فرنسا تصف "الإخوان المسلمين" بـ "الخطر على السلم الأهلي"... ماذا بعد؟

فرنسا تصف "الإخوان المسلمين" بـ "الخطر على السلم الأهلي"... ماذا بعد؟

فرنسا تصف "الإخوان المسلمين" بـ "الخطر على السلم الأهلي"... ماذا بعد؟


11/06/2025

حسين الديك

تصاعدت المخاوف من تنامي حضور جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، بعد أن ترأس الرئيس الفرنسي ماكرون، اجتماع مجلس الدفاع في 21 أيار/ مايو 2025، في قصر الإليزيه في العاصمة باريس، لمناقشة تقرير أعدّته المؤسسة الأمنية والاستخباراتية الفرنسية تضمّن حقائق وبيانات مقلقةً حول نشاط جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا، وُصفت بأنها تشكل تهديداً مباشراً للسلم الأهلي و"للتلاحم الوطني" وقيم الجمهورية الفرنسية. وخلال الاجتماع، طالب ماكرون بضرورة أن تقوم الحكومة الفرنسية بوضع حدّ لنفوذ الجماعة وفق إجراءات وضوابط صارمة.

وبيّن التقرير أنّ هناك 139 مسجداً مرتبطاً بالإخوان المسلمين، و86 مكاناً يتبع للجماعة، ما يشكّل نحو 7% من أصل 2،800 مكان عبادة للمسلمين، وأنّ متوسط الحضور في المساجد التابعة لجماعة الإخوان المسلمين أو القريبة منها يبلغ نحو 91 ألف مسلم في يوم الجمعة، وأنّ 280 جمعيةً خيريةً مرتبطةً بالجماعة تنشط في المجالات الاجتماعية، خاصةً الدينية والخيرية والتعليمية والمهنية والثقافية.

وبحسب صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، فقد صرّح وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، بأنّ هدف جماعة الإخوان المسلمين هو إغراق المجتمع الفرنسي بالشريعة الإسلامية التي تهدد قيم الجمهورية، ونشر أحكام الشريعة تدريجياً من خلال المساجد والجمعيات والأنشطة الاجتماعية والرياضية، خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية المسلمة والمهمّشة.

يُعتبر هذا التقرير إنذاراً سياسياً من قبل الحكومة الفرنسية بدعوة واضحة وصريحة إلى تحديث المرجعيات القانونية والأدوات التنفيذية لمواجهة حركة الإخوان المسلمين واختراقها للمجتمع الفرنسي، ما يستوجب إجراءات عاجلةً وتنسيقاً كبيراً بين المؤسسات الفرنسية ذات العلاقة، وتقديم تقارير بشكل مستمر عن نشاط الإخوان، للرئيس الفرنسي والبرلمان الفرنسي. في الوقت ذاته، يوصي التقرير "بضرورة إقرار برامج تعليمية ودمج اللغة العربية في المدارس الرسمية، واعتراف فرنسا بدولة فلسطين لتخفيف الإحباطات عند المسلمين الذين يأخذون على الدولة الفرنسية انحيازها لإسرائيل". 

الإخوان المسلمون في فرنسا… التأثير والتأسيس

وفقاً للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تأسس "اتحاد المنظمات الإسلامية" في عام 1983، لمتابعة أوضاع المسلمين في فرنسا، وفي عام 2017 عمل على تغيير اسمه إلى "مسلمي فرنسا" للتأكيد على أنه الممثل الشرعي للمسلمين الفرنسيين. ويضم نحو 250 جمعيةً، ويقوم بدور الوسيط بين المسلمين في فرنسا والمؤسسات الحكومية، لمنع التدخل الخارجي في تعيين أئمة المساجد في فرنسا وخطبائها.

وفي عام 2021، أسست الحكومة الفرنسية "مجلساً وطنياً لأئمة المساجد" بمشاركة تجمّع المسلمين في فرنسا واتحاد مسلمي فرنسا، وأجبرت الجمعيات والمؤسسات الإسلامية كافة في فرنسا على الكشف عن مصادر تمويلها. كما أسست "المجلس الفرنسي الإسلامي" لمنع التمويل الأجنبي للمساجد، إذ إنّ التمويل الخارجي لدور العبادة في فرنسا محظور بقانون 1905، وهي تعتمد في جمع الأموال على أنشطة المجلس الاقتصادية، والضريبة على المنتجات الحلال، وتبرعات الجالية الإسلامية في فرنسا.

ترى الدولة الفرنسية أنّ جماعة الإخوان المسلمين تهدد السلم الأهلي والتلاحم الوطني، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات على اعتبارها مشروعاً توسعياً يسعى لاختراق المؤسسات. إلا أن هذه الإجراءات تُثير جدلاً حول التضييق على الحريات الدينية واتهام المسلمين المعتدلين بالتطرف لمجرد نشاطهم الاجتماعي أو الثقافي

واستناداً إلى الدستور الفرنسي، فإنه لا يجوز تنفيذ إحصاءات سكانية بناءً على الدين أو العرق أو اللون، لأن ذلك يشكّل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان ونوعاً من التفرقة الدينية أو العرقية. لذلك فإنّ الإحصاءات السكانية كافة التي تنفّذها الحكومة الفرنسية لا تحتوي على أي بند أو سؤال حول الدين أو العرق، وتالياً فإنّ عدد المسلمين في فرنسا غير مثبت بشكل دقيق وفقاً لأيّ إحصاءات رسمية.

لقد "أصبحت هناك جالية إسلامية كبيرة في فرنسا تمثّل ما بين 10 إلى 15 مليون مسلم، ويوجد نحو 10 ملايين مواطن من مسلمي فرنسا يمتلكون حق الاقتراع. اليسار الفرنسي يعمل على الحصول على تلك الأصوات في جميع الانتخابات، وطبعاً الإخوان المسلمون يريدون استخدام الديمقراطية الفرنسية من أجل أن يفوزوا في الحكم في يوم من الأيام، كما حصل في مصر وإيران وبلاد إسلامية أخرى. وهناك اتحاد بين اليسار والإسلاميين كما حصل في إيران سابقاً. والحكومة مشكّلة أيضاً من الحزب الاشتراكي وبعض الأشخاص التقدميين، فهي لا تريد أن تُغضب اليساريين لكيلا تسقط، وتحاول أن توازن بين مكافحة الإخوان المسلمين والبقاء على علاقة جدية مع الأحزاب المتحالفة معها"، يقول المتحدث الرسمي باسم حزب الاستعادة الفرنسي، الدكتور جون مسيحة، في حديثه إلى رصيف22.

ويضيف: "الإخوان المسلمون في فرنسا يمثّلون مشروع تضليل، ويستخدمون أدوات تضليليةً لإخفاء طبيعتهم وفكرهم المتطرف، ويتسترون خلف الإسلام بأكمله، إلى درجة أنّ جمعية الإخوان المسلمين في فرنسا تسمّي نفسها رسمياً وقانونياً بـ'مسلمي فرنسا'، وبذلك يحتكرون تمثيل الجالية الإسلامية أمام الحكومة الفرنسية. هناك تلاعب بالمؤسسات والألقاب والقانون دون أن تدرك الحكومة الفرنسية تلك الألاعيب التي يستخدمها الإخوان للتغلغل في المؤسسات والمجتمع الفرنسي، وهذا موضوع خطير جداً، لأنّ مشروع الإخوان يتمثل في أسلمة كل البلاد غير الإسلامية، وتقاعس الحكومة الفرنسية عن اتخاذ إجراءات صارمة بحقهم سيؤدي إلى انتشارهم في المجتمع الفرنسي من خلال المدارس والمؤسسات، وهم يتطلعون الآن إلى الدخول إلى المؤسسات القضائية في فرنسا ليكون تأثيرهم كبيراً جداً".

ويردف: "إنهم يضلّلون المجتمع الفرنسي من خلال الادعاء بأنّ الخطر يتمثل في اليمين القومي المتطرف في فرنسا، ولكن الحقيقة أنه لا يوجد شيء اسمه اليمين المتطرف، فكل من يوصف بأنه من اليمين المتطرف هو مواطن فرنسي يكافح من أجل هويته وثقافته وعاداته وتقاليده وقوميته".

يختلف مع هذا الرأي الباحث السياسي الفرنسي علاء الدين بونجار، المقيم في باريس، إذ يقول في حديثه إلى رصيف22: "عندما نسمع تصريحات المسؤولين الفرنسيين ونقرأ التقرير الأخير الذي جاء بعنوان 'الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا'، نتفاجأ بما جاء فيه، وكأن الإخوان يشكّلون خطراً كبيراً على المجتمع، شبيهاً بدورهم في مصر أو الأردن مثلاً، وهذه مبالغة كبيرة جداً. في التقرير الأخير تم إدخال مصطلح جديد هو 'التغلغل داخل المجتمع الفرنسي'، بمعنى أنّ هؤلاء الأشخاص يريدون أن يدخلوا ضمن قيم المجتمع الفرنسي. لكن في الواقع، هذا التقرير جاء بخلفيات سياسية واضحة، إذ يتحدث عن تراجع دور الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين) في المجتمع الفرنسي، وهناك بالفعل تيارات تروّج لهذا الفكر لكنها أقلية، إذ تتواجد في نحو 30 مسجداً من بين 3،500 مسجد في فرنسا".

رصيف




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية