم ماطلوا واختاروا مصالحهم وحساباتهم الخاصة فأهملهم ولم يفتح لهم أي باب للعودة بالرغم من الوساطات والتصريحات.

وأوصد قيس سعيد الأبواب أمام الغنوشي ومحمد عبو، الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي الذي دعم مسار الخامس والعشرين من يوليو ثم انقلب عليه، وكذلك نورالدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل الذي كان يبحث عن دور أكبر مما يسمح به وزن الاتحاد.

وحصل الرئيس التونسي على ما أراده من تفويض منذ إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021 من خلال مسيرات الدعم، لكن التفويض الأكثر وضوحا كان تفويض الاستفتاء على الدستور؛ فقد أظهر الشارع التونسي أنه لا يزال مع قيس سعيد ويدعم بقوة مسار التغيير الذي يعمل الرئيس على تنفيذه متحديا مختلف العراقيل.

وبُعيْدَ نشر النتائج الأولية للاستفتاء، ليل الاثنين – الثلاثاء، توافد المئات من أنصار قيس سعيد على شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة للاحتفال. وهتفوا بشعارات منها “الشعب يريد تطهير البلاد” و”انتهت اللعبة..السيادة للشعب”.

وقالت نورة بن عياد (46 عاما) التي كانت مع ابنها وتحمل العلم التونسي “خرجنا لنحتفل. نحن لسنا خائفين (…)، الذين سيخافون هم الفاسدون والمسؤولون الذين نهبوا الدولة”.

وقال رجل آخر “الآن وقد أعطيناه تفويضا سياسيا جديدا للتصدي للوبيات السياسية، نطلب من الرئيس سعيد أن يهتم بوضعنا الاقتصادي والأسعار وتوفير الغذاء بشكل كاف”.

ويريد التونسيون أن يروا تغييرا حقيقيا في حياتهم، لكن قبل ذلك يريدون محاسبة لوبيات الفساد المالي والسياسي التي أربكت البلاد.

ويقول قيس سعيد إنه لن يصبح دكتاتورا وسيحافظ على الحقوق وإن هناك دورا لبقية مؤسسات الدولة. وقال رافضا اتهامات المعارضة “التاريخ لن يعود إلى الوراء”، مضيفا أن الشعب قال كلمته وأن السيادة تعود إلى الشعب وأن عهد اقتسام الكعكة بين النخبة السياسية انتهى.

ورأى محسن النابتي الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي في تصريح لإذاعة موزاييك الخاصة أن “من أولويات التونسيين المحاسبة، إذ يعتبرون أن الإفلات من العقاب هو الذي أرسى سياسة الغنيمة”.

وفي الوقت الذي يراهن فيه خصوم قيس سعيد على الضغوط الغربية للوقوف في طريق الصلاحيات التي سيحصل عليها بفعل الدستور الجديد، يرى المراقبون أن ما يهم الغرب هو الاستقرار السياسي والأمني وبدء حلحلة الأزمة الاقتصادية، وهو ما بدا في تصريحات الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس.

وقال برايس بعد صدور النتائج الأولية للاستفتاء “مثلما أكدنا دائما، فإن الأمر متروك للشعب التونسي ليقرر مستقبله السياسي، وسنواصل الوقوف إلى جانبه”.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية