التجسس يغذي دوافع إسرائيليين لتعلم اللغة العربية

التجسس يغذي دوافع إسرائيليين لتعلم اللغة العربية


07/03/2022

في محاولة إسرائيلية حثيثة لتحقيق أغراض أمنية متعددة للتجسس الإلكتروني، وقيادة الحرب الرقمية على السكان العرب، يتعاظم إقبال المزيد من اليهود خلال الآونة الأخيرة على تعلم اللغة العربية، من خلال المؤسسات التعليمية المتخصصة بتدريس اللغات المختلفة، أو دراستها ذاتياً عبر المحاضرات التي تقدمها عدة مواقع إلكترونية على الشبكة العنكبوتية، ليتيح ذلك فرصاً قوية لهم للالتحاق في أجهزة المخابرات الصهيونية.

وتخصص إسرائيل برنامجاً يدعى "المستقبل"، يهدف إلى تعليم الطلاب في المدارس الثانوية اللغة العربية، ومنحهم فرصة للتعرّف إلى مسارات اللغة في جهاز الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، حتى يتم قبول بعضهم في وحدة "8200" الاستخباراتية الإسرائيلية، وهي المسؤولة عن التجسس الإلكتروني.

اقرأ أيضاً: لماذا أنشأت إسرائيل تطبيق "أبو علي إكسبرس"؟

وكانت صحيفة "يسرائيل هيوم" أفادت في تقرير لها، عام 2019، بأنّه، خلال عام 2018، تمّ فتح 260 تخصصاً لتعليم اللغة العربية في الجهاز التعليمي، وقالت الدكتورة إيتي إمويل، من مجموعة التدريب في فيلق المخابرات للجيش الإسرائيلي؛ إنّ "دور متعلمي اللغة العربية اليهود حساس جداً، لأنّ الطلاب يحبون اللغة ويريدون العمل بها في المستقبل، حيث يمكنهم الوصول إلى جميع الهيئات الأمنية".

خلال عام 2018، تمّ فتح 260 تخصصاً لتعليم اللغة العربية في الجهاز التعليمي

ووفق الصحيفة العبرية؛ فإنّ البيانات تشير إلى وجود المزيد من الطلاب اليهود الذين يدرسون اللغة العربية كمادة أساسية، في الثانوية العامة، وفي سنة 2015، كان عدد هؤلاء الطلاب 2487 طالباً، في حين أنّه في سنة 2016 ارتفع العدد إلى 2829 طالباً، لكن بشكل مفاجئ قلّ عدد الطلاب في سنة 2017 إلى 2371 طالباً، لكن مرة أخرى عاد ليرتفع عام 2018 إلى 2936 طالباً.

هناك فئة من الإسرائيليين زاد تعلمها للغة العربية والاهتمام بها، كردّ فعل على قانون القومية، أو كوسيلة احتجاجية لحالات تم خلالها منع البعض منهم من التحدث بالعربية

خلال عام 2015، أظهر بحث أكاديمي للمحاضر الإسرائيلي في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن ﭼوريون يوني مندل، أنّ الهدف المركزي من تعليم اللغة العربية في المدارس اليهودية في إسرائيل، هو إعداد كادر من أجل تجنيده في شعبة الاستخبارات العسكرية، وأنّ جنوداً من هذه الشعبة يشاركون بشكل دائم في تدريس العربية في المرحلتين الإعدادية والثانوية.

تهديدات ومخاوف أمنية

وقال البحث إنّ دروساً كهذه تجري بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم وشعبة الاستخبارات العسكرية، ومن أجل تحفيز التلاميذ على تعلم العربية من خلال الحديث عن تهديدات ومخاوف أمنية.

ووفق قانون التعليم الرسمي لعام 1953 والذي يقضي بأنّ من أهداف التعليم الرسمي معرفة اللغة والتاريخ والتراث والتقاليد المميزة للسكان العرب وغيرهم من المجموعات السكانية في دولة إسرائيل، والاعتراف بالحقوق المتساوية لجميع مواطني دولة إسرائيل.

 

اقرأ أيضاً: النواة التوراتية: سلاح فتّاك لتهجير العرب من المدن الفلسطينيّة المختلطة

وفي 19 تموز (يوليو) عام 2018، أقرّ الكنيست الإسرائيلي، بموافقة 62 ومعارضة 55، وامتناع نائبَين عن التصويت، قانون "القومية" الذي ينص على أنّ "دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي"، و"يشجع الاستيطان" في الضفة الغربية المحتلة، ويحصر "حق تقرير المصير" في إسرائيل على اليهود، ويعتبر "القدس الكبرى والموحدة هي عاصمة إسرائيل".

رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، د. شرف حسّان: المسّ بمكانة اللغة العربية في إسرائيل وتهميشها في الحيز العام يسير بشكل واضح

وبحسب إحصائية صادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية خلال عام 2021؛ فإنّ نسبة السكان العرب في إسرائيل (فلسطينيو الداخل) تشكّل 21.1% من إجمالي عدد السكان، في حين أنّ إجمالي عدد السكان في إسرائيل بلغ 9 ملايين و449 نسمة، من بينهم مليون و995 ألفاً من السكان العرب، فيما يبلغ اليهود 6 ملايين و982 نسمة.

إعداد كوادر مخابراتية

ويرى رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، د. شرف حسّان في تصريح لـ "حفريات" أنّ "تعليم اللغة العربية كان وما يزال أحد الدوافع الرئيسة في المدارس الإسرائيلية في المستويات التعليمية الموسعة بداخل الوسط اليهودي، وذلك لإعداد كوادر للعمل في أجهزة المخابرات الصهيونية يتحدثون اللغة العربية بشكل جيد، يضاف إلى ذلك رغبة بعض الإسرائيليين لتعلم العربية في ظلّ التوجهات الاقتصادية والسياسية الحالية في دولة الكيان، وذلك بعد موجة تطبيع عدد من الدول العربية لعلاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة".

 

اقرأ أيضاً: لماذا تتزايد الدعوات لمقاطعة منتجات شركة "بوما"؟

وتابع حسان بأنّ "المسّ بمكانة اللغة العربية في إسرائيل وتهميشها في الحيز العام يسير بشكل واضح، في ظلّ اعتبار دولة الاحتلال نفسها أنّها هي دولة لليهود فقط، مع تجاهل بقية السكان بداخلها، حتى بقيت السياسات والتوجهات لتعلم العربية تسير في اتجاه المنطلقات الأمنية، وخدمة المؤسسة الإسرائيلية لمعرفة العدو، وليس من منطلق التعرّف إلى العرب والحضارة العربية للاعتراف بها والرغبة في العيش المشترك بسلام حقيقي".

قانون القومية واللغة العربية

ولفت إلى أنّ "قانون القومية أبطل وأفشل مكانة العربية كلغة رسمية، وذلك للحدّ من إمكانية خوض نضالات قانونية متعلقة باستعمال العربية في الفضاء العام، وباتت الأفضلية من ناحية السياسات الإسرائيلية، والموارد، وجهاز التربية والتعليم الإسرائيلي للغة العبرية، من منطلق كونها لغة الدولة الرسمية، موضحاً أنّ "اللغة العبرية لا يتم التعامل معها كلغة هوية وانتماء لدى السكان العرب في إسرائيل، إنما كأداة اتصال، دون البعد عن الهوية الوطنية، والانتماء للثقافة الفلسطينية وللغة العربية، والتي يتم تدريسها في المدارس العربية".

رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، د. شرف حسّان لـ "حفريات": تعليم اللغة العربية وتدريسها في المدارس الإسرائيلية هدفه إعداد كوادر للعمل في أجهزة المخابرات والأعمال التجسسية

حسان أكّد إلى أنّ "هناك فئة من الإسرائيليين زاد تعلمها للغة العربية والاهتمام بها، كردّ فعل على قانون القومية، أو كوسيلة احتجاجية لحالات تم خلالها منع البعض منهم من التحدث بالعربية، حيث حرّك القانون الصهيوني قوى عربية مختلفة للاهتمام أكثر بمكانة اللغة العربية، خوفاً وحرصاً على مكانتها".

رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، لفت إلى أنّ "اللجنة دأبت مؤخراً على متابعة قضايا التعليم العربي في دولة الاحتلال، من إعداد مشروع "عام اللغة العربية"، والذي ما زال مستمراً إلى الآن، للاهتمام بالثقافة الفلسطينية، والأدب العربي والفلسطيني، وتشجيع الأجيال الشابة على تعلم العربية والاهتمام بها كمركب مهمّ من هويتنا الفلسطينية".

قوات المستعربين

وترى الناشطة السياسية من مدينة الناصرة صفاء شحادة خلال حديثها لـ "حفريات" إلى أنّ "تعلم اللغة العربية داخل دولة إسرائيل يندرج تحت نوعين، أولهما تعلم اللغة للعاملين في أجهزة الأمن والمخابرات على أساس دمجهم داخل قوات المستعربين، الذين يتمّ زجّهم داخل المجتمعات الفلسطينية بالضفة الغربية والداخل المحتل، حيث تكون ملامحهم أقرب إلى السكان العرب، لسهولة الانخراط بينهم، حتى يصعب كشفهم، وهو الهدف الأكبر لهذه الفئة لتعلم العربية لتحقيق تلك الغايات المخابراتية".

الناشطة السياسية من مدينة الناصرة صفاء شحادة: حماية الدولة أمنياً في إسرائيل يأتي من دوافع قومية، للمحافظة على يهودية الدولة

وتابعت بأنّ "النوع الآخر من المهتمين بدراسة اللغة العربية من الإسرائيليين من الأشخاص الذين يرغبون في التعمّق في دراستها لأغراض التعرف عليها، والتواصل مع السكان العرب كلغة إضافية، وذلك بعد أن كانت العربية لغة رسمية، ويجرى تدريسها في المدارس قبل إصدار قانون القومية خلال عام 2018، أما الآن فقد باتت لغة خاصة، وتحتل مرتبة ثالثة في المناهج التعليمية الإسرائيلية بعد اللغة الانجليزية، نتيجة لصعود اليمين إلى سدة الحكم في دولة إسرائيل".

المحافظة على يهودية الدولة

شحادة أكّدت أنّ "حماية الدولة أمنياً في إسرائيل يأتي من دوافع قومية، للمحافظة على يهودية الدولة، وذلك في ظلّ عدم وجود أيّ فصل بين القومية والأمن لديها، وهو ما دفع بالسلطات لسنّ قانون لإلغاء العربية كلغة رسمية"، مشيرةً إلى أنّ "تدريس اللغة العربية ليس إلزامياً داخل إسرائيل، بينما تعدّ لغة أولى داخل المناهج الدراسية في المدارس العربية، في حين تحتل اللغة العبرية فيها المرتبة الثانية، فيما تأتي الإنجليزية في المرتبة الثالثة للتعليم في هذه المدارس، وذلك للمحافظة على الهوية العربية، وكذلك لسهولة الاندماج في المجتمع اليهودي".

 

اقرأ أيضاً: الاحتلال يستعد لتنفيذ أكبّر عملية تطهير عرقي في القدس

وبيّنت أنّ سائر الدول حول العالم تهدف إلى تعلم لغة عدوها والتعرف على ثقافته لتحقيق أهداف وغايات مبطنة، "وهو ما تسعى إلى تحقيقه دولة الاحتلال، لمعرفة الشعب الفلسطيني، بهدف مواصلة سيطرتها عليه، كما يجري حالياً في الضفة الغربية والقطاع، وهو منطق ومنهج يتبع في كافة الدول، والتي تشهد حروباً ونزاعات مع دول أخرى".

 

اقرأ أيضاً: مقلاع سليمان: ذراع إسرائيل السريّة لمواجهة حركة مقاطعة الاحتلال

وبسؤالها حول الأسباب وراء إسقاط نواب القائمة العربية الموحدة في إسرائيل قانوناً يلزم بتعليم اللغة العربية في المدارس الإسرائيلي، أشارت شحادة إلى أنّ "القائمة العربية ساهمت بإنجاح قانون القومية، وإفشال أيّة قوانين من شأنها خدمة السكان العرب، وهو على ما يبدو تواطؤاً وتخاذلاً وصمتاً لافتاً من طرفها حول كلّ ما يتعلق بمصالح العرب في الداخل المحتل".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية