مقلاع سليمان: ذراع إسرائيل السريّة لمواجهة حركة مقاطعة الاحتلال

مقلاع سليمان: ذراع إسرائيل السريّة لمواجهة حركة مقاطعة الاحتلال


20/02/2022

في ظلّ مساعي إسرائيل الحثيثة لمحاربة حركات التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني، وتحجيم دورها، بعد نجاح هذه الحركات في التأثير على دولة الكيان وعزلها، سياسياً وثقافياً واقتصادياً، في عدد من الدول الأوروبية، أقدم الاحتلال على إنشاء مشروع "مقلاع سليمان"، لمحاربة حركات التضامن بشكل رئيس عبر الشبكة العنكبوتية، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن أبرزها حركة (BDS)، والتي تعدّها دولة الكيان من أكثر الحركات خطورة، لدورها في فضح جرائم وممارسات الاحتلال عالمياً.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع السلطة الفلسطينية الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل؟

وتهدف حركة  BDS لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، وهي حركة فلسطينية المنشأ، عالمية الامتداد، تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين، وصولاً إلى حقّ تقرير المصير لكلّ الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات؛ حيث تتناول مطالب حركة مقاطعة إسرائيل "BDS" طموح وحقوق سائر مكونات الشعب الفلسطيني التاريخية من فلسطينيي العام 1948 إلى قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس، إلى المخيمات والشتات، والذي شرذمه الاستعمار-الاستيطاني الإسرائيلي على مراحل.

اقرأ أيضاً: هل تنجح الجزائر في لمّ شمل الفرقاء الفلسطينيين؟

وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية قد كشفت، في 26 كانون الثاني (يناير) الماضي، سعي حكومة الاحتلال الإسرائيلي، برئاسة نفتالي بينيت، إلى مواجهة حركة المقاطعة العالمية لـ "إسرائيل" المعروفة بـ "BDS".

وأوضحت الصحيفة؛ أنّه "بمبادرة وزير الخارجية، يئير لابيد، قررت الحكومة بثّ روح جديدة في منظمة غير حكومية فاشلة تدعى "كونسرت" (سابقاً "مقلاع سليمان")، عملت في حينه بالتعاون مع وزارة الشؤون الإستراتيجية، وأغلقتها عن حق قبل نصف عام الوزارة الحالية".

 

اقرأ أيضاً: الاحتلال يستعد لتنفيذ أكبّر عملية تطهير عرقي في القدس

وأفادت بأنّ "هدف المشروع هو مكافحة حركة "BDS"، من خلال تجنيد منظمات ونشطاء مؤيدين لإسرائيل في النشاط الإعلامي في صالح إسرائيل".

"مقلاع سليمان" يتلقّى تمويله المالي من مؤسسات خارجية في الولايات المتحدة وبريطانيا تعمل على دعم إسرائيل، في حين تعمل حملة التضامن مع فلسطين على مقاطعة الاحتلال منذ سنوات

وبحسب قرار الحكومة؛ فإنّ منظمة "كونسرت" سيديرها نائب وزير الخارجية، عيدان رول، حيث ستتلقى من الحكومة ميزانية شاملة بمقدار 100 مليون شيكل توزع على أربع سنوات، و100 مليون شيكل أخرى ستجنّد عبر تبرعات من جهات مدنية".

بثّ روح جديدة في مشروع سخيف
ورأت الصحيفة؛ أنّ "قرار لابيد استثمار هذا المال الطائل لبثّ روح جديدة في مشروع سخيف، يتّخذ وسائل سخيفة وإسناد إدارته إلى نائب وزير نشاز، هو نكتة بائسة على حساب الجمهور"، منوّهاً بأنّ "هذا قرار يجعل من الصعب التمسك بالإيمان بأنّ الحكومة تحمل بشرى التغيير".

اقرأ أيضاً: النواة التوراتية: سلاح فتّاك لتهجير العرب من المدن الفلسطينيّة المختلطة

وكشفت مجلة "العين السابعة" العبرية، في 29 آذار (مارس) 2018؛ أنّ صندوقين أمريكيين قدّما تبرعات لهذا المشروع، وهذان الصندوقان يموّلان عادة منظمات إسرائيلية يمينية متطرفة، واتضح من تقرير قدمه هذا المشروع أنّه حصل خلال عام 2017، على ثلاثة ملايين شيكل من الصندوقَين الأمريكيَّين اللذين يتبرعان عادة لمنظمات اليمين والمستوطنين. 

الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه يخوضون حرباً قانونية حول العالم على حركة المقاطعة

وقالت الموقع الاسرائيلي إنّه يرجح أنّ التغطية الإعلامية النقدية لـ "مقلاع سليمان" والتحفظ منه، أدت إلى تغيير اسم المشروع من "مقلاع سليمان" إلى اسم لا يحمل شحنة سلبية وهو "كونتسيرت".

اقرأ أيضاً: تنظيمات إرهابية إسرائيلية تهدد برمي الفلسطينيين وراء النهر

وأعلن رئيس وزراء إسرائيل السابق، بنيامين نتنياهو، في حزيران (يونيو) 2015؛ أنّ حركة مقاطعة إسرائيل "BDS" تشكّل خطراً استراتيجياً، وكلّف وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية بمحاربة نشاطاتها، وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، كما رأى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، أنّها باتت تقارب نقطة تحول خطيرة لإسرائيل.

 

اقرأ أيضاً:  حيّ الشيخ جراح لن يكون نكبة جديدة

وكان وزير الخارجيّة الأمريكي، مايكل بومبيو، قد صرّح خلال عام 2020؛ بأنّ حركة المقاطعة هي حركة معادية للساميّة، وأنّ كلّ معاداة للصهيونية هي معاداة للساميّة، والولايات المتحدة تعمل بجدّ على الحدّ من ظاهرة معاداة السامية حول العالم، ومن واجبها العمل ضدّ حركة مقاطعة إسرائيل والتصدّي لها.

فشل إسرائيلي

وحول ذلك يعلّق أبرز مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، عمر البرغوثي، خلال حديثه لـ "حفريات"؛ بأنّ "محاولة إسرائيل إعادة إحياء برنامج "مقلاع سليمان" وضخّ مئات ملايين الشواكل فيه لضرب حركة المقاطعة "BDS" ربما يشكّل أكبر دليل ليس على فشل دولة الاحتلال في حربها على الحركة فحسب، بل أيضاً على فقدانها لأيّ سلاح فعّال لإضعاف الحركة، من خلال إعادة تدوير الاحتلال لبرنامج فشل منذ انطلاقه، عام 2018، كونه بُني على محاولة خداع، حيث يقوم المشروع على محاولة إخفاء تمويل الدولة الإسرائيلية، من خلال تقديم المشروع على أنّه "منظمة غير حكومية" تسعى للحصول على دعم مالي من المنظمات اليهودية الصهيونية، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها".

أبرز مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، عمر البرغوثي: حركة المقاطعة اليوم تعدّ من الأشكال الرئيسية للمقاومة الشعبية والمدنية الفلسطينية

وتابع البرغوثي؛ بأنّ "إسرائيل أعلنت الحرب على الحركة، موظفة أجهزة استخباراتها ومواردها البشرية والمالية الهائلة في هذه الحرب اليائسة، كما خصّصت إسرائيل وزارة الشؤون الإستراتيجية بأكملها، لقيادة هذه الحرب، التي استخدمت فيها أقذر الأساليب وأكثرها انتهاكاً للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، لكن فشل هذه الحرب أدّى، قبل أشهر قليلة، إلى قرار حكومي بحلّ هذه الوزارة، وإعادة التخطيط من جديد لأقوى الوسائل لهزيمة "BDS"، إلا أنّ الحكومة الحالية عادت وتبنّت الأدوات الفاشلة نفسها لحكومة نتنياهو، مما أثار سخرية المعلّقين الإسرائيليين وبعض الخبراء".

 

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": 2021 كان الأصعب على الفلسطينيين.. والمقبل ينذر بالانفجار

وأوضح؛ "الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه يخوضون حرباً قانونية حول العالم على حركة المقاطعة "BDS"، من خلال محاولة الضغط على الحركة والتضييق على نشطائها وملاحقتهم، لكنّ ذلك لا يعكس إلا حالة الإفلاس والإحباط التي وصلت لها حكومة الاحتلال، بعد أن أثبتت حركة المقاطعة قدرتها على تخطي هذه العقبات، والاستمرار في النمو والانتشار، وزيادة تأثيرها، وإحراز المزيد من النجاحات، فضلاً عن تنامي عزلة النظام الإسرائيلي، في مؤشر على نجاح أدواتها".

مقاطعة الاحتلال

البرغوثي أشار إلى أنً "حركة المقاطعة اليوم تعدّ من الأشكال الرئيسية للمقاومة الشعبية والمدنية الفلسطينية، كما تعدّ أهمّ حركة تضامن على الإطلاق مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه غير القابلة للتصرف، وأهمّها عودة اللاجئين، والتحرّر من الاستعمار وتقرير المصير، كما تقوم حركة المقاطعة "BDS"، على إعادة ربط النضال التحرّري الفلسطيني مع نضالات أخرى حول العالم، من أجل العدالة الاجتماعيّة والعرقيّة والاقتصاديّة والبيئيّة والجندرية".

أبرز مؤسسي حركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، عمر البرغوثي،  لـ "حفريات": إسرائيل أعلنت الحرب على الحركة، موظفة أجهزة استخباراتها ومواردها البشرية والمالية الهائلة

 وأوضح أنّ "الحركة بنت تحالفات تقاطعيّة واسعة حول العالم، مكّنتها من مضاعفة التضامن مع فلسطين، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية بين أوساط النقابات العمالية والأطر الفنية والأكاديمية، وفي أوساط بعض أكبر صناديق الاستثمار في العالم وبين الحركات الاجتماعية الأوسع في العالم".

وأوضح البرغوثي؛ أنّ "حركة المقاطعة تشهد تطوّراً ملحوظاً في ظلّ موجات الدعم العالميّ مع الشعب الفلسطيني ومع حركة المقاطعة "BDS"، ليؤكّد ذلك الآفاق الواعدة والمفتوحة لحركة مقاطعة إسرائيل "BDS"، باعتبارها سلاحاً أصيلاً وضرورياً في مواجهة العدوّ الإسرائيلي".

تمويل خارجي ومحلي

بدوره، أكد رئيس حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، البروفيسور كامل الحواش، لـ "حفريات"؛ أنّ "حركات التضامن في الخارج، مثل "BDS" وغيرها، تعمل دون أن يكون هناك أيّ خوف أو قلق من مشروع ما يسمى "مقلاع سليمان" الصهيوني، في حين تعمل حملة التضامن مع فلسطين على موضوع مقاطعة الاحتلال منذ سنوات طويلة، من خلال التعاون مع الحركة، للتوافق على السلع والشركات التي سيعملان لتوعية الشعب البريطاني بمقاطعتها".

رئيس حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، البروفيسور كامل الحواش: إسرائيل تتذرع بأنّ حركة المقاطعة لا تتسبب بأيّة تأثيرات عليها، وبشكل متناقض تماماً تسعى جاهدة على إيقافها

وتابع الحواش بأنّ "إسرائيل تتذرع بأنّ حركة المقاطعة لا تتسبب بأيّة تأثيرات عليها، وبشكل متناقض تماماً تسعى جاهدة على إيقافها، في ظلّ خشية دولة الاحتلال من نزع الشرعية عنها، كونها تتصرف وفق قوانين عنصرية، ومن بينها قانون القومية، وغيرها من القوانين العنصرية، بالتالي؛ فهي تحاول في سائر الدول حول العالم أن تجد مدخلاً لمنع حركة المقاطعة، فعلى سبيل المثال؛ فقد قام الاحتلال بالطلب من 25 ولاية، لسنّ قوانين تمنع البلديات من صياغة عقود مع شركات قامت بمقاطعة إسرائيل في السابق أو التي من المتوقع أن تقاطعها خلال المستقبل القريب".

 

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": العمليات الفردية ردّ فعل ضد جرائم إسرائيل

وبيّن أنّ "مشروع "مقلاع سليمان" يتلقّى تمويله المالي وفق حديث القائمين عليه، من قبل مؤسسات خارجية في الولايات المتحدة وبريطانيا تعمل على دعم إسرائيل، في حين تخشى تلك المؤسسات أن يتم وصفها واتهامها بالعمل لدولة أخرى، وذلك كجزء من اللوبي الصهيوني"، مبيناً أنّ "هناك تبرعات محلية لتجاوز هذه المشكلة مع استمرار تدفق المساعدات الخارجية، وذلك لتسويق إسرائيل كدولة ديمقراطية وتكنولوجية، وتهتم بحقوق الإنسان، وأنّها دولة اليهود الوحيدة، ويجب التعاون معها، وتجنب انتقادها ومقاطعتها".

حركة قوية وناجحة

الحواش أكّد أنّ "الدعم لحركة المقاطعة دولياً حاضر من خلال الشعوب حول العالم، وهو ما يزيد استياء دولة الاحتلال، مما دفعها لسنّ قانون، في آذار (مارس) عام 2017، يمنع دخول الأشخاص الفاعلين والناشطين في حركات المقاطعة، في حين ما تزال بعض الدول الأوروبية تقف إلى جانب الاحتلال، وتعمل على سنّ قوانين لتجريم حركة المقاطعة ضدّ إسرائيل، ووسم ما يجري بأنّه مقاطعة لليهود، لاتهام هذه الحركات بأنّها معادية للسامية، والواقع أنّ دولة الكيان تريد أن يكون هناك تقاطع في انتقاد إسرائيل لأنّها يهودية، إلا أنّ ما يجري من مقاطعة هو يتعلق بسياسات إسرائيل على الأرض في المدن الفلسطينية كافة، كالذي يجري مؤخراً في حيّ الشيخ جراح، وغيره من المناطق الفلسطينية، من عمليات التطهير العرقي، وهي أعمال تؤدّي إلى نزع الشرعية عن الاحتلال، وهو ما تخشاه".

ولفت إلى أنّ "حركة "BDS" ناجحة وقوية، ويعمل أفرادها على توعية الشعوب في مختلف أنحاء العالم، لمقاطعة سلع ومؤسسات وشركات معينة، وسحب استثماراتها ومشاريعها من الأراضي المحتلة، وهو الأمر الذي سيؤدّي للضغط على دولة الاحتلال، كي تنهي سياستها وتعاملها مع الفلسطينيين بحسب القانون الدولي".

وبسؤاله حول إمكانية أن تنجح إسرائيل بمنع استخدام كلمة أبرتايد، أوضح رئيس حركة التضامن أنّه "من الصعب جداً أن ينجح الاحتلال في منع تداول واستخدام كلمة أبرتايد، في ظلّ صدور العديد من التقارير الحقوقية الوازنة، كان آخرها تقرير منظمة العفو الدولية، وتقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الأسكوا"، وكذلك تقرير لأكاديميين أمريكيين، جميعهم وصفوا دولة الكيان بأنّها ترتكب جريمة أبرتايد ضدّ الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، لكن يبقى السؤال: كيف يمكننا أن نقنع الحكومات حول العالم بأنّ دولة الاحتلال ترتكب هذه الجريمة وعليهم محاسبتها على ما تقوم به؟".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية