قمة الأسد وأردوغان أقرب من أي وقت مضى

قمة الأسد وأردوغان أقرب من أي وقت مضى

قمة الأسد وأردوغان أقرب من أي وقت مضى


08/12/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

تبدو لي تحرّكات تركيا الخارجيّة في الفترة الأخيرة كشيء سبق لي رؤيته. كما حدث قبل ستّة أشهر تقريباً، تُجدّد أنقرة مرّةً أخرى علاقات إقليميّة كانت متجمّدة، وتُفكّر مليّاً في هجوم آخر على المسلحين الأكراد في شمال سوريا، وتكيل المديح لنفسها لتوصّلها إلى صفقة الحبوب الأوكرانيّة.

هذه المرّة، صديق أنقرة الجديد موجود في القاهرة، وليس في تل أبيب أو يريفان. ويبدو أنّ هناك إلحاحيّة أكبر فيما يخصّ العمليّة العسكريّة المقترحة ضدّ «وحدات حماية الشّعب» بعد الهجوم الإرهابيّ الأخير الذي وقع في قلب إسطنبول، ناهيك عن الانتخابات الوشيكة.

بالطّبع، تركيا ومصر كانتا على خلافٍ منذ الإطاحة بحكومة «الإخوان المسلمين» بقيادة محمّد مرسي عام 2013. وقد رحّبت أنقرة بالعديد من قادة الجماعة المنفيّين بعد الإطاحة. بدأت محادثات التّقارب قبل قرابة عامين، وصعدت وهبطت حتّى الأسبوع الماضي، عندما تصافح الرّئيس المصريّ، عبد الفتاح السيسي، ونظيره التّركي في حفل استقبال استضافه أمير قطر، الشّيخ تميم، ضمن فعاليات كأس العالم.

نقطة تحوّل

يُعتقد على نطاق واسع أنّ الزّعيم القطريّ نظّم الاجتماع، الذي نُظِر إليه على أنّه نقطة تحوّل تَظهر فيها قوّتان إقليميّتان وقد وضعتا خلافاتهما جانباً واحتضنتا التّعاون. مع توقّف أنشطة «الإخوان» إلى حدّ كبير، كانت القضيّة الرّئيسة هي ليبيا، حيث تدعم أنقرة حكومة الوفاق الوطنيّ، التي تتّخذ من طرابلس مقراً لها، في قتالها ضدّ المشير خليفة حفتر، المدعوم من مصر ودول عربيّة أخرى.

الرئيس السوري بشار الأسد يلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق عام 2020

وبما أنّ ليبيا الآن في معظمها سلميّة وتتّجه، كما نأمل، نحو انتخابات، فقد تمّت تسوية هذا القلق، أيضاً، إلى حدّ كبير. كانت موارد الطّاقة في شرق البحر الأبيض المتوّسط ​​نقطة خلاف أخرى. في عام 2020، استجابةً لاتّفاقيّة الحدود البحريّة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطنيّ الليبيّة التي وُقّعت في أواخر 2019، اتّفقت اليونان ومصر على اتّفاق بحريّ خاصّ بهما، وانضمّت القاهرة إلى «منتدى غاز شرق المتوسّط». من جانبها، لم تكن أنقرة سعيدة بهذه التّحرّكات.

وبالتّالي، كان من المفاجئ أنّه في اليوم التّالي لمصافحة السّيسي وأردوغان وصل وزير الخارجيّة اليونانيّ، نيكوس ديندياس، إلى القاهرة لتوقيع اتّفاقيّة بحث وإنقاذ بحريّ. وسُرعان ما ندّدت تركيا بالاتّفاق، وألقت باللوم على رغبة اليونان في تعزيز مطالبها المتطرّفة. ومع ذلك، امتنعت أنقرة عن انتقاد مصر، ربما لأنّ تركيا وليبيا وقّعتا صفقة متابعة خاصّة بهما بشأن التّنقيب عن النّفط والغاز قبل شهر واحد فقط.

يبدو أنّ سياسة المواءمات التركية تعمل بشكل جيّد. قد يكون اللقاء التّالي بين أردوغان والرّئيس السّوريّ، بشار الأسد، ربما بوساطة الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين

إذا وضعنا اليونان جانباً، والتي هي ملف فريد في السّياسة الخارجيّة لتركيا، فقد اتّبعت أنقرة في الغالب نهجاً هادئاً ومَرِناً في جميع أنحاء المنطقة مؤخّراً. ومنذ منتصف عام 2020، حسّنت تركيا علاقاتها مع المملكة العربيّة السّعوديّة، والإمارات العربيّة المتّحدة، وإسرائيل، وأرمينيا، ومصر.

15 مليار دولار في الطريق

لماذا التّحوّل إلى الدّبلوماسيّة؟ جزئيّاً، بُغية الحصول على دعم ماليّ في خضم الأزمة الاقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد. وبالفعل، يبدو أنّ تركيا، الآن، مستعدّة لتلقي 5 مليارات دولار من المملكة العربيّة السّعوديّة و10 مليارات دولار من قطر، مع احتمال أكبر لتلقيها هذه الأموال. لكن التحوّل يهدف، أيضاً، إلى زيادة الصّداقة والاستقرار الإقليميّين، الأمر الذي يميل إلى تعزيز التّعاون والنّموّ الاقتصاديّ.

اللافت للنّظر هو أنّ تركيا حقّقت نجاحات دبلوماسيّة من دون التّضحيّة بسياستها الخارجيّة المستقلّة. بحسب ما ورد، وضعت القاهرة شرطين لتجديد العلاقات: انسحاب تركيّ كامل من ليبيا وتسليم قادة «الإخوان» المنفيّين. وبالمثل، يُعتقد على نطاق واسع أنّ إسرائيل أبلغت تركيا أنّه عليها أن تغلق مكاتب «حماس» في إسطنبول. لم تقم أنقرة بأيّ من هذه الأشياء، لكنّها واصلت تحسين العلاقات.

تركيا  مستعدّة لتلقي 5 مليارات دولار من السّعوديّة و10 مليارات دولار من قطر، مع احتمال أكبر لتلقيها هذه الأموال. لكن التحوّل يهدف إلى زيادة الصّداقة والاستقرار الإقليميّين

ربما تكون تركيا قد قدّمت بعض الوعود التي لم يُكشَف عنها بعد، لكن هذا التّوازن المتجاسِر يتماشى مع مواقف سياستها الخارجيّة الأوسع. لقد وجدت أنقرة أنّها يمكن أن تتعارض مع مواقف الغرب - عن طريق قيامها بتعزيز التّجارة مع روسيا بدلاً من معاقبتها، ومهاجمة «وحدات حماية الشّعب» الشّريكة للولايات المّتحدة، ورفض الموافقة على دخول أعضاء جدد في «النّاتو»، وتهميش حرّيّة التّعبير - وتعاني عواقب طفيفة طالما أنّها تتبنّى في الوقت نفسه أجندة الغرب، كما هو الحال مع صفقة الحبوب، واستضافة ملايين اللاجئين، ودعم السّيادة الأوكرانيّة، وتجديد العلاقات مع دول مثل المملكة العربيّة السّعوديّة وإسرائيل.

يبدو أنّ سياسة المواءمات تعمل بشكل جيّد. قد يكون اللقاء التّالي بين أردوغان والرّئيس السّوريّ، بشار الأسد، ربما بوساطة الرّئيس الرّوسيّ، فلاديمير بوتين. وقال مسؤولون أتراك إنّ القمة قد تعقد قبل الانتخابات المقبلة في تركيا، المقرّر إجراؤها في حزيران (يونيو)، ومن المحتمل أن يُنظر إليها على أنّها مثال آخر على تغطرس أنقرة أمام الغرب.

سياسة المواءمات

إذاً، ما الذي يمكن أن تكون عليه سياسة المواءمات هذه؟ أخيراً، حسم الجاران والعدوّان القديمان إسرائيل ولبنان نزاعهما البحريّ طويل الأمد. الآن، هناك حديث عن أنّ لبنان وسوريا سيلتقيان قريباً لترسيم حدودهما في البحر الأبيض المتوسّط. في هذه الأثناء، تستعدّ مصر والسّلطة الفلسطينيّة، إلى جانب شريكين غير محتملين، إسرائيل و«حماس»، لإبرام صفقة بقيمة 1.4 مليار دولار لاستخراج الغاز قبالة سواحل غزّة.

وفجأةً، ليس من المستبعد أن نتخيّل تركيا، وسوريا، ولبنان، ومصر، وليبيا، وإسرائيل في تحالفٍ إلى حدّ كبير بخصوص الحدود البحريّة والطاقة في البحر الأبيض المتوسّط. وبدعم من دول الخليج، قد تتمكّن هذه المجموعة من ضمّ اليونان وقبرص إلى جانبها، أيضاً.

قد تتذكّر أنّ بوتين هو الذي أخبر أردوغان، الشّهر الماضي فقط، أنّ رؤيته لتركيا كمركز للطّاقة يمكن أن تتحقّق. وفي اجتماع في شمال شرق سوريا في نهاية الأسبوع، حثّت روسيا «وحدات حماية الشّعب» الكرديّة على الانسحاب جنوباً والسّماح لقوّات النّظام السّوريّ بالسّيطرة على منطقة عازلة على طول الحدود التّركيّة. مثل هذا التّحوّل من شأنه أن يلغي الحاجة إلى توغّل تركيّ آخر ويُمهّد الطّريق لقمّة الأسد وأردوغان.

التّوقيت جيّد لأنّ تتوقّع أنقرة استئناف الحفر في البحر الأبيض المتوسّط ​​في الأيّام المقبلة، ومن المتوقّع أن تبدأ اكتشافاتها للغاز في البحر الأسود في الأشهر القليلة المقبلة. مع قليل من الحظّ، قد يكون أردوغان قريباً في وضع جيّد لتحقيق أحلامه في أن تصبح تركيا مركزاً للغاز، ومن المحتمل أن يزوّد أوروبا - التي تكافح هذه الأيّام لفطم نفسها عن الغاز الرّوسيّ - بشريان طاقة تشتدّ الحاجة إليه.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

ديفيد ليبيسكا، ذي ناشونال، 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية