قراءة في المفهوم الإسرائيلي للسلطة والدولة الفلسطينية

قراءة في المفهوم الإسرائيلي للسلطة والدولة الفلسطينية

قراءة في المفهوم الإسرائيلي للسلطة والدولة الفلسطينية


02/07/2023

كشفت تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي المفاهيم الإسرائيلية العميقة لمصطلحي "السلطة والدولة الفلسطينية"، وما بينها من فجوات عميقة تعكس الرؤية الإسرائيلية، التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، فهذه الرؤية لا ترى إمكانية لقيام دولة فلسطينية، بل تعمل على وأد فكرة الدولة بوصفها حلاً مرفوضاً من قبل إسرائيل، وأنّ أقصى ما يمكن أن تمنحه إسرائيل للفلسطينيين هو سلطة فلسطينية بمهمات محددة تتضمن إدارة الشؤون المدنية للسكان الفلسطينيين، ومواصلة التنسيق الأمني مع إسرائيل لمواجهة المقاومين الفلسطينيين، وهو ما يفسر تصريح نتنياهو الذي جاء بصورة رشوة مكشوفة لقيادة السلطة، باستعداده لمساعدتها مالياً، والمساهمة بتقديم حلول لأزماتها من خلال الإفراج عن مخصصاتها المالية المقررة باتفاق أوسلو.

إلى ما قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية المتطرفة بقيادة نتنياهو، كان حل السلطة الوطنية الفلسطينية التي تشكلت وفقاً لاتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير، أحد الخيارات المطروحة أمام السلطة، تلوح به وتستخدمه ورقة للضغط على الحكومات الإسرائيلية، لأنّ حل السلطة يعني أن تواجه إسرائيل مسؤوليتها في الضفة الغربية بوصفها قوة احتلال وفقاً للقانون الدولي، هذا بالإضافة إلى الفراغ الذي سينشأ بعد حل السلطة، والذي سيتجاوز مجرد الانفلات الأمني فقط، وهو ما تخشاه إسرائيل، وتركز عليه باعتباره الهدف الأساس من الموافقة على إنشاء السلطة وأجهزتها الأمنية.

الرؤية الإسرائيلية، التي تتبناها الحكومة اليمينية الحالية لا ترى إمكانية لقيام دولة فلسطينية، بل تعمل على وأد فكرة الدولة بوصفها حلاً مرفوضاً من قبل إسرائيل

لكن في ظل مشروع اليمين المتطرف الذي أصبح صاحب الكلمة العليا والقرار في الحكومة الإسرائيلية، انقلبت هذه المقاربة رأساً على عقب، وأصبح خيار حل السلطة الفلسطينية، بما هو عليه من كونه مقدمة لإقامة الدولة الفلسطينية لاحقاً، مطلباً لليمين الإسرائيلي، ترجمة لمشروعه القائم على إلغاء حل الدولتين، من خلال توسيع وشرعنة الاستيطان وتحويل الضفة الغربية إلى "كانتونات" معزولة جغرافياً عبر الاستيطان، وتحويل المحافظات الفلسطينية إلى "إمارات" معزولة تدير شؤون الخدمات العامة، ومحكومة مدنياً من خلال العشائر والعائلات في مراكز المحافظات.

ومن الواضح أنّ المشروع الذي يقدمه نتنياهو لا جديد فيه عملياً، رغم أنّه يحاول تقديم مقاربته بوصفها حلاً وسطاً لا يتبنّى طروحات اليمين المتطرف المطالب بحل السلطة، لكنّه يتفق مع هذا اليمين بإلغاء مبدأ حل الدولتين واجتثاثه، ولا شك أنّ مشروع نتنياهو أقلّ من كل المشاريع السابقة، بما فيها ما طرحه الرئيس الأمريكي السابق ترامب، فيما عُرف بصفقة القرن التي تم رفضها من قبل الأردن والقيادة الفلسطينية، والتي تتضمن حلولاً تترجم مفهوم السلام مقابل تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدولة هلامية، ليس فيها من عناصر الدولة إلا الاسم، قوامها مؤسسات خدمية لإدارة شؤون السكان، وأجهزة أمنية تكفل التنسيق مع إسرائيل، فما طرحه نتنياهو بالإضافة إلى أنّه يفصل بين الدولة والسلطة، فهو يلغي حتى مقاربة السلام الاقتصادي، ويجعله مقصوراً على موظفي السلطة ولا يشمل الشعب الفلسطيني.

سياقات المقاربة التي قدّمها نتنياهو غير معزولة عن جملة من التطورات؛ أبرزها: ارتهان وخضوع من قبل الليكود لأحزاب يمينية متطرفة تعيش حالة صدامية داخل إسرائيل، ليس على مستوى القضية الفلسطينية فحسب، بل على شكل ومضمون إسرائيل التي تتحول مع هذا اليمين إلى دولة دينية شمولية وبحرس ثوري، وهو ما ينذر بانقسامات حادة في إسرائيل لا يستبعد معها أن تتطور باتجاه حرب أهلية، على خلفية عنوانها الأبرز وهو التعديلات في القضاء وإخضاع قراراته للسلطة التشريعية، كما تأتي في ظل علاقة متشنجة بين إسرائيل وحليفتها أمريكا ومعها دول في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى قوى دولية كالصين وروسيا، ما زالت ترفض الاستيطان وتؤمن بحل الدولتين، يضاف إلى ذلك سياق جديد يتمثل بالتصعيد الذي تشهده مناطق الضفة الغربية عبر عمليات نوعية للمقاومة، ردّاً على حملات أمنية إسرائيلية، أنتجت قوى فلسطينية جديدة، وما زالت حدود ومضامين الردود الإسرائيلية تطرح تساؤلات حول قدرة هذه الحكومة على تحقيق الأمن للإسرائيليين، في الوقت الذي تتطور فيه أساليب المقاومة، والتي وصلت إلى إسقاط طائرات إسرائيلية وتفجير آليات مصفحة باستخدام عبوات متفجرة، وقد فشلت إسرائيل في جهود تشكيل تحالف "سنّي" ضد إيران، عكسته الشروط السعودية للتطبيع مع إسرائيل.

المشروع الذي يقدمه نتنياهو لا جديد فيه عملياً، رغم أنّه يحاول تقديم مقاربته بوصفها حلاً وسطاً لا يتبنّى طروحات اليمين المتطرف المطالب بحل السلطة، لكنّه يتفق مع هذا اليمين بإلغاء مبدأ حل الدولتين واجتثاثه

من المرجح أنّ مقاربة نتنياهو، وما تضمنته من حلول، تبدو مجرد مقترحات توفيقية، ومن غير المستبعد ألّا يكتب لها النجاح، وهي لا تتجاوز محاوله منه للظهور بموقف وسطي بين مطالبات المجتمع الدولي بضرورة دعم السلطة الفلسطينية، ومطالب اليمين بإلغائها وإلغاء فكرة الدولة الفلسطينية واجتثاثها، إلى جانب فكرة لا تبعد كثيراً عنها بإبقاء الخطر الإيراني عنواناً في سياساته الخارجية، وهما فكرتان تحظيان بإجماع غالبية الرأي العام الإسرائيلي.

كما أنّه لا السلطة الفلسطينية، ولا الرأي العام الفلسطيني في الداخل، ولا أيّ دولة عربية أو إسلامية، تقبل بحلول نتنياهو، التي تلغي كل المشاريع والأفكار التي طرحت منذ بدء السلام الفلسطيني الإسرائيلي، بما فيها اتفاقات أوسلو، كما أنّ تلك الحلول مرفوضة من قبل المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن، وفي مقدمتهم أمريكا التي وجهت انتقادات لنتنياهو واليمين المتطرف.  

مواضيع ذات صلة:

في فلسطين حرب.. ورقص أيضاً

إسرائيل تُرهب الفلسطينيين بـ"الذئب الأحمر"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية