هل تستطيع السلطة الفلسطينية الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل؟

هل تستطيع السلطة الفلسطينية الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل؟


06/02/2022

على الرغم من محاولات السلطة الفلسطينية المتكررة لتطبيق خطة الانفكاك الاقتصادي عن الجانب الإسرائيلي، وتعزيز المنتج الفلسطيني، في محاولة منها لكسر عقبة التحكم الصهيوني، إلا أنّ خططها لم تنجح على ما يبدو في ظلّ الهيمنة الصهيونية على سائر مقومات الاقتصاد الفلسطيني، والذي بات اقتصاداً استهلاكياً، وسوقاً كبيراً لترويج البضائع الإسرائيلية.

وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، قرّر في 5 آذار (مارس) عام 2015، تحديد العلاقة مع إسرائيل سياسياً واقتصادياً، ووقف التنسيق الأمني معها، والانفكاك عنها، وعاد ليتخذ القرار نفسه، في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2018.

اقرأ أيضاً: هل تنجح الجزائر في لمّ شمل الفرقاء الفلسطينيين؟

وهدّد وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، باللجوء إلى التحكيم الدولي في حال منع إسرائيل الجانب الفلسطيني من الاستيراد والتصدير ضمن خطوات الانفكاك الاقتصادي.

وقال المالكي لإذاعة "صوت فلسطين" الرسمية، خلال عام 2019؛ إنّ اتفاقية باريس الاقتصادية (الموقّعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1994 لتحكم العلاقات الاقتصادية) تسمح لنا بالاستيراد وهو حقّ حصلنا عليه من تلك الاتفاقية.

سيطرة إسرائيلية كاملة على المعابر

وأضاف أنّه "في حال قيام إسرائيل بمنعنا من الاستيراد والتصدير، سنلجأ إلى التحكيم الدولي بعد أن أصبحنا أعضاء في المحكمة في لاهاي ودول أخرى مثل فرنسا باعتبارها راعية لاتفاقية باريس".

وأشار إلى أنّ الجانب الفلسطيني "سيطرق أبواب مختلف المحافل الدولية من بينها الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها، ولن نتردّد على الإطلاق في التوجه إلى كلّ العناوين ذات العلاقة بشكل مباشر أو غير مباشر".

اقرأ أيضاً: النواة التوراتية: سلاح فتّاك لتهجير العرب من المدن الفلسطينيّة المختلطة

ووقعت السلطة الفلسطينية وإسرائيل، في باريس، في 29 نيسان (أبريل) عام 1994، اتفاقية باريس هي الاسم الدارج للبروتوكول الاقتصادي الملحق باتفاقية أوسلو، وتتكون الاتفاقية من 82 بنداً، بهدف تنظيم العلاقات الاقتصادية عبر "اللجنة الاقتصادية المشتركة" بين الطرفين خلال 5 سنوات هي عمر المرحلة الانتقالية من اتفاقية أوسلو التي انتهت فعلياً عام 1999، غير أنّ هذه اللجنة لم تجتمع سوى مرات قليلة، قبل أن تجمّدها إسرائيل كلياً عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.

يعتمد 80% من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة على المنتجات والسلع التقليدية الاستهلاكية الإسرائيلية أو المستوردة من خلال وكلاء إسرائيليين، وهو ما يدرّ على الاحتلال دخلاً مالياً كبيراً

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد إشتية، قال إنّ حكومته تعمل على الانفكاك من التبعية الإسرائيلية اقتصادياً بالتوجه إلى العمق العربي، مؤكداً أنّ زيارته للأردن والعراق ومصر تصبّ في هذا الاتجاه.

وأضاف إشتية، خلال مقابلة صحفية من القاهرة، في 14 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، أنّ زياراته الخارجية حققت "نتائج طيبة"، سواء في الأردن أو العراق أو مصر، موضحاً: "اتفقنا مع الأشقاء في الأردن على أمور كثيرة، من بينها زيادة إمدادنا بالكهرباء من 35 ميغا إلى 160 ميغا، كما اتفقنا مع الأشقاء في العراق على استيراد كلّ احتياجاتنا من البترول عبر الأردن، فيما كانت زيارتنا لمصر ناجحة ومثمرة، واتفقنا مع الأشقاء في مصر على التعاون في عدد من المجالات الحياتية المختلفة".

اقرأ أيضاً: ن يحمي نساء فلسطين من عنف العقلية الذكورية؟

وزاد: "توجهنا إلى الاستيراد من الخارج منصوص عليه في الاتفاق الاقتصادي الذي وقّعناه مع إسرائيل (اتفاق باريس)، بالتالي، نحن عندما نذهب إلى عمقنا العربي لا نكون قد أخلّلنا بالاتفاقات الموقعة، صحيح أنّنا لم نستخدم هذا الحقّ في السابق، لكننا قرّرنا الآن أن نستخدمه".

ووفق بيانات سلطة الطاقة الفلسطينية، يستورد الفلسطينيون من إسرائيل 93% من الكهرباء المستهلكة، و85% من مياه الشرب، و100% من الوقود والغاز المنزلي.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة الواردات والصادرات الفلسطينية من دولة الاحتلال وإليها، عام 2018، حوالي 55.3%، و83.7% من إجمالي الواردات وإجمالي الصادرات على التوالي.

هدف بعيد المنال

وتعليقاً على ذلك، أكّد أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، الدكتور بكر إشتية، لـ "حفريات"، أنّ "الحديث عن انفكاك اقتصادي عن الجانب الإسرائيلي هدف بعيد المنال، في ظلّ عدم توافر ثلاثة مكونات أساسية لدى السلطة الفلسطينية، للمضي في تنفيذ هذا الانفكاك، وهي عدم سيطرتها على الموارد المالية والمقاصة وحتى التحويلات المالية التي تأتي من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى عدم تحكمها بالموارد الطبيعية، ما تسبّب بخسارتها ما يقارب 5 مليارات دولار سنوياً، بحسب بيانات البنك الدولي، نتيجة السيطرة الإسرائيلية عليها، وكذلك السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المعابر، وهي عوامل تجعل من الصعب جداً الانفكاك عن الجانب الإسرائيلي".

أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، الدكتور بكر إشتية: التبعية الاقتصادية الفلسطينية للجانب الإسرائيلي مستمرة منذ عام 1967

وتابع إشتية بأنّ "التبعية الاقتصادية الفلسطينية للجانب الإسرائيلي مستمرة منذ عام 1967؛ حيث كان الاقتصاد الفلسطيني يعتمد حينها على التجارة البينية، ومنظومة سوق العمل، وبعد توقيع اتفاق أوسلو، عام 1993، بين إسرائيل والسلطة، لم نجد أيّ تراكم من طرف الأخيرة لمحاولة الانفكاك عن الجانب الإسرائيلي، حتى بات الاقتصاد الفلسطيني في حالة من الذوبان والانصهار"، مشيراً إلى أنّ "الانفكاك يتطلب الاستعاضة عن المنتج الإسرائيلي بالمنتجات الفلسطينية، وكذلك استبدال الشيكل الإسرائيلي بالدينار الأردني أو الدولار الأمريكي، وإنتاج الكهرباء، وهي متطلبات تجعل الحكومة الفلسطينية عاجزة عن تحقيق الانفكاك الكامل".

اقتصاد فلسطيني استهلاكي

وأوضح أنّ "الاقتصاد الخدمي والاستهلاكي الفلسطيني ساهم بشكل كبير في تعزيز التبعية الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي، حتى بات هناك تراجع واضح في الأنشطة الزراعية والصناعية بالنسبة للناتج المحلي الفلسطيني، في حين ساهمت مصادر التمويل الكبيرة والتي تأتي من العمال الفلسطينيين الذين يعملون في الداخل المحتل، بالإضافة إلى السياحة الوافدة من فلسطيني الداخل أيضاً إلى أن تكون هناك طاقة استهلاكية عالية، تمّ تحويلها إلى استثمارات خدمية ساهمت في تضخم قطاع الخدمات، وهو الأمر الذي فاقم سياسة اعتماد الفلسطينيين على الجانب الإسرائيلي اقتصادياً".

وزير التخطيط الفلسطيني السابق سمير عبد الله، لـ "حفريات": لا بدّ من تعزيز ثقافة الاقتصاد، وتوجيه القروض نحو زيادة الإنتاج المحلي، وتطوير الإنشاءات والقطاعات الصناعية والسياحية، وتعزيز الصادرات المحلية

وبيّن د. بكر إشتية أنّ "إسرائيل نجحت في تهميش الاقتصاد الفلسطيني وتكريسه لها، عبر الاستخدام المفرط للعمالة الفلسطينية، بعد أن شكّلت العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل من عمال قطاع غزة على وجه التحديد قبل توقيع اتفاقية أوسلو 46% من العمالة، بينما شكلت العمالة في الضفة الغربية 35%، إضافة إلى فتح الأسواق الفلسطينية للمنتجات المتنوعة، وهو أمر أدّى إلى إلحاق الضرر الكبير في مكونات الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام".

اقرأ أيضاً: تنظيمات إرهابية إسرائيلية تهدد برمي الفلسطينيين وراء النهر

وبسؤاله حول إمكانية تعديل السلطة الفلسطينية لبروتوكول باريس الاقتصادي أو الانسحاب منه، أشار الأكاديمي الفلسطيني إلى أنّه "لا يمكن الانسحاب من البروتوكول، والذي بات ملزماً للحكومة الفلسطينية للعمل به، وليس من مصلحتها الانفكاك عنه، لأنّه يحقق مصادر التمويل المالية للسلطة، إلا أنّ إجراء تعديل على بعض بنوده يتطلب مطالبة جديّة من قبل السلطة عبر المحافل الدولية، لإجراء بعض التغييرات على بنوده، التي من شأنها أن تحقق بعض الفوائد والامتيازات للسلطة الفلسطينية".

لا إرادة سياسية للانفكاك

ويرى وزير التخطيط الأسبق، ومدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) السابق، الدكتور سمير عبد الله، خلال حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "سياسة الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال الإسرائيلي موقف سليم من ناحية سياسية، لرفض التعامل معه وتقليص موقعه الاستعماري، إلا أنّه لا توجد إرادة سياسية لدى السلطة لتحقيق ذلك، وبالتالي فإنّ الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل بات هدفاً من الصعب تحقيقه، وأشبه ما يكون بالمستحيل، خاصة في ظلّ أيضاً التغلغل الإسرائيلي وتحكمه في كافة الحياة الاقتصادية".

 وزير التخطيط الأسبق، ومدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) السابق، الدكتور سمير عبد الله: السوق الفلسطينية سوق كبيرة للمنتجات الإسرائيلية

وتابع عبد الله أنّ "السوق الفلسطينية سوق كبيرة للمنتجات الإسرائيلية؛ حيث يعتمد 80% من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة على المنتجات والسلع التقليدية الاستهلاكية الإسرائيلية أو المستوردة من خلال وكلاء إسرائيليين، وهو ما يدرّ على الاحتلال دخلاً مالياً كبيراً، حتى باتت مصانع إسرائيلية مستمرة في عملها، بسبب السوق الفلسطينية التي تمدّها بالحياة لبقائها".

اقرأ أيضاً: على بوابة العام الجديد: حيّ الشيخ جراح لن يكون نكبة جديدة

ولفت إلى أنّ "لجوء السلطة الفلسطينية للاستغناء عن التداول بعملة الشيكل الإسرائيلي، والتوجّه نحو عملتَي الدولار الأمريكي والدينار الأردني أمر صعب، بعد أن فرضت العملة الإسرائيلية نفسها داخل السوق الفلسطينية، وأصبحت الملجأ الوحيد للسكان لحفظ قيم مدخراتهم المالية، للمحافظة على القيمة الشرائية، نتيجة لاستقرارها أكثر من العملات الأجنبية الأخرى".

تغيير السلوكيات الاقتصادية السلبية

عبد الله أكّد أنّ "فلسطينيين كثيرين يميلون نحو تحويل العملات الصعبة بالعملة الإسرائيلية، حتى باتت الودائع من العملة الأخيرة لدى سلطة النقد الفلسطينية تشكّل ما نسبته 40%، بعد أن كانت تصل قبل سنوات إلى 10 إلى 15%، وهو ما يشير إلى أنّ هناك تداولاً كبيراً لعملة الاحتلال يصل إلى 90% من حجم التداول".

وأوضح أنّ "هناك عدة أساليب لتخفيض التداول بعملة الشيكل الإسرائيلية من خلال تخفيض الكتلة النقدية للعملة، عبر تقليص التبادل بالعملات الورقية، والتوجّه نحو الدفع الإلكتروني، وهو من شأنه أن يؤثر بشكل مرتفع على هذه الكتلة، والتي تحقق فائدة كبيرة لدى الاحتلال".

اقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": 2021 كان الأصعب على الفلسطينيين.. والمقبل ينذر بالانفجار

ولتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية وخلق واقع اقتصادي يلبّي طموحات الفلسطينيين، دعا الوزير السابق؛ إلى "تغيير النمط الاستهلاكي هو الذي يطغى على الحياة العامة لدى بعض الفلسطينيين؛ لذلك لا بدّ من تغيير هذه السلوكيات نحو تعزيز ثقافة الاقتصاد، وتوجيه القروض نحو زيادة الإنتاج المحلي، وتطوير الإنشاءات والقطاعات الصناعية والسياحية، وتعزيز الصادرات المحلية، وتوجيه الاستثمارات نحو المشاريع المهمة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية